إسلام ويب

تفسير سورة البقرة [17-20]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يصف الله تعالى حال المنافقين في كتابه الكريم بأبلغ عبارة وأوجز إشارة، ومن ذلك ضربه تعالى الأمثال لبيان حال المنافقين ودرجاتهم، فقد ضرب تعالى مثال صنف من المنافقين عرفوا الهدى ثم تركوه كله بالمستوقد الذي أضاءت ناره فأبصر بها ثم انطفأت ففقد النور وصار يتخبط في الضلال، وضرب مثالاً آخر لمن ساورته الشكوك في الدين منهم بمن يستضيء بنور البرق ثم يفقده فيعود إلى التيه والضلال.

    ذكر المنافقين الكافرين بعد الإسلام

    قال الله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقال: مثل ومثل ومثيل أيضاً، والجمع أمثال، قال الله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها؛ فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي، وهو مع هذا أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياءً لما أبصر؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد، وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع، والله أعلم ].

    إن المنافقين من أخطر أعداء الله على المسلمين، وهم أشد الناس كفراً وضلالاً؛ وذلك لأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فيلتبس أمرهم على المسلمين، ولهذا جلى الله سبحانه وتعالى صفاتهم في مواضع من كتابه، ومن ذلك هذه السورة الكريمة، فلقد ذكر الله تعالى وصفهم في ثلاث عشرة آية، بينما ذكر المؤمنين باطناً وظاهراً في أربع آيات، والكفار ظاهراً وباطناً في آيتين.

    وأما المنافقون فلشدة خطرهم والتباسهم وشدة عداوتهم للإسلام والمسلمين جلى الله صفاتهم، ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في هذه الآيات أنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وأنهم يخادعون الله ورسوله، وأنهم يصفون المؤمنين بالسفه، وأنهم لهم وجه مع المؤمنين ووجه مع الكافرين.

    والمنافقون أصناف، فهذا الصنف من المنافقين كانوا على الإيمان أولاً ثم كفروا، أي أنهم كانوا مؤمنين أبصروا الهدى ورأوا الحق، ثم عموا عن الحق -والعياذ بالله- وانتكسوا وارتكسوا، نسأل الله السلامة والعافية.

    وقد ضرب الله لهم هذا المثل الناري فقال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا يعني: مثل إنسان كان في البرية أوقد ناراً فأضاءت فأبصر ما حوله وصار يرى كل شيء حوله، فهذا فيه تمثيل لهم بأنهم آمنوا، وذلك أنهم آمنوا أولاً وأبصروا الحق، ثم رجعوا بعد ذلك إلى الكفر فانطفأت هذه النار، فصاروا لا يبصرون ما حولهم، فكأنهم صاروا في ظلام دامس، ومع ذلك كل واحد منهم أصم لا يستطيع السمع، وأعمى لا يبصر حتى ولو لم يكن هناك ظلمة، وأبكم لا يتكلم، فكيف تكون حاله؟! فهذه حال المنافقين، نسأل الله السلامة والعافية.

    وأما الصنف الثاني من الذين ضرب لهم المثل الناري؛ فهم أناس عندهم إيمان لكنه يخبو أحياناً ويضيء أحياناً، فأحياناً يكون عندهم إيمان وأحياناً يزول بسبب شكوكهم وغيهم.

    وقوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى يعني: اعتاضوا الضلالة بالهدى، والباء تدخل على المتروك، أي أنهم تركوا الهدى وأخذوا الضلالة، فهم رغبوا في الضلالة كما يرغب المشتري في السلعة، نسأل الله السلامة والعافية.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي ، ثم قال: والتشبيه ههنا في غاية الصحة؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك، فوقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.

    وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم.

    ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية ههنا، وهي قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون:3]، فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان، أي: في الدنيا، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة، قال: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد، كما قال: رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب:19] أي: كدوران الذي يغشى عليه من الموت، وقال تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28]، وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5].

    وقال بعضهم: تقدير الكلام: مثل قصتهم كقصة الذي استوقد ناراً وقال بعضهم: المستوقد واحد لجماعة معه، وقال آخرون: (الذي) ههنا بمعنى (الذين) كما قال الشاعر:

    وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد ].

    قوله: (وإن الذي)، أي: وإن الذين، فتأتي (الذي) بمعنى (الذين).

    و ابن جرير رحمه الله شيخ المفسرين، وله اليد الطولى في التفسير، ولكن قد يكون له بعض الآراء المرجوحة، والحافظ ابن كثير رحمه الله لخص تفسيره وأتى بتحقيقات جيدة، فهو يتعقب ابن جرير ويخالفه أحياناً في الترجيح، ومن المعلوم أن ابن جرير له اليد الطولى وله السبق، وهو كما قال ابن مالك لما سبقه ابن معط في تأليف ألفية في علم النحو:

    وهو بسبق حائز تفضيلاً مستوجب ثنائي الجميلا

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قلت: وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى: فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:17-18]، وهذا أفصح في الكلام، وأبلغ في النظام.

    وقوله تعالى: ذهب الله بنورهم أي: ذهب عنهم بما ينفعهم، وهو النور، وأبقى لهم ما يضرهم، وهو الإحراق والدخان.

    وتركهم في ظلمات هو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق.

    لا يبصرون: لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك (صم) لا يسمعون خيراً، (بكم) لا يتكلمون بما ينفعهم، (عمي) في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46] ].

    وقع في الآية أسلوب بلاغي معروف في اللغة يسمى الالتفات، أي: يلتفت من الغيبة إلى الخطاب، أو يلتفت من الخطاب إلى الغيبة، ونحو ذلك.

    قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ المقصود به الصمم والبكم والعمى المعنوي، فهم لا يرون الحق، ولا يتكلمون بالحق، ولا يسمعون الحق، وإن كانت أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم سليمة، وخاصة في أمور دنياهم، فهم في أمور دنياهم يتكلمون، وليس الواحد منهم أخرس، وكذلك يسمعون كلام الدنيا وأمورها، وكذلك -أيضاً- يبصرون أمور دنياهم، لكنهم لا يبصرون الحق، ولا يقبلونه، ولا يتكلمون به.

    ذكر من ذهب إلى تفسير الآية بالكافرين بعد الإسلام

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه:

    قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة رضي الله عنهم في قوله تعالى: فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ [البقرة:17] زعم أن ناساً دخلوا في الإسلام مقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ثم إنهم نافقوا، وكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله من قذىً أو أذىً فأبصره حتى عرف ما يتقي منه، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم، فعرف الحلال والحرام، والخير والشر، فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر.

    وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال: أما النور فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به، وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به، وهم قوم كانوا على هدىً ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك ].

    رواية العوفي عن ابن عباس منقطعة، وكذلك رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال مجاهد : فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى. وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا قال: هذا مثل المنافق يبصر أحياناً ويعرف أحياناً، ثم يدركه عمى القلب.

    وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخراساني .

    وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا إلى آخر الآية، قال: هذه صفة المنافقين، كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً، ثم كفروا، (فذهب الله بنورهم) أي: فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار، (فتركهم في ظلمات لا يبصرون).

    وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام، فيناكحهم المسلمون، ويوارثونهم، ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز، كما سلب صاحب النار ضوءه ].

    معنى ذلك أن المنافق إذا أخفى نفاقه فإنها تجرى عليه أحكام الإسلام، فيزوج، ويرث من أقاربه، ويورث، ويصلى عليه، وتتبع جنازته، وتجرى عليه سائر أحكام الإسلام، لكنه في الآخرة في أسفل النار.

    وأما إذا أظهر نفاقه فإنه يقتل ويعامل معاملة المرتد، ولهذا لما مات عبد الله بن أبي رئيس المنافقين ودُلِّي في حفرته جاءه النبي صلى الله عليه وسلم واستخرجه، ونفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، فلما أراد أن يصلي عليه أخذ عمر بثوبه وقال: أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟! فقال: (أخر عني يا عمر ! فلما أكثر عليه قال: إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها).

    وهذا قبل أن ينهى، ثم نزلت الآية بعد ذلك: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]، ففعل عليه الصلاة والسلام هذا قبل أن ينهى عن الصلاة عليهم، لأنه كان يرجو أن ينفعه ذلك، وفعل ذلك أيضاً مراعاة للأوس، ومراعاة لابنه عبد الله ، فإنه كان يتألفهم عليه صلى الله عليه وسلم، ثم نهي بعد ذلك عن الصلاة على المنافقين، فمن علم نفاقه فلا يُصلى عليه، ومن لم يعلم نفاقه صلى عليه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة:17]؛ فإنما ضوء النار ما أوقدتها، فإذا خمدت ذهب نورها، وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص بلا إله إلا الله أضاء له، فإذا شك وقع في الظلمة ].

    المنافقون طبقات: فمنهم من استحكم الكفر والنفاق في قلبه، فليس عنده شيء من الإيمان، ومنهم من عنده شيء يسير يضيئ أحياناً ويخبو أحياناً، فإذا كثرت الشكوك والريب انطفأ هذا النور، وإذا خفت شكوكه ظهر شيء منه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الضحاك : ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ : أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به.

    وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ هي لا إله إلا الله أضاءت لهم، فأكلوا بها وشربوا، وآمنوا في الدنيا، وأنكحوا النساء وحقنوا دماءهم، حتى إذا ماتوا ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ].

    أي أنهم لما قالوا: (لا إله إلا الله) دخلوا في الإسلام، فأكلوا بها وشربوا، أي: بقوا أحياء، وسلمت دماؤهم وأموالهم؛ لأنهم لو لم يقولوها لقتلوا، وبها تزوجوا النساء، ولكنهم كانوا يناقضون هذه الكلمة بالشك والريب والكفر، فلا تنفعهم في الآخرة، فكانوا في الدرك الأسفل من النار، عياذاً بالله تعالى.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية: إن المعنى: أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله، فأضاءت له في الدنيا، فناكح بها المسلمين وغازاهم بها، ووارثهم بها وحقن بها دمه وماله، فلما كان عند الموت سلبها المنافق؛ لأنه لم يكن لها أصل في قلبه ولا حقيقة في عمله (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) ].

    أي: غزى وجاهد معهم في سبيل الله، فالمنافقون كانوا يغزون ويجاهدون مع المؤمنين، وقد انخذل عبد الله بن أبي يوم أحد بثلث الجيش، وكانوا -أيضاً- يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسلام يُجري الأحكام على الظواهر، وأما البواطن فمردها إلى الله.

    بيان معنى قوله تعالى: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ )) يقول: في عذاب إذا ماتوا.

    وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة -أو سعيد بن جبير- عن ابن عباس : (( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ)) أي: يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى، ولا يستقيمون على حق.

    وقال السدي في تفسيره بسنده: (( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ)) فكانت الظلمة نفاقهم.

    وقال الحسن البصري : (( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ )) فذلك حين يموت المنافق، فيظلم عليه عمله عمل السوء، فلا يجد له عملاً من خير عمل به يصدق به قول لا إله إلا الله ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088535421

    عدد مرات الحفظ

    777186552