إسلام ويب

عقوبة تارك الصلاةللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للصلاة مكانة عظيمة في هذا الدين، فقد اختصت بخصائص عن سائر العبادات، وكان من أهمها أنها شرعت في السماء وأنها لا تسقط عن العبد بأي حال من الأحوال. وهي أبرز صفات المؤمنين كما بين الله ذلك في كتابه، ولذا كان لتارك الصلاة أحكاماً في الدنيا قبل الآخرة، من أهمها أنه يقتل ردة بعد استتابته. وقد تطرق الشيخ في محاضرته إلى التحدث عن نعم الله وكيفية شكرها، مبيناً أن المعاصي هي السبب في زوالها، مع ضرب أمثلة من الأمم السابقة ممن كفروا بنعم الله، خاتماً ذلك بوصية بالمحافظة على مجالس العلم الشرعي.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

    أولاً: جزى الله الإخوة القائمين على أمر هذه الندوة خيراً، حيث هيئوا لنا هذا الاجتماع المبارك وهذه الحلقة الطيبة في هذه الروضة الناظرة وفي هذه المجالس الطاهرة؛ مجالس الملائكة، مجالس النور، المجالس التي يحبها الله ويباهي بأهلها في السماء، المجالس التي يقول الله عز وجل للقاعدين فيها: (قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) لأن من أعظم القربات إلى الله ومن أجلِّ الأعمال إلى الله: ذكر الله تبارك وتعالى، يروي أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل).

    وقد كلف الله المكلفين بعبادات محددة في زمن معين وبهيئة معينة وبكمية معينة إلا ذكر الله، فما حدده بعدد ولا بزمن ولا بهيئة أو كيفية، وإنما طلب الإكثار منه وبين أن من صفات عباده: الإكثار من ذكره، قال عز وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:190-191] وهذه هي حالات الإنسان الثلاث التي لا يمكن أن يكون في غيرها فهو إما أن يكون قائماً أو قاعداً أو راقداً.

    فالمؤمن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه وفي كل حالة من أحواله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    ويثني الله عز وجل على أهل ذكره فيقول: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35] ويقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] ويخبر تبارك وتعالى أن من أبرز صفات عباده أهل الإيمان كثرة ذكر الله، يقول عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد:28] تسكن قلوبهم وترتاح قلوبهم وتهدأ قلوبهم عند سماع ذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] أي: قلوب أهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم.

    حال المعرضين عن ذكر الله

    يخبر تعالى أن أبرز صفات أعدائه المكذبين لرسله المحادين له الرافضين لأوامره، أنهم لا يحبون ذكر الله عز وجل، قال عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر:45] أي: يريد كل عِلْم إلا ذكر الله، يذكر كل شيء إلا ذكر الله، يذكر الدوام ولا يغيب عنه، يذكر الطعام ولا يفوته، يذكر مواعيد زملائه ولا يخل بوعد، يذكر المباريات ولا تفوته مباراة، يذكر المسرحيات ولا تفوته مسرحية، المهم أنه ينظم أموره كلها، ولكنه لا يذكر الله عز وجل، وقد قال الله في شأنه: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ [المجادلة:19] أي: استعمرهم واستولى عليهم اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19].

    فيقول عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] لو قيل: إن المباراة في أرض بعيدة سيمشي على ركبه ويديه، ولو قيل له: إن السمرة واللعب في أبعد وادٍ أو في أصعب جبل لذهب إليه، لكن الندوة وذكر الله لا يأتي لها إلا مرغماً، إنا لله وإنا إليه راجعون!

    وقد توعده الله بالعذاب الذي لا يصبر عليه، قال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] لأن العيشة الهنية والسعيدة والرضية هي في طاعة الله، وما يبحث الناس عنه الآن من مسليات ومن مهدئات لأنفسهم، كلها بسبب البعد عن الله، وما عرفوا من أين أتوا وما لاحظوا أن سبب بلائهم هم يسيرون فيه وأن السعادة كلها في طاعة الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] أي: عذاب الدنيا المعيشة الضنك، وعذاب الآخرة أن يحشره الله أعمى، يحشره الله أعمى بصر وأعمى بصيرة، ويأمره الله عز وجل أن يسير على الصراط وأن يعبر على الجسر.

    حال المعرضين عن الله إذا مروا على الصراط

    الجسر وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع صفات: أنه أدق من الشعر وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب، والعباد مكلفون ومأمورون بالسير عليه إذ لا وصول إلى الجنة إلا بالمرور عليه، والجسر مضروب على متن جهنم، فجهنم من تحت والناس في المحشر والجنة هناك وأنت تريد الجنة فامش إليها.

    كيف تمشي في طائرة؟ في سيارة؟ على وسيلة نقل؟ لا، هناك وسيله اسمها: وسائل النقل الإيماني، ووسائل العمل الصالح، الذي قد تجهز بعمل صالح وبإيمان صادق في هذه الدنيا يعبر، ولهذا أخبر عليه الصلاة والسلام: (أن من الأمة من يمر كالبرق الخاطف).

    لما رئي سفيان الثوري رضي الله عنه في المنام قالوا: ما صنع الله بك؟ قال: [وضعت قدمي على الصراط والثانية في الجنة] أخذها خطوة كلها، لماذا؟! لأن سفيان عابداً تقياً خائفاً من الله، منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل، ومنهم من يمر كشد الرجل أي: مثل عدو الرجل، ومنهم من يمر ماشياً، ومنهم من يمر عابراً يمشي ويتعثر، ومنهم من يحط أول خطوة والثانية في النار. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    فالله يحشره أعمى ويأمره بأن يسير على الصراط، وكيف يسير وهو أعمى؟! كيف ينظر والجسر أحد من السيف، وأدق من الشعر، وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب؟ لو نصبنا الآن خشباً ووضعناه بين عمارتين طول كل عمارة أربعة أدوار وبين العمارتين عشرون متراً ووضعنا هذا العمود وقلنا للناس امشوا عليه وعرضه (50سم) من يقدر أن يمشي عليه؟ لا أحد يستطيع أن يمشي، وإذا مشى فسيمشي وهو خائف جداً، والسقوط أقرب.

    لكن السقوط في نار جهنم سبعين خريفاً، يقول عليه الصلاة والسلام وقد سمع وجبةً وهو مع أصحابه -أي: رجة-: (أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك حجر ألقي في شفير جهنم لم يصل إلا اليوم له سبعون خريفاً ما وصل إلا اليوم) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

    فسبب حشر الله له أعمى: أنه كان أعمى في هذه الدنيا، كان مبصراً في كل شيء إلا في طاعة الله، أما في دين الله فهو أعمى لا يعرف شيئاً في دين الله ولا يريد دين الله، وإذا قلت له: تعال -يا أخي!- تعلم دين الله، اجلس في مجالس العلم، انتقل من بيتك واركب سيارتك وابحث عن العلم، أين طلبة العلم، أين الندوات، أين الحلقات، اذهب إليها، قال: شغلتونا دعونا نسمر ونمسي، أشغلناه بطاعة الله، يريد أن يعيش أعمى ويموت أعمى، قال الله: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72] .. وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].

    حب الذكر من علامات ا لإيمان

    علامة الإيمان -يا أخي المسلم!- وعلامة اليقين حبك لذكر الله، يقول الله تبارك وتعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ [الزمر:22] اللهم اجعلنا منهم يا رب.

    شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، أي: فتح الله قلبه للدين، فهو على نور من الله، أينما سار فهو على نور أمامه بين يدي الله عز وجل، لماذا؟ لأنه منشرح الصدر والقلب لله؛ قلبه مفتوح ومشرق ومنور بنور الله: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر:22] إن قاسي القلب الذي لا يلين لذكر الله، الذي تقشعر منه جلود الذين آمنوا ويخشون الله عز وجل، هذا يصبح وقوداً لجهنم -والعياذ بالله-؛ لأن الله يقول: نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] القلوب القاسية التي ما لانت في الدنيا بطاعة الله وما لانت في الدنيا بذكر الله عز وجل يعذبها الله عز وجل بأن يلينها بالعذاب الشديد، وبالنكال الأكيد، وبالنار السوداء التي تحرق أصحابها؛ لأنهم ما رضوا بطاعة الله في هذه الحياة.

    فيا أخي المسلم! لا أحد يعرف ما في قلبك، ولكنك أنت أعلم بنفسك، فإن كان قلبك يلين لذكر الله، ويحب ذكر الله، وأينما سمع بذكر الله ذهب إليه، ولو كان عالماً، لكنه يعرف مجالس العلم وفضيلتها، ويعرف أن الله يباهي بأهلها في السماء، وأن الله تبارك وتعالى ينادي أصحاب مجالس العلم ويقول: (قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) فهو يحب ذكر الله في الليل والنهار، فهذه علامة الإيمان.

    أما إذا كانت الأخرى: القلب قاسٍ، والعين متحجرة، والقلب غافل ولا يريد ذكر الله، فاعلم أن في قلبه مرضاً، وعليه أن يسارع بعلاجه في هذه الدنيا قبل أن يكون العلاج في جهنم، وقبل أن يكون الدمع دماً والأضراس جمراً أعاذنا الله وإياكم من ذلك!

    فجزى الله الإخوة الذين هيئوا لنا هذا الاجتماع المبارك خيراً، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما نقول وبما نسمع، وأن يجعله حجةً لنا لا حجةً علينا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088538335

    عدد مرات الحفظ

    777201401