إسلام ويب

كيف تعيش مع القرآن؟للشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن الكريم حبل الله.. من تمسك به نجا ومن تركه غرق.

    والشيخ في هذه المادة تطرق إلى كثير من المسائل والأحكام المتعلقة به، من أوصافه، وفضائله، والحث على تدبره، وحال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه، ووسائل حفظه.

    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: كيف تعيش مع القرآن؟

    عظمة المسلم تكمن في مصاحبته لهذا القرآن، وفي العيش معه، وفي تلاوته وتدبره، والعمل به وحفظه؛ لأنه مبارك، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] فهو مبارك.

    قال بعض العلماء: مبارك في تلاوته وحفظه وفي العمل به، وتعليمه، ومبارك في الرقية به، ومبارك في طلب مداواة الأجسام والقلوب منه، وقال سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] كلام الله، أنزل ليوجه هذه الأمة، أنزل وليحكم هذه الأمة، وأنزل لتسير هذه الأمة عقيدةً وأخلاقاً وعبادةً وسلوكاً ومعاملةً على هذا القرآن: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] من استكفى به كفاه، ومن طلب الشفاء منه شفاه، ومن طلب الحماية في ظل من أنزله حماه، ولكن من طلب الهدى من غيره أضله الله، وأعماه وأخزاه ونكَّل به؛ ولذلك كان مصدر حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام:

    آياته كلَّما طال المدى جدد     يزينهن جلال العتق والقدم

    أتى على سفر التوراة فانهدمت      فلم يفدها زمان السبق والقدم

    ولم تقم منه للإنجيل قائمة     كأنه الطيف زار الجفن في الحلم

    سبحان من أنزله! وسبحان من تكلم به!

    وهذا الدرس بعنوان: كيف تعيش مع القرآن؟

    هو على عناصر:

    1- أوصاف القرآن.

    2- مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مع القرآن.

    3- الحث على تدبر القرآن.

    4- تحزيب القرآن وفي كم يُقرأ القرآن، وكم تختم القرآن، وما هو وردك اليوم من القرآن؟

    5- كيف تحفظ القرآن، وما هي الوسائل التي تعين على حفظ القرآن -بإذن الله- لمن أراد أن يحفظ القرآن؟

    أما أوصاف القرآن فسماه الله ذكراً، والذكر هو الشرف والرفعة والمجد، فقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] ومعنى الآية أنه شرف لك -يا محمد- ولقومك، وأنه مجد لك -يا محمد- ولقومك، وأنه علو وبهاء وثناء لك -يا رسول الله صلى الله عليك وسلم- وقومك العرب من هم إلا بالقرآن؟!

    ما هو تاريخ العرب إلا بالقرآن.

    ما هو مجد العرب إلا بالقرآن.

    وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] قال تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1] ذي الشرف والرفعة.

    وسماه الله روحاً: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ [الشورى:52] والروح هي التي تقوم بها الأجساد، فإذا ماتت الروح ماتت الأجساد ولم تهتدِ.

    وسماه الله نوراً ووصفه الله بأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه مبارك وأن آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

    وهو الصراط المستقيم، وهو حبل الله المتين، وهذا من كلام علي موقوفاً عليه عند الترمذي، فلذلك لا يمدح المادحون كتاب الله مثل ما مدحه الله، ولا يمدحه بعد الله إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    كان عليه الصلاة والسلام يستعرض السرية من الصحابة فيقول لأحدهم: (كم معك من القرآن؟ قال أحدهم: أحفظ سورة البقرة، قال: اذهب فأنت أميرهم) وهذا من حديث أنس وهو صحيح.

    فقرب الناس من الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن، حبه لهم لصلتهم بالقرآن، كثرة تلاوة الصحابة للقرآن؛ تقربهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    فقد صح من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالشهداء في أحد فيقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقولون: هذا، فيقدمه إلى القبلة ثم من بعده، ثم يصلي عليهم).

    مكانة قارئ القرآن

    إن حفظة القرآن أئمة في الدنيا وفي الآخرة، فقد صح من حديث ابن عمر مرفوعاً إليه عليه الصلاة والسلام: {أنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} والذي يظهر من النصوص أن معناه في حافظ القرآن، وليس في الذي يتلوه من المصحف، وذلك لأمور:

    1- أنه ليس في الآخرة مصاحف، وهناك يقال لمن يقرأ القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل.

    2- أنه جعل فيه حداً نسبياً، فلو كان لمن يتلو من المصحف لكان الناس مشتركين في هذا الفضل جميعاً، ولكن يقال لأهل القرآن من الأمة المحمدية: {اقرأ وارتقِ ورتل} فكلما قرأ آية ارتقى في الجنة درجة، وفي الجنة درجات بين الدرجة والأخرى كما بين السماوات والأرض نسأل الله من فضله، فيقول: {اقرأ وارتق} فإذا وصل إلى محفوظه وقف، فإن منزلته عند آخر آية يقرؤها.

    فبعضهم يحفظ جزءاً وبعضهم يحفظ جزأين، وبعضهم يحفظ نصف القرآن، ولكن الذي يحفظ القرآن كما جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه: [[من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه]] وقال أبو الدرداء: [[احفظوا القرآن فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن]].

    خيرية حافظ القرآن ومكانة أبي بن كعب

    فكلام الله لا يحفظه إلا موفق، ولذلك كان هو السبب العظيم الذي كان صلى الله عليه وسلم يشرف أصحابه به، فقد كان يحب أبي بن كعب سيد القراء رضي الله عنه وأرضاه، حتى يقول عمر: [[أقرؤنا أبي، وإنا نأخذ ونترك من بعض قراءة أُبي]] وقد صح ذلك عن عمر.

    وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فنسي آية فلما سلَّم قال الصحابة: {يا رسول الله! أنسخت الآية أم نسيتها؟ -فمن يسأل، ومن صاحب هذا التخصص؟ معاذ تخصصه الحلال والحرام، وعلي قاضي، وزيد بن ثابت فرضي، وحسان بن ثابت أديب مسلم، لكنه أعطى القوس باريها- فقال: يا أبا المنذر! أكما يقول الناس؟ قال: نعم يا رسول الله!}

    وفي الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله -والمسألة تناسب تخصص أبي - فقال له: { أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:2] فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر} ليهنك هذا الفتح العظيم، ليهنك هذا التقدم، إذا افتخر الناس بالشهادات، وافتخروا بالشاة والنعم أو بالمناصب والوظائف فليهنك هذا الفضل العظيم:

    لعمرك ما الرزية فقد مال     ولا شاة تموت ولا بعير

    ولكن الرزية فقد شهم     يموت بموته بشر كثير

    وذلك كـأبي.

    وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام، أن الله لما أنزل عليه سورة البينة ذهب إلى أبي وطرق عليه الباب وقال: {إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة، فقال أبي: وسماني في الملأ الأعلى؟ -أنا معروف في السماء من أنا، أنا لولا الرسالة الخالدة لست بشيء- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم سماك الله في الملأ الأعلى، وقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سورة البينة} ولذلك يتفكه المحدثون ويقولون: هل عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على شيخ من الشيوخ؟ قالوا: عرض على أبي.

    وعند أحمد في المسند بسند صحيح، قال أبي بن كعب: { قال المشركون لرسول الله: انسب لنا ربك -أي: من أبوه ومن جده؟ سبحان الخالق! لم يتخذ ولداً ولا والدة ولا زوجة: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَات وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:93-95] فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]}.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088483398

    عدد مرات الحفظ

    776942262