إسلام ويب

تفسير سورة الكهف [83-91]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حفلت سورة الكهف بجملة من القصص القرآنية العظيمة، ومنها قصة ذي القرنين الذي مكن الله تعالى له في الأرض، فبلغ مغرب الشمس، وقهر من مر بهم واستمكن منهم، وأقام حكم الله تعالى بولايته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
    قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:83-84].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وَيَسْأَلُونَكَ يا محمد عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، أي: عن خبره، وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألونهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم ].

    أي: يطلبون منهم.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية ما يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.

    وقد أورد ابن جرير هاهنا والأموي في مغازيه حديثاً أسنده -وهو ضعيف- عن عقبة بن عامر : أن نفراً من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداءً، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شاباً من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك إلى السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقواماً وجوههم مثل وجوه الكلاب. وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، والعجب أن أبا زرعة الرازي -مع جلالة قدره- ساقه بتمامه في كتابه (دلائل النبوة)، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ، وهو ابن فيليبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه، وآمن به واتبعه ].

    والإسكندر المقدوني هو الذي مهد الطريق للفلاسفة، ومنهم أرسطو الفيلسوف المعروف الذي ابتدع القول بقدم العالم، ويسمى المعلم الأول، ثم أتى بعده المعلم الثاني أبو نصر الفارابي ، ثم أتى بعده المعلم الثالث أبو علي بن سينا ، ويقال عن هؤلاء: فلاسفة، وهم ملاحدة، فهم الذين ابتدعوا القول بقدم العالم، وقد كان الفلاسفة قبلهم يعظمون الشرائع والأنبياء والإلهيات، ولا يتكلمون فيها، ويقولون: علومنا تتعلق بالرياضيات والطبيعة، فلما جاء الإسكندر المقدوني استوزر أرسطو ، ويقال له: أرسطا طاليس .

    وكان للإسكندر المقدوني شأن بسبب وزيره أرسطو ، وكان الإسكندر المقدوني مشركاً يعبد الأصنام، وذلك قبل المسيح بثلاثمائة سنة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) وغيره، وأما الإسكندر الأول -وهو ذو القرنين- فكان قبله بدهور، ويقال: إنه كان في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأنه جاء وطاف بالبيت بعدما بناه إبراهيم عليه السلام، فعلى هذا يكون بينه وبين الإسكندر المقدوني قرابة سبعمائة سنة، أو ألف سنة، ثم جاء بعده الإسكندر المقدوني الذي كان وزيره أرسطو ، فاشتبه هذا بذاك على بعض الناس، وبينهما فرق، فـالإسكندر المقدوني كان مشركاً يعبد الأصنام، والإسكندر ذو القرنين كان رجلاً صالحاً، وهو الذي بنى السد، فهناك فرق بين الرجلين في الزمان وفي العمل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكان معه الخضر عليه السلام ].

    أي: وكان مع ذي القرنين الخضر عليه السلام، وفي بعض النسخ أن الخضر كان وزيره، كما تدل على ذلك أخبار الأزرقي في تاريخه، والأزرقي مؤرخ، والمؤرخون ليسوا كالمحدثين يمحصون الأخبار، ولهذا فإن أخبار المؤرخين لا يعتمد عليها، إلا إذا ثبتت بالأسانيد الصحيحة.

    منهج ابن سينا وأرسطو وسائر الفلاسفة في العقائد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الثاني فهو اسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني وكان وزيره أرسطا طاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم، وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلاثمائة سنة ].

    هذا كما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان، وذكرت مصادر أخرى أنه كان قبله بألف سنة، لكن هذا وهم، والإسكندر المقدوني هذا هو الذي استوزر أرسطو، وهو من فلاسفة اليونان الذين يسمون بالفلاسفة المشائين، وهم ملاحدة، وأول من ابتدع القول بقدم العالم هو أرسطو ، والقول بقدم العالم معناه إنكار أن الله خلق العالم وإنكار لوجود الله، فالملاحدة لا يقولون: إن الله خلق العالم باختياره ومشيئته وإرادته، بل يقولون: إن العالم قديم، بخلاف الفلاسفة القدامى قبل أرسطو.

    وأول من وضع التعاليم الحرفية -المنطق- أرسطو الذي استوزره الإسكندر المقدوني ، ثم جاء بعده أبو نصر الفارابي فأخرجه إلى الصوت حيث جعله أصواتاً وأوزاناً، فعلى هذا يكون أول من ابتدع التعاليم الصوتية أبو نصر الفارابي ، وأول من ابتدع التعاليم الحرفية المنطقية أرسطو.

    ثم جاء أبو علي بن سينا الذي يسمونه المعلم الثالث، وهو الذي حاول بجهده أن يقرب الفلسفة من دين الإسلام ويجمع بينهما، ورغم محاولته الشديدة إلا أنه لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم، فالجهمية الغلاة في التجهم أحسن حالاً وأرشد مذهباً من مذهب ابن سينا الذي افتتن به كثير من الناس في هذا العصر، فـأبو علي بن سينا والفارابي وأمثالهما يسمونهم بالفلاسفة الإسلاميين، والإسلام منهم بريء، وقد سميت بأسمائهم مدارس ومستشفيات.

    وكثير من الصحفيين والمذيعين يقولون: الفلاسفة الإسلاميون! وهم ملاحدة.

    و

    ابن سينا سماه ابن القيم في إغاثة اللهفان: (إمام الملحدين)، ويقول ابن سينا عن نفسه: أنا وأبي من دعاة الحاكم العبيدي والحاكم العبيدي رافضي خبيث لا يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ولا بالقدر.

    ومحاولة ابن سينا التقريب بين الفلسفة والإسلام تدل على نفاقه وإلحاده.

    إذاً: فالمعلم الأول أرسطو الذي لم يثبت وجوداً لله، إلا من جهة كونه مبدأً للفلك وعلة غائية لحركة الفلك فقط، حيث يقول: هذا الفلك مبدؤه هو الله وإلا فهو شيء واحد، وابن سينا أراد أن يقرب الفلسفة من الإسلام، فقال: هناك وجودان: وجود الخالق، ووجود المخلوق، لكن هذا الإثبات إنما هو في الذهن؛ لأنه لم يثبت، فهذا الخالق الذي أثبته عدم -والعياذ بالله- لم يثبت له شيئاً من الصفات، ولا من الأسماء، ولا قال: إنه خلق العالم باختياره، وإنما قال بالوجود المطلق فقط.

    والوجود وجودان: وجود واجب ووجود ممكن، فالوجود الواجب هو وجود الله، والوجود الممكن هو وجود المخلوق، إلا أن الواجب ليس له اسم ولا صفة، فليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا إرادة، ولا هو فوق، ولا تحت، ولا في يمين ولا في شمال، وإنما وجوده وجود مطلق، فاشترط أن يكون وجوده وجوداً مطلقاً، والوجود المطلق هو الذي لم يقيد باسم ولا صفة، وهذا لا يكون إلا في الذهن وفي اللفظ، أما في الخارج فلم يثبت وجود لله، وقال عن الملائكة: إنهم أشباح وأشكال يتخيلها النبي، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قال: إنما هي عبارة عن أمور عقلية معنوية، فالملائكة عبارة عن أمور عقلية تدعو إلى الخير والإحسان والكرم، والشياطين: هي الأشباح الرديئة التي تدعو إلى الظلم والعدوان.

    أما الكتب المنزلة فقال عنها: إنها فيض، يعني أنها معان تفيض على هذا الرجل العبقري.

    وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه رجل عبقري فيه خصائص من استكملها فهو نبي، مثل قوة الإدراك، حتى ينال من العلم أكثر من غيره، وقوة التخيل حتى يتخيل الملائكة، وقوة التأكيد، فهذه خصائص من استكملها فهو نبي.

    وقال: إن النبوة ليست منحة ولا هبة ربانية، بل هي صنعة من الصناعات وسياسة من السياسات، فكل إنسان يستطيع أن يحصل عليها بالمران والخبرة، فهذا إيمانهم بالنبوة.

    وأما إيمانهم بالبعث والنشور والحساب والجنة والنار فيقولون: هذه أمور خيالية لا حقيقة لها؛ لأنها من كذب هذا النبي، فالنبي يكذب على الناس حتى يستصلح أحوالهم، فهو يكذب لهم، ولا يكذب عليهم، فهو يخبرهم بأن هناك بعثاً وجزاء ونشوراً وجنة وناراً حتى يعيش الناس بسلام، وحتى لا يبغي أحد على أحد، أي: ليس هناك جنة ولا نار ولا بعث، والعياذ بالله، وهذا هو مذهب ابن سينا في محاولته الشديدة للتقريب بين الإسلام والفلسفة.

    لذلك ينبغي على المسلم -لاسيما طالب العلم- ألا يغتر بهذه التخرصات؛ لأن هؤلاء الصحفيين والمذيعين ليس عندهم علم ولا بصيرة بحال هؤلاء الفلاسفة.

    ذكر سبب تسمية الإسكندر بذي القرنين

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام، وقرب إلى الله قرباناً، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب (البداية والنهاية) بما فيه كفاية ولله الحمد.

    وقال وهب بن منبه: كان ملكاً، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس، وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: (سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين فقال: كان عبداً ناصحاً لله فناصحه ].

    النصح لله معناه: إخلاص العبادة لله عز وجل، كما في الحديث: (الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه...) فالنصح لله هو إخلاص العبادة وأداء حقه سبحانه، والنصح لكتابه معناه: العمل بالقرآن العزيز، والنصح لرسوله معناه: اتباعه عليه الصلاة والسلام ومحبته.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ كان عبداً ناصحاً لله فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين ].

    هذا الحديث صححه الحافظ ابن حجر بعد عزوه إلى المختارة للحافظ الضياء، وأخرجه الطبراني من طريق أبي الطفيل قال: سمعت علياً وسألوه، فذكر نحوه.

    قال الحافظ الضياء المقدسي : أخبرنا أبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد بن أحمد الثقفي قرأت عليه بأصفهان قال: قلت له: أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين الخلال قراءة عليه وأنت تسمع قال: حدثنا الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين بن بندار الرازي أنبأنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديلي حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن الكواء يسأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذي القرنين ، فقال علي : (لم يكن نبياً ولا ملكاً، بل كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه، بعث إلى قومه فضربوه على قرنه فمات، فبعثه الله، فسمي ذو القرنين ).

    وقال أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: سئل علي، وساق الحديث.

    وهنا سند آخر، قال الضياء المقدسي : أخبرنا عبد العزيز أخبرنا عبد المعز بن محمد الهروي قراءة عليه بها قلت له: أخبركم محمد بن إسماعيل بن الفضيل قراءة عليه وأنت تسمع بأن محلم بن إسماعيل الضبي بأن الخليل بن أحمد الضبي بأن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الفراج حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن حبيب بن حماد قال: (كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب؟ قال: سبحان الله! سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له النور، فقال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل وسكت علي ) رواه الضياء في المختارة، وصححه المحقق، ونقل توثيق العجلي في حديث ابن حماد.

    والمختارة للضياء يقول عنها شيخ الإسلام رحمه الله بأن أحاديثها أحسن من أحاديث مستدرك الحاكم ، لكن الأمر يحتاج إلى نظر في الأسانيد التي سبق ذكرها في الحديث الموقوف على علي.

    وكل ذلك من أخبار بني إسرائيل، أي: كونه أحياه الله مرتين، وكذا القول بأنه كان على جانبي رأسه صفحتان من النحاس، وهذا بعيد؛ لأن هذا مخالف لخلق بني آدم، فبنو آدم خلقهم الله من دم ولحم وعظم لا من نحاس، ولو كان هذا صحيحاً لورد في ذلك شيء من الأخبار.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع علياً يقول ذلك، ويقال: إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب ].

    ولعل هذا هو الأقرب، بلغ المشارق والمغارب، والدليل على هذا ما ذكر الله وبينه من أنه بلغ مطلع الشمس ومغربها.

    بيان معنى قوله تعالى: (إنا مكنا له في الأرض)

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ [الكهف:84] أي: أعطيناه ملكاً عظيماً متمكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم، ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها.

    وقوله: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84] قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وغيرهم: يعني: علماً. وقال قتادة -أيضاً- في قوله: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84] قال: منازل الأرض وأعلامها، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84] قال: تعليم الألسنة، كان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم، وقال ابن لهيعة : حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لـكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب : إن كنت قلت ذلك فإن الله تعالى قال: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84]، وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب ].

    هذا السند لا يصح؛ لأن فيه ابن لهيعة، وكعب الأحبار من بني إسرائيل أسلم، وهو يأخذ عن بني إسرائيل.

    فقوله: (يربط خيله بالثريا) غير صحيح، ومعنى (آتاه الله من كل شيء سبباً) أي: آتاه من كل شيء يصلح للملوك ويؤتاه الملوك، ومكنه في الأرض، وهذا جدير بالإنكار، وابن لهيعة -أيضاً- ضعيف احترقت كتبه في آخر حياته.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والحق مع معاوية في ذلك الإنكار؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب : إن كنا لنبلو عليه الكذب ].

    يعني: يؤثر عنه الكذب.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يعني فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه ].

    يعني: ينقل عن بني إسرائيل ما هب ودب، فيقع في الكذب فيما ينقله.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض.

    وتأويل كعب قول الله: وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84]، واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق، فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الترقي في أسباب السماوات، وقد قال الله في حق بلقيس : وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23] أي: مما يؤتى مثلها من الملوك ].

    يعني أن قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)، أي: مما يؤتاه الملوك، وليس المراد العموم؛ لأن العموم قد يخصص بما يدل عليه الواقع والعقل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب -أي: الطرق والوسائل- إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد ].

    الرساتيق كلمة أعجمية، أي: المدن والأقاليم، فـذو القرنين يسر الله له أسباب الفتح، كما يسر له بناء السد، وطلب من الناس أن يعينوه وأن يأتوه بالحديد.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يسر الله له الأسباب -أي: الطريق والوسائل- إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك، قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سبباً، والله أعلم.

    وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماد قال: (كنت عند علي رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين: كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سبحان الله! سخر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد) ].

    قوله: (سخر له السحاب) يحتمل -والله أعلم- أنه بالأمطار أو بتظليل السحاب له.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088587344

    عدد مرات الحفظ

    777516293