قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله في تفسيره:
حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني حدثنا سلام بن وهب الجندي ].
سلام هذا بتشديد اللام، والقاعدة أن سلام كله بالتشديد إلا في موضعين فهو بتخفيف اللام:
أحدها: محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري ، فالأرجح فيه التخفيف، ويجوز فيه التشديد.
الثاني: عبد الله بن سلام الإسرائيلي الصحابي، فهو بالتخفيف كذلك، والباقي كله بالتشديد، والجندي بفتح الجيم والنون منسوب إلى الجند، بلدة في اليمن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبي عن طاوس عن ابن عباس : (أن
وهذا الحديث إما ضعيف جداً أو موضوع، لأجل سلام بن وهب الكندي ، وقد رواه ابن أبي حاتم والخطيب البغدادي في تاريخه، والحاكم في المستدرك من طريق زيد بن المبارك به، وقال الذهبي في ترجمة سلام بن وهب : في الميزان أتى بخبر منكر بل كذب، ثم ساق هذا الخبر، فلعل هذا الحديث يكون موضوعاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به، وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه) ].
أي: المدرسة التي يتعلم فيها أوائل التعليم كالكتابة وغيرها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (فقال له المعلم: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: باسم الله، قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: ما أدري، قال له عيسى: الباء: بهاء الله، والسين: سناؤه، والميم: مملكته، والله: إله الآلهة، والرحمن: رحمان الدنيا والآخرة، والرحيم: رحيم الآخرة) ].
وهذا ضعيف جداً؛ ففيه عطية العوفي وهو شيعي مدلس، وفيه كذلك إسماعيل بن عياش إذا روى عن غير الشاميين فهو ضعيف، والأقرب أن هذا الحديث موضوع؛ لأنه منكر، وذلك أن عيسى أدخلته أمه إلى الكتاب وهو في الغالب ابن ست أو سبع سنين فكيف يقول مثل هذا الكلام؟
وروى هذا الحديث الطبري وابن عدي في الكامل بمثل طريق الطبري، وقال ابن عدي : هذا حديث باطل الإسناد لا يرويه غير إسماعيل .
والمعروف بضعفه في هذا الإسناد هو عطية العوفي أيضاً.
وكان الأولى بـالحافظ ابن كثير رحمه الله ألا يأتي بمثل هذا الحديث، وكذلك حديث سلام بن وهب الجندي، لكنه لما ذكر السند خرج من العهدة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب بـابن زبريق ].
وفي بعض النسخ: الملقب: زبريق بدون ابن، على وزن إبريق، وإبراهيم بن العلاء هو الموجود في الأصل، وهو إبراهيم بن العلاء بن الضحاك بن المهاجر بن عبد الرحمن الزبيدي الحمصي المعروف بـابن زبريق بكسر الباء والراء، و(ابن) ساقطة من بعض النسخ، وفي التقريب ذكر (ابن) فيحتمل أنه يلقب بهذا وبهذا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثة عن ابن مسعود، ومسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا غريب جداً، وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات، والله أعلم ].
فـابن كثير رحمه الله حكم عليه أنه من الإسرائيليات، وهذا هو الأقرب.
وهذا السند هو نفس السند السابق، ففيه عطية العوفي وفيه إسماعيل بن عياش .
قال ابن جرير بعد هذا الحديث: وأما الخبر الذي حدثنا به إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء وساق الإسناد والحديث، ثم قال: فأخشى أن يكون غلطاً من المحدث، وأن يكون أراد (ب،س،م) على سبيل ما يعلم المبتدئ من الصبيان في الكتاب حروف أبي جاد، فغلط بذلك فوصله فقال: باسم الله؛ لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تلي بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] على ما يتلوه القارئ في كتاب الله؛ لاستحالة معناه عن المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها إذا حمل تأويله على ذلك. وهذا الكلام صحيح فيحمل عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله ].
أي: من قبل الضحاك .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ].
هو في الأصل ابن أمية ، وفي رواية: أبي أمية كما في التهذيب، وهو في التقريب: عبد الكريم بن أبي المخارق ، بضم الميم والخاء المعجمة، أبو أمية .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري وهي: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]) ].
ورواه ابن أبي حاتم ، وقال الحافظ ابن كثير: [ هذا حديث غريب وإسناده ضعيف ].
وسوف يأتي عند تفسير آية ثلاثين من سورة النمل.
وفي تفسير سورة النمل قال: وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي قال: حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط قال: حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله! أي آية؟ قال: سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد، قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي، ثم التفت إلي وقال: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30])، قال: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف.
فضعف رحمه الله الحديث هنا في سورة النمل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: (لما نزل بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه) ].
وفي بعض النسخ: هرب اليم، ولعله تحريف.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، فيجعل الله له من كل حرف منها جُنَّة من كل واحد.
وهذا موقوف على ابن مسعود ، وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس، وابن مسعود قد يأخذ عن بني إسرائيل وإن كان على قلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ذكره ابن عطية والقرطبي ، ووجهه ابن عطية ونصره بحديث: (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها لقول الرجل: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)؛ من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً وغير ذلك ].
أي أن توجيه ابن عطية كان من أجل (بضعة)، وهذا يؤيد قوله: فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد؛ لأن حروف بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] تسعة عشر حرفاً كعدد الزبانية، وكذلك الحديث (لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها) أي يبتدرون كلمة الرجل البالغة بضعة وثلاثين حرفاً، وهذا توجيه بعيد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: تعس الشيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب). هكذا وقع في رواية الإمام أحمد ، وقد روى النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفسيره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة وهو الهجيمي عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: لا تقل هكذا، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت، ولكن قل: باسم الله، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة)، فهذا من تأثير بركة (باسم الله)؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول ].
ورواه النسائي من طريق ابن المبارك عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي: وهو الصواب رفعه أبو المليح عن أبيه، وأظن له أصلاً، وكأن سكوت الحافظ ابن كثير عليه وعدم تعقبه بشيء يدل على أنه يرى أنه لا بأس به، وأنه ليس فيه مقال، فإذا عثر الإنسان فليقل: باسم الله، ولا يقول: تعس الشيطان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فهذا من تأثير بركة (باسم الله)؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول، فتستحب في أول الخطبة لما جاء (كل أمر لا يبدأ فيه بـبسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم)
وهذا الحديث في سنده مقال وهو ضعيف، لكن أظن أن له طرقاً كثيرة يشد بعضها بعضاً، وكذلك أحاديث التسمية في الوضوء كلها ضعيفة لكن لها طرقاً كثيرة يشد بعضها بعضاً، ولهذا قال الحافظ رحمه الله في أول سورة المائدة: إنه حسن لغيره، ولذلك تستحب التسمية عند الوضوء. ومذهب الحنابلة أنها تجب مع الذكر -أي: مع التذكر- لكن المشهور عند جمهور العلماء أنها مستحبة، فأحاديث التسمية إذاً لها طرق كثيرة يشد بعضها بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً فتكون من باب الحسن لغيرة، وتصلح للاحتجاج بها، وإذا بدأ بالحمد فهذا حسن.
وقول ابن كثير فتستحب في أول الخطبة، المراد غير خطبة الجمعة كخطبة الموعظة وغيرها، وأما الجمعة ففيها نص ظاهر أنه يبدأ بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وتستحب البسملة عند دخول الخلاء؛ لما ورد من الحديث في ذلك ].
فإذا دخل الخلاء قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وتستحب في أول الوضوء؛ لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعاً: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وهو حديث حسن ].
المراد أنه حسن بمجموع طرقه، فقد ساق طرقه في تفسير سورة المائدة وقال: كلها ضعيفة سواء كانت في المسند أو في سنن أبي داود أو في سنن ابن ماجة .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ].
أي: عند الذكر بضم الذال وهو التذكر، وأما الذكر بكسرها فالمراد به الثناء على الله، والقول بوجوبها عند الذكر في الوضوء هو المشهور من مذهب الحنابلة، والجمهور على أنها مستحبة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومنهم من قال بوجوبها مطلقاً، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقاً في قول بعضهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله ].
التسمية عند الذبيحة -أي: عند الذبح- فقيل: إنها واجبة مطلقاً، وقيل: إنها مستحبة مطلقاً، وقيل: إنها واجبة عند الذكر، فلو تركها عمداً لم تصح ذبيحته، وإن تركها نسياناً صحت، وهذا هو الصواب وهو أعدل الأقوال، فإذا تذكر وجب عليه أن يسمي، وإن تركها عمداً لم تصح الذبيحة، وإن نسيها صحت الذبيحة كالتسمية عند الوضوء، فهذه ثلاثة أقوال، والقول الأخير هو أعدلها، قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث، منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن وجد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات) وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها ].
هذا الحديث لا أصل له، لكن الثابت في الصحيحين: (لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهكذا تستحب عند الأكل ].
أي: تستحب التسمية، فيقول: باسم الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لما في صحيح مسلم : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه
والأقرب هنا الوجوب، لهذا الأمر، والأصل في الأوامر الوجوب؛ ولأنه إذا لم يسم أكل معه الشيطان؛ ولأن النبي قرنه بالأكل باليمين والأكل باليمين واجب، كما في قصة الرجل الذي قال له: (كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت فما رفع يده إلى فيه) أي: شلت يده في الحال عقوبة له، وعند الجمهور أنها مستحبة؛ لأنها من باب الآداب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك تستحب عند الجماع؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً).
ومن ههنا ينكشف لك أن القولين -عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قوله: باسم الله، هل هو اسم أو فعل- متقاربان ].
وفي بعض النسخ: في قول: بسم الله. فمن قال: أن المتعلق بالباء فعل كان التقدير باسم الله آكل، ومن قال: إنه اسم كان التقدير: باسم الله أكلي، فإذا ذبح يقول: باسم الله ذبحي، أو باسم الله أذبح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكل قد ورد به القرآن، أما من قدره باسمٍ تقديره: باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود:41] ].
فمجريها هنا اسم متعلق بالباء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن قدره بالفعل أمراً أو خبراً نحو: أبدأ باسم الله، أو ابتدأت باسم الله، فلقوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] ].
أي: ابدأ باسم الله: أمر، أو ابتدأت باسم الله: خبر، وكلاهما فعل يتعلق الباء به في قولك: باسم الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكلاهما صحيح؛ فإن الفعل لابد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله إن كان قياماً أو قعوداً أو أكلاً أو شرباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة ].
أي: لك أن تقدر الفعل أو مصدر الفعل، نحو: بسم الله ابتدأت، أو باسم الله ابتدائي، باسم الله قرأت، أو باسم الله قراءتي، باسم الله أكلت، أو باسم الله أكلي، باسم الله ذبحت، أو باسم الله ذبحي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله؛ تبركاً وتيمناً واستعانة على الإتمام والتقبل والله أعلم.
ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد! قل أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: قل: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]. قال: قال له جبريل: باسم الله يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله تعالى)، لفظ ابن جرير ].
والسند من أوله قال: حدثنا به أبو كريب قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: حدثنا بشر بن عمارة قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ساق الحديث ].
وهذا الحديث ذكره الطبري وفي إسناده ضعف وانقطاع، وعلى هذا فالحديث ضعيف.
المقصود بالحشوية: أهل السنة، فيسمونهم حشوية، فهؤلاء والكرامية ذهبوا إلى أن الاسم هو نفس المسمى وهو غير التسمية، وهذا هو القول الأول.
القول الثاني: الاسم غير المسمى، وهو نفس التسمية.
القول الثالث: أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، وهو ما اختاره الرازي .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذا كلام الرازي، ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى بأنه قد يكون الاسم موجوداً والمسمى مفقوداً كلفظة المعدوم ].
أي: أن الاسم موجود والمسمى غير موجود، كقولك الجنة بين السماء والأرض مثلاً، فالاسم موجود والمسمى معدوم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة، وقد يكون الاسم واحداً والمسميات متعددة كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضاً فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتاً ممكنة أو واجبة بذاتها ].
وهذا كلام الرازي كذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل ].
أي: لو كان الاسم هو المسمى لوجد من يقول: النار حر النار بلسانه، ومن قال: الثلج، ويجد برد الثلج بلسانه؛ لأن الاسم هو المسمى، لكن الاسم غير المسمى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأيضاً فقد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن لله تسعة وتسعين اسماً) فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى وأيضاً فقوله: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180] أضافها إليه، كما قال: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، ونحو ذلك، فالإضافة تقتضي المغايرة، وقوله تعالى: فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] أي: فادعو الله بأسمائه، وذلك دليل على أنها غيره.
واحتج من قال: الاسم هو المسمى بقوله تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:78]، والمتبارك: هو الله تعالى ].
ما زال هذا الكلام تابع لكلام الرازي .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والجواب: أن الاسم معظم؛ لتعظيم الذات المقدسة، وأيضاً فإذا قال الرجل: زينب طالق -يعني: امرأته- طلقت، ولو كان الاسم غير المسمى لما وقع الطلاق ].
وهذه أيضاً حجة من قال: إن الاسم هو المسمى، والأولى: حجة من قال: إن الاسم غير المسمى، ولو كان الاسم هو المسمى لوجد لافظ النار حرها والثلج بردها.
واحتج من قال بأن الاسم هو المسمى، بأن الرجل إذا قال المرأة فلانة طالق لطلقت، فدل على أن الاسم هو المسمى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والجواب: أن المراد: أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي : وأما التسمية فإنها جعْل الاسم معيناً لهذه الذات، فهي غير الاسم أيضاًََ، والله أعلم ]، وفي بعض النسخ: [ وأما التسمية فإنها فعل الاسم معيناً لهذه الذات فهي غير الاسم ].
والأقرب: جعل. وهذا هي الحقيقة، فالبحث واضح لا يحتاج إلى كلام كثير؛ لأنه إن أريد بالاسم اللفظ كأن يقال مثلاً: الله اسم عربي، فالاسم غير المسمى، وإن أريد بالاسم الذات المسماة بهذا الاسم فليس هو المسمى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر