إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 81للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله عز وجل من أراد من الصحابة أن يخلو برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم صدقة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الانشغال ويشق عليه أن ينفرد بكل من أراد أن يسر له بشيء، فشرع الله هذا الأمر، ولما شق ذلك على الصحابة أنزل الله عز وجل نسخ هذا الأمر رحمة بصحابة رسول الله رضوان الله عليهم وبالأمة من بعدهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. اللهم آمين.

    أذكركم بمحتوى النداء الذي سمعناه أمس من موالانا عز وجل: إنه يحمل تربية ربانية إسلامية، وهي: أننا إذا كنا في مجلس علم كهذا وجاء من يرغب في العلم ويطلبه، وهو من مكان بعيد فإذا قال المربي: تفسحوا لأخيكم أو لإخوانكم؛ ليجلسوا معكم لطلب الحكمة والكتاب وجب أن نتفسح، وإذا قال المربي: ليقم فلان وفلان، وليجلس فلان وفلان؛ للحاجة إلى جلوسهما، ولعدمها من فلان وفلان وجب أن نطيع المربي، وأن نقوم، ويجلس من أراد المربي جلوسه؛ لأنه لا يأمر إلا بما هو في صالح الدعوة.

    وهذا النداء هو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا [المجادلة:11]. والجزاء من الله: يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]. هذه هي التربية الربانية، وقد حرمها المؤمنون والمسلمون لما أعرضوا عن كتاب الله، وعن الاجتماع على كتاب الله وسنة رسوله، واستبدلوا بذلك الأهواء والمقاهي والملاعب والأباطيل، فحرموا هذا النور، فهم في الظلام، إلا من شاء الله إنقاذه.

    هذا هو النداء السابق.

    قبل هذا النداء نداء آخر، فيه من الآداب الرفيعة والأخلاق السامية ما لا يوجد عند غيرنا، وهي: أنك إذا أردت أن تتناجى مع أخ لك فاذهب بعيداً، ولا تتناجى معه إذا كان أخوكم الثالث يسمع، ولا يدري ماذا تقولان فيما بينكما؛ إذ هذه الحال من شأنها أن توجد حزناً وهماً وكرباً في نفس هذا المؤمن، وكذلك هو ولي الله، ولا يرضى الله أن يؤذى وليه، وقد قال الله تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).

    وهذه المناجاة يدفع إليها إبليس العدو؛ ليحزن الذين آمنوا، وقد قال تعالى في هذا النداء الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:9-10]. وهذا معناه المحافظة على المجتمع الإسلامي، ومراعاة حقوق الأخوة الإيمانية. وهذا معناه: أنه لا أذى بين المؤمنين، حتى في حال كهذه، فلا يتناجى اثنان دون الثالث، ولا ثلاثة دون الرابع، ولا خمسة دون السادس؛ لأنكم إن تحدثتم سراً بينكم وهو لا يدري ما تقولون فإن هذا يحزنه ويكربه ويؤلمه، ولا يجوز والله أن تؤذي مؤمناً، ولا أن تدخل عليه الحزن والأذى.

    واليوم انتشر الأذى بين المؤمنين، وهم يصبونه على إخوانهم صباً، وانتشر السب والشتم والتعيير والتقبيح والطعن والنقد، بل وإراقة الدماء وكسر العظام، وليس هذا هو الإيمان، وليس هؤلاء هم المؤمنون،. فلنعد إلى الاجتماع على الكتاب والسنة في بيوت الرب بنسائنا وأطفالنا ورجالنا طول العام وعلى مدى الحياة؛ ليرحل الجهل وظلمته، ويحل العلم ونوره، ونعود إلى ما كنا عليه، لا فسق ولا فجور، ولا خيانة ولا خداع، ولا كذب ولا باطل.

    وقد ضاع المسلمون من يوم أن حولهم العدو عن دراسة الكتاب والحكمة، وعن قراءة القرآن على الموتى، ومن يوم أن هجرنا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصبحنا ندرسها للبركة، ونكتفي بالمصنف الفلاني وما كتبه فلان. وهذه هي آلام المؤمنين التي ضيعتهم اليوم.

    ونداءات الرحمن هذه تسعون نداء، وأقسم بالله لو دقت ساعة دعوتنا وإقبالنا على الله؛ لنعرف ونعلم ونكمل ونسعد لكان هذا الكتاب قد أخذ، وترجم في خلال أربع وعشرين ساعة، ووزع في العالم الإسلامي، واجتمع النساء والأطفال عليه، وعلى رأسهم المسئولون في المدينة والقرية؛ ليتعلم الكل كيف يعرف الله، ويعرف ما يحب وما يكره؛ ليمتثل الأمر ويجتنب النهي، ولكن مادامت الساعة لم تدق فنحن نصرخ من قبل ثلاثة أشهر أو أربعة ولم نحصل على شيء، ولم نسمع عالماً يدعو إلى قراءة هذا الكتاب، أو يرغب فيه، أو يحمل الناس عليه، فضلاً أن يأخذ أو يجمع أهل القرية في قريتهم ليتعلموا الهدى، وليسموا ويعلوا، ويطهروا ويكملوا. وتفسير هذه الظاهرة يا علماء النفس! أنه ما زال مكتوباً علينا البقاء على الخلاف والتناطح والأذى والحسد والبغضاء، ولا يسلم منا إلا من سلمه الله، وقليل ما هم، فأولئك هم السالمون الناجون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088512268

    عدد مرات الحفظ

    777046237