إسلام ويب

فرصة الرجوع إلى اللهللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من نعم الله العظيمة علينا أن جعل لنا مواسم نعرض فيها أنفسنا على الكتاب والسنة، ونراجع أنفسنا فيما بيننا وبين خالقنا جل وعلا. ومن هذه المواسم التي وهبها الله لهذه الأمة شهر رمضان بما يحمله من رحمات، وما يحويه من أحكام تجعل المسلم راغباً في الرجوع إلى ربه، والأوبة إلى خالقه وباريه. وهذا الموسم على ما فيه من المزية والفضل إلا أنه لا يخلو من الأخطاء التي يرتكبها البعض من إسراف في المآكل والمشارب، والسهر في غير ما طاعة، والتكاسل عن السعي في طلب الرزق بحجة الصيام والقيام، وغيرها من الأخطاء التي جرى التنبيه إليها في هذه المادة.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبق فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما.

    اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وأعنا على طاعتك وعلى شكرك وذكرك وحسن عبادتك، واصرفنا يا مولانا عن السيئات والمعاصي والذنوب، فإنه من تقِ الذنوب والمعاصي والسيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

    استقبال رمضان

    أيها الإخوة في الله: يستقبل المسلمون ضيفاً كريماً، وغائباً عزيزاً، طالما انتظروه بقلوبٍ مفعمةٍ بالشوق حينما يستقبلونه، وبالحزن والأسى والندم حينما يودعونه، ضيفٌ إذا جاء أقبل معه الخير، وجاءت معه البركات من كل جانب، شهرٌ عظيم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ينادي منادٍ في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، مفتوحة على مصاريعها، إنها فرصة عظيمة لمن يريد أن يعود إلى الله، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى شيء مما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان.

    يضاعف الله فيه الحسنات، من عمل فيه حسنة كان كمن عمل ألف حسنة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، يغفر الله عز وجل في كل ليلة لعددٍ عظيم من الخلق، كلهم قد استوجبوا النار، وهو موسم لا ينبغي للمتاجر مع الله أن يدعه.

    رمضان موسم التجارة مع الله

    الناس الآن في حياتهم التجارية لديهم مواسم، فكل إنسان عنده تجارة لا بد أن يكون عنده جزء من العام، يضاعف فيه جهوده، أعطيكم مثالاً الآن: تجار الملابس والأزياء يعدون للصيف ملابسه ويعدون للشتاء ملابسه، فإذا جاء وقت الشتاء فماذا يجهزون؟ الأصواف (والأكوات والفنايل والشراريب والغتر) التي تصلح للشتاء، ويعرضونها ويكثرون منها في هذا الفصل، فإذا جاء الصيف فإنهم يأخذون كل هذه الملابس ويردونها إلى المخازن ويأتون بشيء يصلح للصيف، وهكذا كل تاجر يعرض ما يناسب في الوقت المناسب، وأيضاً يعطي رعاية لهذه البضاعة التي يقدمها ويقبل عليها الناس في هذا الموسم.

    والناس كذلك في تجارتهم مع الله التجارة الرابحة التي يقول الله عز وجل فيها: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] والتي يقول فيها عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10] هذه التجارة الرابحة مع الله عز وجل على مدار العام، عبر فرائض محددة، وواجبات معينة، ومنكرات ممنوعة، وكبائر محذورة، ولكن هناك فرص ومواسم يتيحها الله لأهل هذه التجارة ليضاعف لهم الحسنات.

    ومن أعظم المواسم التي مَنَّ الله بها على هذه الأمة: شهر رمضان المبارك، وهو فرصة لمن أراد أن يتوب، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين في كل وقتٍ، ولكن في رمضان يزيد فتح عطائه على الناس: فيا من جفت روحه! ويا من قسا قلبه! ويا من قاده شيطانه واستفزه إلى المعاصي والذنوب! هاهي فرصتك لتتوب عبر هذا المشوار العظيم مع الله عز وجل في شهر رمضان.

    رمضان دورة تدريبية للمؤمنين

    وهو أيضاً دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام، ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر والتحمل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم ويسمع الأغاني؟!

    ويتدربون فيها على حفظ أبصارهم، كيف يصومون ويطلقون أبصارهم في الحرام؟!

    ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن الحلال ويفطرون بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة، هذا هو الذي قبل الله صيامه أن يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان، دورة تدريبية إلزامية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088516699

    عدد مرات الحفظ

    777067953