إسلام ويب

شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [17]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد خالف الإسلام اليهود الذين كانوا إذا حاضت المرأة فيهم اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يساكنوها ولم يشاربوها، فجاء الإسلام وأمر بمؤاكلة الحائض والنفساء ومساكنتها بل وأجاز مباشرتها في غير الفرج.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها :

    حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا حماد قال: أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما) ] .

    هذا الحديث أخرجه مسلم رحمه الله والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وحماد هو ابن سلمة وهو شيخ موسى بن إسماعيل وهو أثبت الناس في الرواية، وهذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله ليبين حكم مؤاكلة الحائض، ومباشرتها، والأكل معها والشرب معها، وأن هذا لا بأس به كما دلت عليه الأحاديث.

    وفي هذا الحديث أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها، وجعلوها في غرفة مستقلة، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فلم يأمر الله سبحانه وتعالى إلا اعتزالها في المحيض يعني في محل الحيض وهو الجماع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت)، أي: اجتمعوا معهن، واجلسوا معهن، وآكلوهن وشاربوهن مخالفة لليهود، قال: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح) والمراد بالنكاح الجماع، والنكاح يطلق على العقد ويطلق على الوطء، والمراد هنا الوطء، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فمخالفة اليهود مقصودة للشارع، ولهذا جاء في الحديث الآخر: (إن اليهود لا يصلون في نعالهم فصلوا في نعالكم)، (إن اليهود لا يصبغون فخالفوهم).

    مخالفة اليهود مقصودة شرعاً

    اعلم أن مخالفة اليهود مقصودة للشارع، ومن ذلك أن اليهود كانوا من تشددهم يعتزلون المرأة إذا حاضت، يهجرونها فيجعلونها في غرفة مستقلة لا تؤآكل ولا تشارب، ولا تمس ولا تطبخ ولا تغسل، والحائض ومعلوم أن بدنها طاهر وعرقها طاهر ولعابها طاهر وثيابها طاهرة، إنما النجاسة في الدم، فلا حرج أن يؤكل معها، ويشرب معها، وتصنع الطعام، وتغسل الثياب، فكل شيء من يدها لا بأس به إلا أن زوجها لا يجامعها؛ لأن الجماع منهي عنه، خلافاً للمباشرة إذ لا بأس بها، وقد سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شربت عائشة من إناء وضع فمه في المكان الذي وضعت فمها فيه، وأنها تتعرق العظم وهو عرموش اللحم، فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه مكان فمها.

    وفي هذا مخالفة لليهود قبحهم الله، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، جاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ -يعني أفلا نجامعهن- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تغير وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]- قال: حتى ظننا أن قد وجد عليهما، -أي: فظنوا أنه غضب عليهما، فوجد بمعنى غضب- فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما، -وكأنه لما قاما من عنده جاءت هدية من لبن في وقت قيامهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليهما فجاءا فسقاهما من اللبن فعلم الصحابة أنه لم يغضب عليهما.

    كرامات بعض الصحابة

    وأسيد بن حضير وعباد بن بشر هما اللذان حصلت لهما الكرامة وأضاء لهما سوطهما لما خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما السوط حتى وصل إلى أهله وهذا من كرامات الأولياء.

    وكما حصل لبعض الصحابة كـالطفيل بن عمرو لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه، سأله أن يدعو الله أن يجعل له آية أي: علامة، ليعلموا بها صدقه فلما جاءهم أضاء لهم مثل السراج في جبهته، فقال يا رب! في غير هذا الموضع، فكانت في سوطه، فأسلم قومه.

    وإن كانت موجودة في الصحابة ولكنها ليست كثيرة، إنما كثرت في التابعين.

    وفي الحديث جواز الاستمتاع من الزوجة الحائض في غير الوطئ، مؤآكلة ومجالسة ومباشرة في غير الحرث، وفي هذا الحديث الغضب إذا انتهكت محارم الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088615222

    عدد مرات الحفظ

    777640675