وبعد:
أيها الأحبة في الله: هذا الدرس ضمن سلسلة دروس تأملات في السيرة النبوية، وعنوانه: (معالم الدعوة إلى الله).
والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل، ووظيفة من أكرمه الله عز وجل بالسير على هديهم واتباع طريقهم من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وليس أجل ولا أعلى ولا أرفع منزلة ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وهذا بنص كلام الله عز وجل، يقول ربنا عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33] أي: لا أحسن ولا أفضل؛ لأن عمل الداعية يقوم بدور الوساطة وتقريب العلاقات، وتصليح الصلات بين العباد وبين المعبود، فهو يحبب الناس إلى الله، ويحبب الله إلى الناس، وبالدعوة تصلح البشرية، ويظهر الخير، ويقمع الفساد، وتحصل البركة، ويرضى الرب عن الناس، فينجون من عذاب الله، ويكسبون الفلاح في الدنيا والآخرة، والرسل والأنبياء هم قادة الدعاة إلى الله، وخاتمهم أفضلهم بلا شك هو: محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، سماه الله داعية، قال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:45-46].
هذه صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فهو شاهد على الأمم كلها، وعلى هذه الأمة، ومبشر بالرضوان والفلاح والسعادة لمن أطاعه، ونذير بالعذاب والدمار لمن عصاه، وبعد ذلك: وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:46] اللهم صل وسلم عليه.
سماه الله سراجاً أي: مضيئاً، والسراج فيه نور وفيه نار، الشمس سراج وهاج، عندما تجلس تحت الشمس يأتيك نور وتأتيك -أيضاً- حرارة، أما القمر إذا جلست تحت ضوئه فيأتيك نور من غير حرارة، لهذا قال الله: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان:61] فالرسول صلى الله عليه وسلم سماه الله "سراجاً" من الشمس وسماه "منيراً" من القمر، اللهم صل وسلم عليه، فجمع بين صفتي الشمس والقمر، أخذ من الشمس السراج، وأخذ من القمر الإنارة من غير الوهج والاحتراق، صلوات الله وسلامه عليه.
وأمره الله بأن يكون داعية قال الله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] وأمره أن يخبر الناس فيقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [يوسف:108] أي: هذا ديني وهذا منهجي: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي [يوسف:108] وما هو سبيله صلى الله عليه وسلم؟
الله أكبر! -يا إخواني- كثير من الأمة لا تعلم عن هذا السبيل أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا [يوسف:108] لوحدي، فإذا مت انتهت الدعوة؟ لا. مسئولية على أمتي: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] يلزمك إذا كنت من أتباع محمد أن تكون داعية شئت أم أبيت، وإلا فلا تبعية.
لو أن شخصاً أخذ سيارة وذهب يقودها بدون ترخيص وأحدث مشاكل، فإننا نمنعه ونجازيه، ونقول له: لماذا تقود بدون رخصة؟ وكذلك إذا كان التعامل مع الحديد فيه خطر على أرواح المسلمين، كذلك التعامل مع الدعوة بغير علم فيها خطر على عبادة الناس، وعلى عقائد الناس، وعلى دين الناس، فلا بد من معرفة المعالم الرئيسية التي ينبغي أن تعرف وتعلم عن هذه الدعوة.
وهذه المعالم نقتبسها ونأخذها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه النموذج الإنساني الكامل للتطبيق الإسلامي في الدعوة إلى الله، خير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، الداعية العظيم، الذي اكتملت فيه جميع الكمالات البشرية والإنسانية الموزعة على عموم الأمم، والموزعة على جميع الأنبياء، كل نبي فيه كمالات، لكن الله خصها وجمعها كلها ووضعها في محمد صلى الله عليه وسلم، وشهد له بالشهادة الربانية بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]صلوات الله وسلامه عليه.
من أجل ماذا تتكلم؟ أمن أجل أن يقال: فلان يتكلم أو أن يقال: فلان داعية؟
أجل أنت داعية إلى نفسك، وقد قيل، ولهذا ورد في الحديث: (إن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، شهيد في نظر الناس ومنفق وعالم، فيؤتى بالشهيد، فيقول الله له: ماذا صنعت؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، ونصرت دينك حتى قتلت، فيقول الله عز وجل: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جريء وقد قيل ) أي: شجاع، قالوها في الدنيا، ووجدت الذي أردت (اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالآخر فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: يا رب! ما تركت مجالاً من مجال الخير إلا أنفقت فيه، فيقول الله عز وجل: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جواد -أي: كريم، يحب الخير وفعل الخير- وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالعالم أو الداعية -وهذه خطيرة نسأل الله السلامة من فضله- فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: يا رب! أمرت ونهيت، وقلت، فيقال: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل عالم، وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار).
ولذا لا بد -أيها الإخوة- من مراجعة القلب باستمرار لمعرفة درجة الإخلاص، فإذا نزلت فحاسب نفسك، لا تنزل بحيث لا تقصد بعملك ولا بجهدك ولا بدعوتك ولا بكل كلمة تقولها إلا وجه الله، إذا وجدت في نفسك شيء من الرياء فاسكت ولا تتكلم، لا تكن من الذين قال الله فيهم: لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].
في يوم من الأيام جاءت إليه صلوات الله وسلامه عليه حمامة وجلست فوقه صلى الله عليه وسلم تبكي تهطل عيونها بالدمع، فقال للصحابة وهم لا يدرون: (من فجع هذه بفرخيها؟ قال أحد الصحابة: أنا، قال: ردها، قال: ولمَ؟ قال: إنها جاءت تشكي تقول: إنه سرق عليها فرخها) انظروا رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالطير.
ومر في يوم من الأيام في البادية على قوم قد نصبوا لهم خباءً، وقد اصطادوا لهم غزالاً -ظبياً- وجلسوا يوقدون النار، يريدون أن يذبحوا الظبي ويتعشوا به، فلما رآها هزت رأسها، وكأنها تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (أتدرون ماذا تقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تقول: إنها خرجت من جحرها وتركت أولادها وهم جائعون -وإنها الآن لا يهمها أن تذبحوها هي ميتة ميتة لكن يهمها الذي وراءها من الصغار- قالوا: وما تريد يا رسول الله؟! قال: أطلقوها لتذهب ترضع أولادها وترجع إليكم، قالوا: من يضمن أنها ترجع؟ -الظبية إذا انفكت لا ترجع- قال: أنا أضمن، قالوا: قبلنا ضمانك يا رسول الله! فأطلقوها، وجلس معهم النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت إلى الجبل تعدو إلى أن دخلت الجحر وأرضعت أولادها وجاءت، فلما جاءت ووقفت قالوا: هي لله ورسوله) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، رحمة للعالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
والله يقول للأمم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ [الملك:8-9] (ألم يأتكم)؟ هذه فيها دليل على أن الدعاة هم الذين يذهبون إلى الناس، ويعرضون دعوتهم على الناس أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [الملك:8] أي: قد أتاكم، ويقول عز وجل في آية أخرى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122] كان ميتاً بالكفر والمعاصي، وأحياه الله بالإيمان والدين وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ [الأنعام:122] جعل الله له نوراً -أي: ديناً يمشي به في الناس، يوزعه على الناس، يهدي به الناس إلى الله جل وعلا، هذا دليل على أن الداعية من مهمات دعوته: أن ينتقل بها، وأن يسلك بها من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دكان إلى دكان، أينما حل فدعوته معه، يوزع النور، ولا يحتقر شيئاً: (لا تحقرن من المعروف شيئاً) يمكن أن تقول كلمة لا تحسب لها حساباً ولا تحتمل أنها تؤثر لكن يمكن أن يفتح الله بها قلب هذا الفاسق، كلمة بسيطة، تراه على منكر، أو تأتي وقت صلاة وهو ليس في المسجد فتقول له: كذا وكذا، يمكن أن تؤثر هذه الكلمة فيه؛ لأن الله يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25] والداعية مثله كمثل السحابة، السحابة تحمل المطر، ويرسلها الله عز وجل فيقع منها الغيث، وهذا الغيث يقع على كل مكان، لا يخص أناساً دون أناس، ولا يمنع منه شيء، تجد المطر أحياناً ينزل على البحر، رغم أن البحر لا يستفيد من المطر، ما رأيكم إذا نزل المطر على البحر هل يستفيد البحر من المطر؟ لا. لكن ينزل بأمر ربه، فينزل في البحر، وأحياناً يقع على الجبال وقممها، رغم أنها لا تستفيد كثيراً ولا يثبت الماء في رءوس الجبال، ويقع في صحاري قاحلة، ورمال وكثبان وليس فيها مراعي ولا أناس ولا أي شيء، ومع هذا ينزل.
وكذلك -أيها الإخوة- الداعية إلى الله مثل السحاب يطوف الأرض كلها، لا يخص مكاناً دون مكان، فلا يقول: أنا لا أتكلم إلا في المسجد!
لا. تكلم في المسجد والمدرسة والشارع والسيارة، وتكلم في المجلس الذي تجلس فيه مع الناس، وتكلم مع أنسابك، وتكلم مع إخوانك، المهم أينما حل نفع، يوزع البضاعة المجانية، ويهدي عباد الله إلى الله، مثله كمثل السحاب، الذي يمشي وينزل الخير على من يريد وعلى من لا يريد، قد تقول: لا فائدة، ولكن ما يدريك يا أخي! ما يدريك، هل الفائدة بيدك؟ الفائدة عند الله، كلمة تقولها يجعل الله فيها فائدة، وأقل شيء أنك بلَّغت وبرَّأت ذمتك: قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف:164].
ولذا فالداعية يدعو من قلبه، ومعنى هذا -أيها الإخوة- أن الكلام ليس بمجرد البلاغ، ولكن بحرقة وهمّ ورغبة، وحرص على هداية الناس؛ لأن بعض الدعاة وبعض المتكلمين يقول: إن عليك إلا البلاغ، أنا سوف أقول ولا يهمني، والمستمعون يقولون: ونحن ما علينا إلا السماع، فهذا عليه البلاغ وأولئك عليهم السماع، والعمل أين هو؟ هو لا يعمل، وهم لا يعملون، فالصحيح أن نقول: نحن علينا البلاغ بعد أن نتمسك بالعمل، والناس إذا رأوا الداعية متمسكاً بالكلام الذي يقوله فإنهم يعملون بكلامه، لماذا؟ لأن الأعمال أكثر تأثيراً في القلوب من الأقوال.
انظر أي داعية أو متكلم أو عالم، فإن الناس يراقبون سلوكه، فإن وجدوا تطابقاً بين السلوك وبين الكلام الذي يقوله أكد المعاني التي يقولها، وإذا وجدوا أي تنافر أو اختلاف ذهب كلامه من قلوبهم كما يزل الماء من الحجر أو الصفا، يقولون: هذا كذاب وليس صادقاً، ولذا تنظرون أنهم يراقبون الداعية -مثلاً- عند بذل المال، ويراقبونه إذا مر في السوق فإذا رأوه يغض بصره قالوا: والله هو صادق الآن ما شاء الله، لكن إذا رأوه وهو ينظر قالوا: هذا دجال، لماذا؟ لأنه يتكلم بلسانه ولا يتكلم بقلبه، فلا ينبغي أن يكون هم الداعية فقط هو تسطير الكلام، وشغل الوقت بدون حدث، وإنما يجب أن يكون همه أن يعمل الناس بهذه الدعوة، وأن يتمسك الناس بهذا الدين، حتى يفوزوا في الدنيا وفي الآخرة، وحتى ينجوا من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، لعلم الداعية بمصيرهم وعاقبة أمرهم إن هم أطاعوا الله أو إن هم عصوه.
القضية ليست سهلة -يا إخوان- القضية قضية جنة ونار، قضية سعادة أبدية أو شقاء أبدي، الذي يطيع الله عز وجل يسلك سبيل النجاة، والذي يعصي الله يسلك سبيل الهلاك، ولذا فالداعية يعرف هذا، عنده في قلبه حرقة من أجل أن يتمسك الناس بالطاعة حتى يفوزوا، ومن أجل أن يترك الناس المعصية، حتى لا يضلوا ولا يهلكوا، ومن هنا -أيها الإخوة- نعلم مدى تأثير الآيات التي توضح حال الرسول صلى الله عليه وسلم عند دعوته لأمته، كان يتحسر صلوات الله وسلامه عليه، حتى قال الله له: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8].
ويقول: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ [الكهف:6] أي: مهلكها فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:6].
ويقول عز وجل: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33] ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (مثلي ومثلكم كمثل الفراش التي تتساقط في النار فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون).
الشخص إذا أوقد ناراً فمن حين أن يوقد النار تأتي الفراش إلى النار من بعيد من أجل أن ترى؛ لأنها تعيش في الظلام، فإذا وجدت نوراً جاءت إليه ولكنها لا تعلم أن هذا النور ناراً، فتأتي الفراشة وتقع، وتلك تقع، فماذا يصنع الذي حول النار؟ يبعدها، وهي ترفض، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مثله يبعد الناس عن النار والناس يرفضون، ولهذا يتقطع فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم حزناً ورحمة بهذه الأمة التي تقتحم النار وهي لا تدري بالمصير، وهذا شأن الداعية الذي يدعو الأمة، فيدعو بحرارة، ويدعو بحرقة، ولا يدعو بلسان فقط، وإنما يدعو بقلب مؤثر، وبمعاناة وهم، وبحرص شديد على أن يسلك الناس هذا السبيل، وليس له مصلحة أصلاً إلا هداية الناس، وما أعد الله له من أجر إن اهتدوا على يديه؛ لأن من اهتدى على يدي أي داعية يأتي هذا المدعو المهتدي يوم القيامة في صحائفه، لا يعمل عملاً إلا ولذلك الأساسي صورة طبق الأصل من عمله، دون أن ينقص من أجره شيء، كما جاء في الحديث: (من دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دل على ضلالة -والعياذ بالله- كان عليه وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينقص من أوزارهم شيء إلى يوم القيامة) هذا المعلم الثالث: أن يتكلم الداعية من قلبه ولسانه، لا من لسانه فقط.
وهكذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، يقول الله عز وجل: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] ويقول: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران:159] وهذا واضح مكشوف في جميع مسائل الدعوة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) ولما بعث رسوليه إلى اليمن قال لهما في الرسالة: (بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا) إذا أردت أن تتكلم فابحث عن أفضل عبارة وأفضل كلمة؛ لأنها مفتاح للقلب، فإذا جئت بمفتاح مناسب لين دخلت القلب، وإذا جئت تدق الإنسان في قلبه بكلمة قاسية أعرض عنك، فلا يسمع منك ولا يذكر كلامك لأنك أوجعت قلبه بكلمة قاسية، والله يقول: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طـه:44] أنت لا تملك الهداية أصلاً، الهداية بيد الله، أنت تملك الوسيلة فقط والسبب الذي ينقل الناس إلى الدعوة وإلى الهداية، فيجب أن تكون الوسيلة طيبة من أجل أن تتيح الفرصة لهذا الإنسان فتنقله إلى الحياة الجادة، وتنقله من الضلال إلى الهدى، وتنقله من المعصية إلى الطاعة، وتنقله من الكفر إلى الإيمان، وتنقله من الشرك إلى التوحيد، لا بالضرب، ولا بالقوة، بل بالكلمة الطيبة، كالسلام.
يا أخي! ابحث عن أفضل عبارة، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يكتب للكفار، يقول: (من محمد رسول الله إلى
ولما وصل إلى قول الله عز وجل: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13] فقام الرجل ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أسألك بالله والرحم ثم خرج، ولما رجع تغير وقال: "والله إني لأعلمكم بالشعر وأعلمكم بالنثر، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر، والله إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وإن عليه لحلاوة، وإن له لطلاوة، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه" أي: كلام الله.
فقالوا كلهم وهم الجالسون في السقيفة ينتظرون خبر المفاوضات، قالوا: صبأت مجرد مرة ذهبت إليه فغسل مخك ودين آبائك وأجدادك، والله لا تخرج حتى تقول فيه قولاً، ماذا يقول الناس عندما يسمعون كلامك هذا؟ معناه: لن يبقى أحد إلا وسيدخل في دين محمد، وبدءوا يضغطون عليه حتى قال: دعوني أفكر، ودخل بيته، وجلس يفكر ويقدر، ويقدم ويؤخر، ثم رجع إليهم وقال: نعم عرفت! قالوا: ما هو؟ قال: هذا سحر. قال الله عز وجل فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:11-25].
قال الله له: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26] وسقر هي النار، طبقة من طباق جهنم وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ [المدثر:27] للتهويل والتعظيم لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:28] لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:29-30] تسعة عشر من الملائكة، ولما نزلت الآية وبلغها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وبلغها الصحابة للناس، سمع بها أبو جهل وسمع بها الوليد بن المغيرة ، وخاف فقال له أبو جهل : كم توعدك محمد؟ قال: تسعة عشر، قال: عليّ ثمانية عشر وأنت عليك واحد فقط، قال: ثمانية عشر أنا أضعهم فوق رأسي .. أنا أكفيكهم.
ولما أراد أن يسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، منعه أبو جهل، قال: والله لئن سجدت مرة ثانية لأرضخن رأسك بهذا الحجر، ففرحت قريش، قالوا: دعوا أبا جهل يرضخ رأسه وتنتقم بني هاشم من بني مخزوم، وننتهي منه، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم رغم التهديد؛ لأن الله قال: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ [العلق:19] وبعد ذلك جاء وما سجد مكانه، قرب قليلاً عند الكعبة وَاقْتَرِبْ [العلق:19] ولما جاء وسجد، قام كفار قريش وجاءوا إلى أبي جهل وقالوا: الرجل ليس عنده دين يتحداك، جاء يصلي، ويا ليت أنه صلى في مكانه الأول، بل يتحداك ويعاندك، ويصلي بجانب الكعبة، قال: وقد فعل؟ قالوا: نعم. فأتى وهو يحمل الحجر التي ما تحملها الرجال، وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، ولو رضخه بالحجر لقتله، وقبل أن يقرب منه وكان بينه وبينه مسافة، كع كما يكع الحمار، ووقعت الحجر على رجليه وكادت أن تكسر رجليه، ثم شرد، فضحك الناس، وجاءوا إليه فقالوا: مالك؟ قال: فحل اعترضني -الفحل هو: البعير- فاغراً فاه أنيابه السفلى تحت قدميه والأخرى فوق رأسه، يقول: والله لو تقدمت لابتلعني، يقول: فكعكعت ورجعت وراء، ولما أخبروا النبي قال: (ذاك جبريل، ولو أنه تقدم خطوة واحدة لابتلعه) قال الله عز وجل: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ [العلق:17] يقول: فليدع جماعته الذين سوف يسدون على الثمانية عشر: سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق:18] إذا دعا ناديه وجماعته دعونا الزبانية، ماذا يفعل أبو جهل مع هؤلاء؟
فأنت -يا أخي- عليك أن تكون كلمتك طيبة إلى أبعد درجات الطيب، لتكسب ذلك الرجل، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته طيبة مع كافر، فكيف لا تكون كلمتنا طيبة مع المسلمين؟!
بعض الشباب -هداهم الله- محبون للخير، وعندهم إيمان وغيرة، ولكن ينقصهم العلم والخبرة، فإذا رأى رجلاً صاحب معصية عبس في وجهه، وقال: أبغضه في الله!
يا أخي! تبغضه في الله ابتداءً، البغض في الله ويكون آخر شيء، أول شيء أحبه في الله، ابتسم له في الله، قدره في الله، أكرمه في الله، من أجل أن يحبك ويحب الدين الذي تمثله، ويحب الدعوة التي تمثلها، وبعد ذلك تقول: جزاك الله خيراً.
فيقول: والله أخلاقك طيبة.
فتقول: وأنت أطيب.
فيقول: والله أنا أحببت الدين؛ لأني أحببتك أنت.
لكن عندما تبغضه من أول ما تراه ولا تسلم عليه، وبعد ذلك عندما تأتي تدعوه يقول: اذهب حسن أخلاقك أولاً؛ لأن أخلاقك سيئة، بعض الناس يجد اثنين معاً أحدهما حليق والآخر معه لحية، فيسلم على ذاك بوجه، ويسلم على ذلك بوجه آخر، وبطرف إصبعه، فيقول هذا الرجل: لماذا يعاملني هكذا؟ فهذا لا ينبغي يا أخي! لأنك حكمت على الظاهر، يمكن الذي تراه حليقاً باطنه أحسن من ألف رجل معه لحية، الله ينظر إلى الناس نظرة متكاملة، لا ينظر للشكل فقط، والشكل ليس كل شيء أيها الإخوة.
فالشكل شيء في الدين لا نغفله، شكل الإنسان في الدين شيء مطلوب أن يكون ذا لحية ويكون ثوبه قصيراً، ويكون عنده تمسك بالسنة، لكن هذا لا يكفي لوحده، لا بد أن يكون الشكل جيداً والمضمون -أيضاً- جيداً، وكذلك الذي يهمل شكله، نقول له: يا أخي! أصلح شكلك ما دمت طيباً، والدعاة إلى الله في تعاملهم مع الناس يجب أن يكونوا طيبين، وليس هذا من المداهنة كما يظن بعض الشباب أنها مداهنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية يفرق بين المداهنة والمداراة، يقول: المداهنة هي: ترك شيء من الدين لشيء من الدنيا، تترك شيئاً من دينك من أجل أن تأخذ شيئاً من دنيا الناس، أما المداراة وهي في الشرع مطلوبة: هي ترك شيء من الدين لتحقيق شيء أعظم من الدين، فأنت عندما تترك شيئاً من الدين وهو البغض مع هذا الإنسان العاصي تركت البغض، لكن لتحقق شيئاً أعظم منه وهو أن تهديه إلى الله، وهذا مجرب وواقع، ينبغي أن نتمثله، وأن نسلك سبيل الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة، وبالعبارة الشيقة، يقول الله: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53].
ابحث في قواميسك عن أحسن عبارة، وابتسم لأي شخص تريد أن تدعوه إلى الله، متى تبغضه؟ تبغضه في آخر مراحل الدعوة، إذا سلكت معه كل أسلوب وكل طريقة، وأحببته وأكرمته، وزرته وأهديت له وهو يقبل منك، وفي النهاية وقف معك وقال: لا تدعني ولا تقل لي: الله، ولا تأت لي بأي شيء من هذه الأمور، فعندها تقول: أبغضك في الله؛ لأنك أعذرت إلى الله، أما ما دام يقبل النصيحة منك فلا.
بعض الدعاة يقول: اليوم أدعوه، وغداً يستفيق أو أضربه، فتقول: من يوم أن تنصحه وقال لك: جزاك الله خيراً فيكفي، جئت اليوم الثاني وما عمل بنصيحتك فانصحه، ويقول: جزاك الله خيراً، شهراً، شهرين، سنة، عشر سنوات، ما دام أنه يقبل الدواء فقدم الدواء إلى أن يعافيه الله؛ لأن الهداية ليست بيدك، مثل المريض والطبيب، ما دام المريض يقبل الدواء فالطبيب يستمر في العلاج، لكن إذا رفض الدواء قال الطبيب: أخرجوه من المستشفى، لقد رفض العلاج.
وكذلك الداعية، ما دام المريض يقبل العلاج الرباني فنستمر في علاجه، ولا نبدله بغضاً، إلا إذا حدد موقفه، وأعلن رأيه في رفضه للدين، هناك البراء والبغض في الله؛ لأننا قد استكملنا واستنفدنا جميع الوسائل الشرعية التي يمكن بها أن ندعوه إلى الله؛ لأننا دعاة ولسنا جفاة.
هل معنى داعية أن يجذب الناس أم يطرد الناس؟! بعض الناس يفهم أن الدعوة طرد للناس، فأبغض هذا، وحَكَم على هذا، وكفر هذا، وفسق هذا، وفجر هذا، أنت لست داعية، أنت منفر للناس من الدين، أنت الآن عندما تدعو شخصاً إلى وليمة ماذا تقول له وأنت تريد أن تكرمه على عشاء أو غداء؟ تأتيه بأحسن عبارة، تقول: الله يبارك فيك يا أبا فلان! عندنا ضيوف، وأنت من أعز الناس عندنا، فلو تكرمت علينا بأن تتعشى معي الليلة.
انظر كيف العرض، فيقول هو مع هذا العرض الجيد: الله يخلف عليك ويجزيك خيراً، إن شاء الله آتي، لكن لو أتيت إليه تدعوه إلى وليمة تقول: اسمع .. الغداء عندي غداً! ماذا سيقول وأنت تعزمه على الغداء؟
يقول: لماذا تدعو علي من أجل لقمتك التي تعطيني؟ الله لا يخلف عليك، والله لا أجيب دعوتك، فإذا كان دعوة إلى أرز ولحم تحتاج إلى أسلوب، فكيف بدعوة إلى الجنة والنجاة من النار ألا تستحق أسلوباً طيباً؟! أم أنه لابد من العنف والشدة والكلام السيئ، والتفسيق والتبديع؟!
وأذكر فيما أذكر قصة ذكرتها في بعض الأشرطة، لرجل هيئة في إحدى مدن المملكة ، مرة وهو يدعو إلى الصلاة، مر على دكاكين مقفلة إلا جزاراً ما أقفل الدكان -ضحك عليه الشيطان والعياذ بالله وكانت ثيابه غير نظيفة- فمر عليه رجل الهيئة وكان محتجاً عندما رآه لم يغلق الدكان، قال: لماذا لا تصلي يا حمار! -بهذا النص- وذاك غضب، الشيطان راكب بين عينيه فلما سمع كلمة الحمار، أخذ الساطور -وهو متعلم في تقطيع الرءوس وتفتيتها، أي: مدرب لا يحتاج إلى دورة- قال: أنا حمار؟ قال: نعم. قال: تعال فلما رأى رجل الهيئة الساطور ورأى الرجل جاهزاً، تركه وذهب إلى بيته وغيَّر ثيابه، وأخذ له كوتاً غير الكوت، وخلع (البشت) وغير غترته الحمراء إلى بيضاء، ورجع إلى الرجل نفسه، وهو لا يزال مكانه، فقال له: السلام عليكم، كيف الحال يا أخي؟ الله يوفقك، الله يبارك فيك، الإيمان في وجهك -وهو ليس صادقاً، ما بوجهه إيمان ولا نور ولا شيء- يا أخي! الناس يصلون في المسجد وأنت من أهل الخير، وماذا تنفعك الحياة كلها بدون صلاة، إذا مت وأنت لا تصلي هل يوفقك الله؟
فكان الكلام مثل الماء على النار، قال: الله يجزيك خيراً، جاءني شخص قبل قليل قال: صلّ يا حمار! والله لو جاءني لضربت رأسه بالساطور والذي يكون يكون، قال: لا. هو الحمار، أما أنت فأنت رجل فيك خير، وأنت من أهل الخير، وأنت من أهل الفضل، قال: حسناً ماذا أفعل بثيابي هذه؟ قال: أما عندك ثياب غيرها؟ قال: لا. قال: اخلع هذه الثياب وأعطاه بعض ثيابه التي أتى بها من البيت، وأخذه معه إلى المسجد قال: لست متوضئاً، قال: توضأ، فتوضأ ودخل يصلي، وبينما هم راجعون، قال: ما رأيك الآن أريدك أن تتغدى عندي، قال: الدكان مغلق، قال: لا يهمك آتيك بالغداء، قال: لا. جئني بالعشاء، قال: العشاء ليس فيه خضار وليس فيه لحم، فأتى به بعد العشاء، وأكرمه وتعشى معه، وقرأ عليه كتاباً على الصلاة، وأهمية الصلاة.
قال: يا أخي! الرجل الذي قال لك: يا حمار! الله لا يجزيه خيراً، والله إنه كان مخطئاً، لكن سامحه لوجه الله عز وجل، قال: الله لا يسامحه، الله لا يعفو عنه، قال: أقول سامحه لوجه الله -يا أخي- ومن وقت أن رفض قال: ما رأيك أن ذلك الرجل كان أنا، أنا أخطأت عليك ورجعت قال: أنت؟ قال: نعم. قال: الله يسامحك، والله إنك ورطتني.
فالشاهد -أيها الإخوة- في الموضوع: أن الدعوة تكون بالتي هي أحسن، يقول الله عز وجل في هذا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] ويقول: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء:53].
ابحث عن أحسن شيء عندك في الدين، لا تنفعنا -أيها الإخوة- الغلظة والشدة والعنف والحماس والاندفاع، والغيرة الغير منضبطة بضوابط الشرع هذه ليست دعوة، هذه تنفير من الدين، وأنا أقول هذا الكلام -يا أيها الإخوة- من تجربة طويلة وليس كلاماً عادياً، أنا لي أكثر من ثلاثين سنة وأنا في الدعوة والحمد لله، ورأيت كيف أسلوب ممارسة كل الطرق مع هذه، فليس هناك أعظم من طريقة الإسلام وهي: الدعوة بالتي هي أحسن، هذه تحقق مصالح ولا يترتب عليها أي مفسدة، حتى في بيتك، ليس مع الناس فقط، زوجتك نفسها تعاملها بالتي هي أحسن، ولدك عامله بالتي هي أحسن، لا تعامله بالشدة والعنف، فإذا كان ولدك نائماً فأيقظه إلى الصلاة بالتي هي أحسن، فلان .. محمد .. حبيبي .. الله يوفقك .. الله يصلحك .. الله يشرح صدرك .. الله ينور بصيرتك .. اللهم يا رب! اهده .. هيا نذهب نصلي في المسجد .. الصلاة في المسجد بسبع وعشرين درجة، لكن أن تقول: قم صلِّ يا ولد! قم يا قليل الدين! حسبنا الله عليك .. الله يجعلها في وجهك .. الله يبتليك .. الله يضلك .. الله ينتقم منك. إذاً أنت الذي تدعو على ولدك، لا ينبغي هذا أيها الإخوة!
هذا دين، لا بد أن نكون على مستواه في التعامل حتى ننفع، وحتى يحقق الله بنا مصالح تترى بلا مفاسد، هذا المعلم الرابع، وهو: أن تكون الكلمة طيبة.
الصبر على الأذى في سبيل الدعوة وعدم استعجال النتائج، وهذا شيء صعب على النفس، فإن الصبر مأخوذ من الصِبْر وهو: نبات مر المذاق، يقطع اللسان من المراراة، يقول:
الصبر كالصِبر مر في مذاقتـه لكن عواقبه أحلى من العسل |
الصبر مر لكن نهايته عسل، انظروا الصبر عند الطالب على المذاكرة، لكن في نهاية السنة عندما ينجح كيف يكون الفرح؟ هو صبر على الدراسة لكنه نجح آخر السنة، وصبر على السنوات الدراسية وتخرج آخر الأمر من الكلية، والمزارع صبر على الثمرة حتى أكل الثمر، والموظف صبر على العمل حتى استلم الراتب آخر الشهر، كل شخص يصبر على شيء يأخذ في النهاية ثمرة حلوة.
الصبر كالصبر مر في مذاقتـه لكن عواقبه أحلى من العسل |
وهذا الصبر يأتي بالتصبر وبالمجاهدة والمعاناة، وأقسامه ثلاثة:
صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وهو عمل ميداني وليس عمل ذهني، بعض الناس يتصور أن الصبر شيء في الذهن.
الصبر عمل ميداني يبرز في الميدان، إذ بالإمكان أن يكون الإنسان من أعظم الناس صبراً لكن في الذهن، وإذا جاءه ميدان التطبيق فلا يصبر على أذى ذبابة وأذاها، فتراه يريد أن يضارب الذباب؛ لأنه ليس عنده صبر، فلابد من الصبر.
وأنت أيها الداعية! مطلوب أن يكون عندك من الصبر مثل الجبال؛ لأن الله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35] إن الله لا يعجل لعجل أحد، قد تدعو شخصاً وتدعو أمك وزوجتك عشرات السنين ولا يستجيبون لك، اصبر ولا تستعجل، الهداية ليست بيدك، والله لا يعجل لعجلتك، والأمور بيده ليست بيدك، عليك أن تدعو والنتائج على الله.
فلا بد -أيها الإخوة- من الصبر في ممارسة العمل الدعوي، وعدم استعجال النتائج -وأيضاً- احتساب ما يلاقي الإنسان من الأذى في صحيفته؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في حكاية لقمان وهو يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان:17].
وهكذا -أيها الأحباب- بين الترغيب وبين الترهيب، ولهذا سمي القرآن مثاني، القرآن كله مثاني، لماذا مثاني؟ دائماً يذكر الله الجنة ويذكر النار؛ من أجل الذي لا ينفع فيه الترغيب ينفع فيه الترهيب وهكذا، فينبغي أن يكون هذا أسلوبك، بعد أن تعطي لكل مقام ما يناسبه من المقال، موضع اللين لا تضع فيه إلا اللين، موضع الشدة ضع فيه الشدة، موضع الكلام ضع فيه الكلام، موضع السكوت ضع فيه السكوت، هذا معنى الحكمة: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل:125] والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، الحكيم هو الطبيب، وسمي الطبيب حكيماً؛ لأنه يضع الدواء المناسب في المرض المناسب، ويضع دواء العين في العين، لكن الذي ليس بطبيب تجده يضع دواء الأذن في العين ويعميها، وهو دواء لكنه لم يضعه في المكان المناسب، كذلك الداعية قد يأتي بالعنف في مكان اللين، وقد يأتي باللين في مكان يحتاج إلى العنف، وقد يأتي إلى الدعوة الجهرية في المكان الذي تحتاج فيه إلى السرية، وقد يأتي بشيء في غير موضعه، ولذا لا بد من معرفة العمل الدعوي، ومعرفة أسلوبه وطريقته وزمانه ومكانه وما يناسبه، وما يضر فيه، حتى يحقق الله عز وجل على يدك -أيها الداعية- كل خير ومصلحة.
فتصور شخصاً في هذا الوضع يرسل إلى أعلى إنسان في الدنيا، يقول: َ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعـات:24] يحتاج إلى تأييد، قال الله لهما: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طـه:43-46] وبعد ذلك وصاهم الله فقال: وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي [طه:42] وهذه الوصية تنطبق على كل داعية، أنت تدعو إلى الله فاذكر الله، استعن بالله؛ لأنك إذا ذكرت الله ذكرك الله: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) فإذا ذكرت الله وأنت ذاهب تدعو فقلت: سبحان الله، اللهم افتح صدره يا رب! اللهم اجعله يقبل كلامك، اللهم نور بصيرته، فيكون الله معك، وقلب المدعو ليس بيدك بل بيد الله، فإذا تكلمت دخل كلامك إلى قلبه؛ لأن الله معك.
والذكر هنا يشمل الذكر بأقسامه الخمسة: ذكر الله عند ورود أمره: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طـه:14].
وذكر الله عند ورود نهيه، فإذا نهاك الله عن شيء وأردت أن تقع فيه ذكرت الله.
وأيضاً ذكر الله في الأحوال والمناسبات.
وذكر الله الذكر العددي المطلوب بعدد معين.
وذكر الله المطلق: أن تكون دائماً ذاكراً لله، سبحان الله .. والحمد لله .. ولا إله إلا الله .. والله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الصحيحين : (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده).
وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه الإمام مسلم.
بعض الناس يظن أنها تهيج الناس، ونحن لا نريد أن نحدث الناس إلا بما قال الله وقال رسوله صدقاً؛ لأن هذا يضمن للناس طريق السلامة، أما إذا أخبرناهم بشيء ليس بصحيح، وحملناهم على العمل بما ليس بصحيح، فإنما نضللهم ونخدعهم ونضرهم، ويأتون يوم القيامة يقولون: وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ [الشعراء:99] فسمى الله دعاة الضلال مجرمين -والعياذ بالله- فاحذر يا أخي من أن تدعو الناس إلا إلى الصدق.
فتذكره بنعمه، فيستيقظ وينتبه ويقول: نعم. الله، الله الذي أعطاني هذا كله، فتقول له: أيليق بك أن تعصيه؟ أيليق بك أن تكفر به؟ أيليق بك أن تحاربه؟ هذا بإذن الله يعينك على أن تفتح قلبه لسماع الحق الذي تحمله، ومع هذا التذكير كلمه بالبشاشة، وبالعبارة الطيبة -كما ذكرنا- وبإشعار المدعو أن الدافع إلى دعوته هو الرغبة في إنقاذه والحرص على مصلحته، وأن ليس لك مصلحة -أيها الداعية- مادية إلا بمقدار ما يحقق الله عز وجل على يديك من صلاح هذا الإنسان بما ينفعه في دنياه وآخرته.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الدعاة إلى الله، المخلصين في دعوتهم، السالكين في دعوتهم مسلك الأنبياء، كما نسأله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا وبناتنا ونساءنا ورجالنا وجميع المسلمين إلى البصيرة في هذا الدين، وإلى التمسك بطاعتك يا رب العالمين! وإلى البعد عن معصيتك وإلى التوبة من الذنوب والمعاصي، إنك ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: حكمك عليها بأنها طيبة حكم فيه تحفظ، إذ لو كانت طيبة ما سمعت الغناء؛ لأن الغناء خبيث، ولا يحب الخبيث إلا خبيث، ولا يحب الغناء إلا رجل أو امرأة في قلبه مرض والعياذ بالله؛ لأن الغناء بريد الزنا، ابن القيم يقول:
حب القرآن وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان |
وهذه الأخت في الله نطلب منها أن ترجع إلى رشدها، وأن تتوب إلى ربها، وأن تراجع نفسها، وعليك أن تقرأ عليها من الكتب التي تتحدث عن حرمة الأغاني، ومن أعظمها كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيث حرم الأغاني من أكثر من خمسة وعشرين وجهاً، وذكر الأدلة الشرعية على تحريم سماع الغناء من أكثر من خمسة وعشرين وجهاً، فعليك أن تشتري الكتاب هذا وتقرأه عليها، وتدعو الله عز وجل أن يهديها، وتصبر عليها، وهكذا حتى يهديها الله سبحانه وتعالى.
الجواب: إذا قلنا: إن الحجاب ليس تغطية الوجه، إذاً تغطية ماذا؟ تغطية المسامع، هل هذا يسمى حجاباً؟ الحجاب هو: حجب ما في المرأة من جمال، حتى لا يفتن الناس بهذا الجمال، وأجمل شيء في المرأة هو الوجه، فإذا سمحنا لها بأن تكشف وجهها فماذا تغطي؟
أصلاً هذا الذي تغطيه النساء الآن كانت المرأة تغطيه من قبل الإسلام، والمرأة تغطي رأسها ولا تمشي عارية، الحجاب حجاب الوجه؛ لأنه مجمع الزينة: فيه العينان والأنف، وفيه الشفتان، وفيه الخدان، وفيه الجبين، وهو مجمع الكمال، وعليه تُجرى مقاييس الجمال، إذا أردت أن تحكم بجمال امرأة أو قبحها أين تنظر، في أرجلها؟ لا. ترى وجهها، فإذا كان الوجه جميلاً فكل شيء جميل، وإذا كان الوجه قبيحاً فكل شيء قبيح.
إذاً هذا الكلام غير مقبول، وما استدل به القائلون بأن الحجاب غير الوجه والكفين، أدلة مردودة، وعمدتهم حديث ضعيف، بل قال بعض أهل العلم: بوضعه، وهو حديث أسماء، فهو ضعيف في سنده وأيضاً مردود في متنه؛ لأن المتن يقول: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم الله دخلت عليه
هذه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجها هو الزبير بن العوام أغير الناس، وأبناؤها عبد الله بن الزبير وعروة، وهي أخت عائشة رضي الله عنها، امرأة من أفضل النساء، تدخل في ثياب رقيقة على الرسول صلى الله عليه وسلم، هل هذا معقول؟! فالمتن مردود، والسند منقطع ومردود ولا يحتج به، هذا عمدتهم، أما الثابت من الكتاب والسنة: هو تغطية الوجه والكفين؛ لأنه مجمع الزينة.
الجواب: المفترض في أي إمام يتصدى للإمامة ويتقدم بالناس أن يكون عدلاً سليماً من المعاصي والذنوب الظاهرة والباطنة، وليس يعني هذا أن يكون معصوماً، فقد يقع منه الخطأ، لكن يسلم من المعاصي التي تظهر منها المداومة مثل: حلق اللحية، أو شرب الدخان، أو الدش، فهذه معاص ظاهرة، أما كون الإمام قد يخطئ فقد يخطئ؛ لأن المعاصي عارضة عند كل إنسان، ليست المعصية دائمة بحيث يمارس ويستمر عليها.
ولذا ننصح هذا الأخ الذي يؤم الناس وهو يشرب الدخان أن يتوب إلى الله، وأن يتمسك بالسنة في لحيته، حتى يمثل الإمامة أحسن تمثيل، فإذا عجز فعليه أن يتخلى، وأن يدع غيره يؤم الناس، أما الصلاة خلفه فالصلاة خلفه صحيحة وعليه إثمه، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلوا خلف كل بر وفاجر، فإن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه ولا عليكم) لكنه يقع تحت طائلة الإثم إذا صلى بالناس وهم له كارهون كراهة دينية، إذ لا يتقدم بالناس إلا من كان أهلاً، إذا رأيتم بأنه لم يستجب بالنصيحة بعد أن تنصحوه، فيمكن أن ترفعوا أمره إلى السلطة من أجل إبعاده والإتيان برجل صالح يؤم الناس حتى يقربهم إلى الله عز وجل.
الجواب: هذا الشرط باطل؛ لأنه مضاد لمقتضى العقد، الشروط التي تحل حراماً وتحرم حلالاً أو تضاد مقتضى العقد، باطلة مقتضى عقد الزواج أن تستمتع بزوجتك، وهذا الشرط يمنعك من الاستمتاع بها والنوم معها فهو شرط مرفوض، أجل تزوجتها من أجل ماذا؟ إذا كنت تزوجتها ولا تنام معها، فلماذا تزوجتها؟ لتنظر في وجهها؟ هذا لا يصلح، فهذا الشرط باطل، وفعلك إن شاء الله ليس فيه شيء، وليس من الخدعة إن شاء الله.
الجواب: ابدأ من نفسك، هذه أول خطوة، ادع نفسك إلى كل خير، ثم ابدأ بالدائرة المحيطة حولك: أمك وأبوك، وإخوانك وأخواتك، ثم انتقل قليلاً في دائرتك الدراسية إن كنت طالباً، ثم في الحي الذي أنت فيه وهكذا، لكن وفق المعالم التي ذكرناها: بالإخلاص، بالكلمة الطيبة، بالعلم، بالصبر، وهكذا إن شاء الله تنجح.
الجواب: التمييز بالباعث، التمييز يكون بالدافع إلى العمل، اسأل نفسك: لماذا تصلي؟ فإن كنت جئت تصلي خوفاً من الله ورغبة فيما عند الله، فهذا الإخلاص، وإن جئت تصلي من أجل أنك متواعد مع شخص تستأجر الشقة منه، وهو لا يعطيها إلا لشخص يصلي، فجئت تسلم عليه، وتصلي بجانبه، وتقول: السلام عليكم، كيف الحال؟ من أجل أن يؤجر لك الشقة، هذا معناه رياء، صلاتك فيها رياء وليست لوجه الله، أما وأنت تصلي لله ما الذي أخرجك من بيتك؟ ما أخرجك إلا خوف الله عز وجل، هذا هو الإخلاص، ولا نريد أن يعيش الناس -أيها الإخوة- في متاهات، وفي تصورات بعيدة، أنا لست ملخصاً؟ لا. إن شاء الله أنك مخلص، خصوصاً في هذا الزمن لا أحد يعمل عملاً صالحاً إلا وهو مخلص؛ لأنه لا يوجد أحد يدفعه من البيت إلا إخلاصه.
الجواب: العلاج أولاً: عليك بالاستغفار؛ لأن هذا السؤال قدمه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! إني ذرب اللسان -أي: حاد على أهلي- قال: أين أنت من الاستغفار) فعليك أن تكثر من الاستغفار حتى يذهب الله هذا المرض منك.
ثانياً: تعود باستمرار أن تغير طبعك، ضع برنامجاً عملياً لتغيير طبعك، اجعله مشروع سنة أو سنتين، إلى درجة تصل في النهاية إلى أن تغير وضعك، فحاول باستمرار ألا تحتج، ولا تكن شديداً، وتذكر دائماً أن الشدة ما كانت في شيء إلا شانته، وأن اللين ما كان في شيء إلا زانه، وأن الغلظة لا تأتي بشيء، وأنها تتعارض مع منهج الدعوة إلى الله، وبالتالي إن شاء الله يذهب منك هذا الداء.
الجواب: هذا الموضوع إن شاء الله سيكون في الدرس القادم، مراتب الدعوة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في بدء دعوته، مر بمراتب دعوة كثيرة، كانت أولاً سرية، ثم صارت فردية، ثم صارت بعد ذلك جماعية، هذه كلها سوف نتكلم عنها بالتفصيل في المحاضرة القادمة إن شاء الله في الشهر القادم.
الجواب: بالاستعاذة واللجوء إلى الله؛ لأن الشهوات نزغ من الشيطان والله يقول: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200].
نزغ شهواني جنسي، مثل امرأة تعرض نفسها عليك، فماذا تصنع؟ تقول: أعوذ بالله؛ لأن هذا يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23] فماذا قال: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23] أي: أعوذ بالله.
وهذه مريم لما جاءها الروح القدس لينفخ في جيب درعها الروح، وليخلق الله عز وجل عيسى عليه السلام بطريقة تختلف عن خلق الناس قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً [مريم:18] فعليك إذا جاءتك أي نزعة شيطانية، شهوة جنسية، شهوة عدوان، رغبة في مال حرام، شهوة تسلط، شهوة انتقام؛ أنك تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتذكر دائماً وقارن بين لذة المعصية وبين عقوبتها، لتجد أن عقوبتها مرة ولذتها ضئيلة قياساً على العقوبة المنتظرة.
الجواب: قضية الدعوة -أيها الإخوة- ليست تعليماً وإنما هي تذكير، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل له: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21].
فأنت عندما تتحدث مع شخص يعرف الدين، ليس معنى هذا أنك أنت المعلم له، وإنما تذكره بشيء يعلمه، فتقول له: نعم صدقت، أنت تعرف الدين أكثر مني، لكني أذكرك بالله، والله أمرني أن أذكرك وقال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:9-10] وقال: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55].
الجواب: لا شك أن المسلم ينبغي أن يذب عن عرضه، وألا يجعل الناس يأثمون بسببه؛ لأنه إذا قال كلاماً وهو يخالفه ثم تعرض الناس له بالإثم، كان سبباً في تأثيم الناس، إلا أنهم يتحملون مسئولية إثمهم، فهم يأثمون؛ لأنهم اغتابوه وهو يتحمل؛ لأنه السبب في غيبتهم، والجميع آثمون.
والمطلوب من الداعية أن يكون صادقاً وجاداً، وعلى الناس إذا أرادوا ورأوا من الداعية أو العالم قصوراً أو نقصاً ألا يغتابوه، بل يواجهوه بالكلمة الطيبة ويقولوا: يا شيخ! أنت رجل فاضل، وأنت رجل صالح، وأنت داعية إلى الله، سمعناك ورأيناك، ولكن لاحظنا كذا وكذا، وذلك فيما بينهم وبينه، من أجل أن ينتبه ويصحح وضعه، أما أن يأكلوا لحمه في غيبته ويشوهوا سمعته، هذا ليس طيباً؛ لأنه يقع في التالي بالغيبة، وأكل لحمه بغير حق.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: بشر قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110] ولكنه بشر معصوم من الخطأ فيما يبلغ عن دين الله، فإذا وقع في شيء صحح الله خطأه، هو معصوم لا يخطئ في شيء مما يبلغ الناس من الدين، فإذا أخطأ وهذا نادر مثل قضية أسرى بدر، استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة فيهم، واختار رأي أبي بكر، فالله عز وجل أنزل القرآن ليصوب رأي عمر، وكذلك في قضية الصلاة على عبد الله ابن أُبي، صلى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام حتى نزل أمر الله عز وجل بعد الصلاة عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يخطئ، وإنما يبلغ عن الله، وإذا بلغ شيئاً لم يكن فيه عنده وحي من الله فهذا دليل على أنه اجتهاد منه، وحصل فيه شيء غير المراد الرباني صححه الله، هذا بالنسبة للتشريع وما يبلغ عن الله.
أما بالنسبة للأمور العادية، الأمور الحياتية، كونه يمارس أمراً من الأمور التي لا علاقة لها بالدين، هذه قد يقع منه ما يقع من البشر من الخطأ، مثل قدومه المدينة وهم يؤبرون النخل -يلقحون النخل- والرسول صلى الله عليه وسلم خبرته في النخل محدودة، لأنه جاء من مكة، ومكة بلد صحراوي ليس فيها نخيل ولا شجر ولا شيء، جاء المدينة، والمدينة بلدة زراعية ومشهورة بالتمور، فرآهم يؤبرون، فقال صلى الله عليه وسلم ليس تشريعاً وإنما كلام شخصي، قال لهم: لو تركتموه ربما حمل. فتركوه، فلما جاء آخر السنة لم تحمل شيئاً؛ لأنه ما نقح، أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فماذا قال؟ قال: (عودوا إليه ولقحوه، فأنتم أعلم بأمور دنياكم) فدل الحديث على أن هذا الأمر من أمور الدنيا لا من أمور الدين، أما ما كان من أمور التشريع والدين فإن الله عز وجل قد عصمه أن يبلغ الناس إلا الحق، اللهم صلِّ وسلم عليه.
الجواب: الغش محرم، والإسلام يربي أبناءه على الصدق، وعلى الجد، والغش مصادم للجد والصدق، فالغشاش كذاب، وأيضاً خائن، ويحمل شهادة زور، أخذها بالنقل والكذب، يأتي يقول: أنا جامعي. وليس جامعاً، لو أنه جامعي كان قرأ الدروس كلها وحفظها، وإنما أخذها في ورق، ولما جاء الامتحان نقلها ونجح بالكذب، فهذا باطل: (ومن غشنا فليس منا) ولا يجوز للمسلم أن يمارس هذا، ومن وقع في شيء منه في الماضي فيتوب إلى الله، وعليه أن يندم ولا يعود إليه.
الجواب: هذا من الأخطاء، شخص يشرب الدخان وتأتي تمسكه وتأخذ من فمه الدخان وتضع مكانه السواك، هذا عمل لا أحد يقبله، ولو كنت تعملها أنت، لو عمل شخص معك هذا الشيء فربما تضاربه، وليس هذا بالأسلوب، بالإمكان أن تعرض عليه السواك، وتقول له: يا أخي الكريم! تفضل هذا السواك هدية، ويمكن أن تضع هذا السواك بدل هذا الدخان، أي: من باب العرض، وأما أن تتدخل في شئونه وتفكه من يده وتدسه في فمه، إذاً ماذا بقي؟ ما تركت له الحرية، وبالتالي إذا تكلم عليك الأخ كلاماً سيئاً فجيد أنها كلام سيئ فقط، ولم تصل إلى حد الضرب، فعليك -يا أخي- أن تتوب إلى الله من الدخان، وأن تسمح لأخيك الذي تعامل معك بهذا الأسلوب؛ لأنك تعرف أن قصده طيب، ما قصده إلا الخير لك، وأن تعفو عنه إن شاء الله، وتستغفر الله من الإساءة التي وقعت منك عليه.
الجواب: لا. ليس هناك تعارض، العلم شيء والدعوة شيء، فنحن نقول: إن الدعاة يذهبون إلى الناس، لكن طلبة العلم يذهبون إلى العلماء، هناك تبادل مصالح، طالب العلم يأتي إلى العالم، لكن الداعية ماذا يعمل؟ يذهب إلى المدعوين، أي: أن الداعية يذهب إلى القهوة، ويأتي بالناس من القهوة، ويذهب إلى السوق يأتي بهم من السوق، ويذهب إلى الدكاكين يأتي بهم من الدكاكين، يجمع الناس، يقول: هناك محاضرة، هناك ندوة، بكلام طيب، لكن طلبة العلم الذين يريدون العلم، ماذا يريدون؟ يريدون العالم، أم تريدون أن يذهب ويبحث عليهم، فأين يجمعهم هؤلاء كلهم؟ لا يستطيع أن يطوف على الناس كلهم، ففيه اختصاصات، إن طالب العلم يطلب العلم، وصاحب الدعوة يدعو الناس إلى العلم وهكذا.
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر