قال المؤلف رحمه الله: [ هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه كان صادق الوعد.
قال ابن جرير : لم يعد ربه عدة إلا أنجزها يعني: ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها ووفاها حقها.
وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن سهل بن عقيل حدثه أن إسماعيل النبي عليه الصلاة والسلام وعد رجلاً مكاناً أن يأتيه فيه فجاء ونسي الرجل، فظل به إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وبات حتى جاء الرجل من الغد فقال: ما برحت من ههنا؟ قال: لا، قال: إني نسيت، قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني فلذلك كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ [مريم:54].
وقال سفيان الثوري : بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولاً حتى جاءه، وقال ابن شوذب : بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع مسكناً.
وقد رواه أبو داود في سننه وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه مكارم الأخلاق من طريق إبراهيم بن طهمان عن عبد الله بن ميسرة عن عبد الكريم ].
الصواب عن بديل بن ميسرة وليس عن عبد الله بن ميسرة كما جاء في التهذيب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم يعني: ابن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء ]
قال في التهذيب: عبد الله بن أبي الحمساء العامري له صحبة، فهو صحابي مخضرم، أي عاش في الجاهلية وفي الإسلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ عن عبد الله بن أبي الحمساء قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فبقيت له علي بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك قال: فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك فقال لي: يا فتى! لقد شققت علي! أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك)، لفظ الخرائطي وساق آثاراً حسنة في ذلك ].
وهذا من الأخلاق الحميدة التي جبله الله عليها عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، ثم قويت وزادت بعد البعثة، فقد كان صلى الله عليه وسلم صادق الوعد كما كان أبوه إسماعيل متصفاً بذلك.
وهذا الحديث في سنده عبد الكريم بن عبد الله وهو مجهول فهذا الحديث ضعيف.
قال المؤلف رحمه الله: [ ورواه ابن مندة أبو عبد الله في كتاب معرفة الصحابة بإسناده عن إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم به.
وقال بعضهم: إنما قيل له: صَادِقَ الْوَعْدِ [مريم:54] لأنه قال لأبيه: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، فصدق في ذلك، فصدق الوعد من الصفات الحميدة كما أن خلفه من الصفات الذميمة ].
من صفات المنافقين خلف الوعد، ولهذا قال النبي: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر)، وفي صحيح مسلم : (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم) يعني: وزعم أنه مسلم حقاً، هذه المعاصي من صفات النفاق العملي، وصدق الوعد من الصفات الحميدة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان).
ولما كانت هذه صفات المنافقين كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضاً، لا يعد أحداً شيئاً إلا وفى له به، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب فقال: (حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي) ، (ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخليفة
أي: أعطاه ألفاً وخمسمائة درهم، في ثلاث حفنات كل حفنة فيها خمسمائة درهم إنجازاً لعدة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقوله: وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:51] في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق؛ لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل)، وذكر تمام الحديث فدل على صحة ما قلناه.
وقوله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، هذا أيضاً من الثناء الجميل والصفة الحميدة والخلة السديدة ].
الَخلة بمعنى: الخصلة، أما الخُلة فهي نهاية المحبة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حيث كان صابراً على طاعة ربه عز وجل، آمراً بها لأهله، كما قال تعالى لرسوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] الآية، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] أي: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملاً فتأكلهم النار يوم القيامة.
وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)، أخرجه أبو داود وابن ماجة.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة واللفظ له ].
إسماعيل وصفه الله بأنه رسول نبي، ووصف إدريس بأنه صديق نبي، فدل على تفضيل إسماعيل على إدريس، عليهما الصلاة والسلام.
وكذلك تفضيل إسماعيل على أخيه إسحاق.
قال المؤلف رحمه الله: [ ذكر إدريس عليه الصلاة والسلام بالثناء عليه؛ بأنه كان صديقاً نبياً، وأن الله رفعه مكاناً علياً.
وقد تقدم في الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة).
وقد روى ابن جرير ههنا أثراً غريباً عجيباً فقال: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس رضي الله عنهما كعباً وأنا حاضر، فقال له: ما قول الله عز وجل لإدريس: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57]، فقال كعب : أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم، فأحب أن يزداد عملاً فأتاه خليل له من الملائكة فقال له: إن الله أوحى إلي كذا وكذا، فكلم لي ملك الموت فليؤخرني حتى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه حتى صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم ملك الموت منحدراً، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس فقال: وأين إدريس؟ قال: هو ذا على ظهري، قال ملك الموت: العجب بعثت وقيل لي: اقبض روح إدريس في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول الله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57]، هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات وفي بعضه نكارة والله أعلم ].
وهذا من أخبار بني إسرائيل، وكعب يخبر كثيراً عن بني إسرائيل وهو ممن أسلم من التابعين ويأخذ عن بني إسرائيل كثيراً، ولا يعتمد على مثل هذا.
ولكن ظاهر قوله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57]، المراد به المكانة الرفعية، أو الرفعة المعنوية، وأن له مكانة ومنزلة عند الله عز وجل، هذا هو ظاهر الآية.
أما كونه قبض في السماء الرابعة كما قاله كعب الأحبار ، ولا يعتمد على هذا إلا بخبر صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال الحافظ إن ابن جرير روى أثراً عجيباً غريباً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سأل كعباً فذكر نحو ما تقدم غير أنه قال لذلك الملك: هل لك أن تسأله -يعني: ملك الموت- كم بقي من أجلي لكي أزداد من العمل، وذكر باقيه، وفيه: أنه لما سأله عما بقي من أجله قال: لا أدري حتى أنظر، فنظر ثم قال: إنك تسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين، فنظر الملك تحت جناحه فإذا هو قد قبض عليه الصلاة والسلام، وهو لا يشعر به.
ثم رواه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إدريس صلى الله عليه وسلم كان خياطاً، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل عملاً منه، وذكر بقيته كالذي قبله أو نحوه.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى.
وقال سفيان عن منصور عن مجاهد : وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] قال: السماء الرابعة.
وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] قال: رفع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك بن مزاحم .
وقال الحسن وغيره في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] قال: الجنة ].
الأقرب أن معنى قوله تعالى: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [مريم:57] أي: رفعناه مكاناً عليا في الجنة، أما هذه الآثار عن كعب فلا يعتمد عليها.
أما داود عليه السلام فهو الذي زاده آدم من عمره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ يقول تعالى: (هؤلاء النبيون)، وليس المراد المذكورين في هذه السورة فقط، بل جنس الأنبياء عليهم السلام، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ [مريم:58]الآية.
قال السدي وابن جرير رحمه الله: فالذي عني به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل والذي عنى به من ذرية إسرائيل موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم.
قال ابن جرير : ولذلك فرق أنسابهم، وإن كان يجمع جميعهم آدم ].
قوله: الذي عنى به من ذرية آدم إدريس هذا على القول بأن إدريس قبل نوح عليه السلام وأنه جده.
والقول الثاني: أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل، وعلى هذا يكون ممن جاء بعد موسى عليه الصلاة والسلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة وهو إدريس فإنه جد نوح ].
وهذا على أحد القولين كما تقدم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ (قلت) هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح عليهما السلام ].
وهذا اختيار البخاري رحمه الله، أن إدريس هو جد نوح، وقد ذكره في الصحيح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد قيل إنه من أنبياء بني إسرائيل أخذاً من حديث الإسراء ].
وهذا هو القول الثاني.
أما حديث الإسراء فدل على أنه من بني إسرائيل؛ لأنه رحب بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، فلو كان من عمود النسب، لقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، ولهذا فإن إبراهيم عليه السلام قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح، وكذلك آدم عليه السلام حيث قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لأنه في سلسلة النسب.
فدل على أن إدريس أخو النبي صلى الله عليه وسلم مثل موسى وعيسى ويوسف، فإنهم كلهم قالوا: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، وهذا دليل على أنهم من أنبياء بني إسرائيل، وأن إدريس عليه السلام ليس في سلسلة عمود النسب.
وبعض العلماء كالحافظ ابن كثير وابن جرير والبخاري اختاروا أنه جد نوح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد قيل إنه من أنبياء بني إسرائيل أخذاً من حديث الإسراء حيث قال في سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح)، ولم يقل: والولد الصالح، كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا يونس قال: أنبأنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عمر أن إدريس أقدم من نوح ].
في حاشية نسخة الأزهر: عبد الله بن محمد ، وفي نسخة الحرم. عبد الله بن عمر .
وهذا الحديث ضعيف لأن في إسناده ابن لهيعة وفيه أيضاً يزيد بن أبي حبيب وهو مدلس، وهذا الحديث موقوف على عبد الله بن محمد أو عبد الله بن عمر .
وفي النسخة الثالثة عن عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يحدث كثيراً عن أهل الكتاب.
قال المؤلف رحمه الله: [ أن أدريس أقدم من نوح، فبعثه الله إلى قومه، فأمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله، ويعملوا ما شاءوا فأبوا، فأهلكهم الله عز وجل ].
يزيد بن أبي حبيب المصري أبو رجاء واسم أبيه سويد ، واختلف في ولائه، وكان ثقة فقيه، وكان يرسل من الخامسة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء أنها كقوله تعالى في سورة الأنعام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:84-87]، إلى أن قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام:90].
وقال سبحانه وتعالى: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]، وفي صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس: أفي (ص) سجدة؟ فقال: نعم، ثم تلا هذه الآية: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم، قال: وهو منهم. يعني داود.
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58] أي: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم خضوعاً واستكانةً حمداً وشكراً على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي: جمع باك، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود ههنا اقتداء بهم، واتباعاً لمنوالهم ].
والأقرب أنها خمس عشرة سجدة ومنها السجدة التي في (ص) والصواب أن سجدة (ص) مستحبة كما ثبت في البخاري عن ابن عباس (أن سجدة (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سورة مريم فسجد، وقال: هذا السجود فأين البكي؟ يريد البكاء ].
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وسقط من روايته ذكر أبي معمر فيما رأيت فالله أعلم ].
أبو معمر سقط من رواية ابن جرير وهو موجود في رواية ابن أبي حاتم ورواية ابن جرير هي: قال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر .
و سفيان عن الأعمش هو سفيان الثوري .
وأتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين هم ممن أنعم الله عليهم وهم في درجات بعد درجة الأنبياء، كما قال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]، فهؤلاء أربع درجات: النبيون في الدرجة الأولى، ولهذا قال سبحانه في الآية السابقة: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ [مريم:58]، ثم الصديقون في الدرجة الثانية بعد درجة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم الصالحون على اختلاف منازلهم ومراتبهم.
والصالحون طبقات أعلاهم: السابقون المقربون، ثم أصحاب اليمين، ثم بعد ذلك الظالمون لأنفسهم الذين أنعم الله عليهم بالإيمان والتوحيد؛ لكن عندهم نقص وضعف حين ارتكبوا بعض المعاصي أو قصروا في الواجبات.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر