قوله: [أخبرنا
سليمان بن داود و
الحارث بن مسكين].
وسليمان بن داود يأتي ذكره لأول مرة في الأسانيد، وهو سليمان بن داود المهري المصري أبو الربيع، وقد روى عنه النسائي , وأبو داود، ولم يخرج له الباقون، وهو ثقةٌ، والحارث بن مسكين سبق أن مر ذكره مراراً، وقلنا : إنه أحياناً يقول : أخبرنا الحارث بن مسكين، وأحياناً يعطفه على غيره ولا يصرح بأخبرنا عند ذكره، وذكرت السبب في ذلك وهو: أنه كان يمنع النسائي من أن يأخذ عنه، فكان النسائي يختفي من وراء الستار ويسمع ويروي عنه , ولكن لا يقول: أخبرني، وإنما يقول: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع . ولكنه جاء في بعض الأحاديث كما مر يقول النسائي: (أخبرنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع )، وعلى هذا يكون حصل له إذن بعد المنع، ويكون في كل حالة يروي على حسب ما اتفق له، ففي الحالة التي منع فيها لا يقول: أخبرني؛ لأنه ما قصده بالإخبار، وفي الحالة التي أذن له يقول فيها: أخبرني.
والحارث بن مسكين من الثقات، وهو قاضٍ في مصر، وروى له أبو داود , والنسائي مثل سليمان بن داود الذي قبله؛ لأن كلاً منهما خرج له النسائي , وأبو داود، ولم يخرج لهما الباقون.
[قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له].
يعني: هذا اللفظ الموجود الذي أثبته في نهاية الحديث ونهاية الإسناد هو لفظ الحارث بن مسكين، وليس لفظ سليمان بن داود؛ يعني: أن سليمان بن داود رواه بالمعنى، وأما الحارث بن مسكين فهو بهذا اللفظ الموجود، وهو كثيراً ما يأتي ويقول: واللفظ له، هذا يتكرر في سنن النسائي في غالب المواضع التي مرت.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي المصري , المحدث , الفقيه، والإمام المشهور، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الحفاظ، مكثر من رواية الحديث.
[عن مالك ويونس وعمرو بن الحارث].
إذاً: عبد الله بن وهب يروي عن ثلاثة أشخاص، روى عنه في هذا الحديث أو في هذا السند اثنان مصريان، وهو مصري، ويروي هو عن ثلاثة: عن مالك بن أنس، وعن يونس بن يزيد الأيلي، وعن عمرو بن الحارث المصري، يروي عنهم جميعاً، والثلاثة يروون عن الزهري.
ومالك بن أنس سبق أن مر ذكره مراراً وتكراراً، وهو إمام دار الهجرة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة، وهو الإمام المشهور، وحديثه في الكتب الستة.
ويونس بن يزيد الأيلي أيضاً مر ذكره، وهو من الثقات، من رجال أصحاب الكتب الستة.
وعمرو بن الحارث المصري هو أيضاً من الثقات، وهو من رجال أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره هنا لأول مرة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد سبق ذكره مراراً، وهو من الحفاظ، ومن الفقهاء، وهو أول من قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله -كما سبق أن مر ذلك- وحديثه في الكتب الستة، وهو معروف بفضله، وبعلمه، وبعلو منزلته، وهو من المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما أكثر ما يأتي ذكره في أسانيد كتب السنة.
[عن عباد بن زياد].
عباد بن زياد ثقة، ويأتي ذكره لأول مرة، وقد خرج له مسلم , وأبو داود, والنسائي؛ يعني: مثل الذين خرجوا لشيخي النسائي في هذا الحديث وهم: الحارث بن مسكين، وسليمان بن داود المصري أبو الربيع يضاف إليهم الإمام مسلم، فهؤلاء الثلاثة خرجوا لـعباد بن زياد. وهذا هو أخو عبيد الله بن زياد الأمير المشهور، وهذا أيضاً تولى الإمارة، كان والي سجستان.
[عن عروة بن المغيرة بن شعبة].
عروة بن المغيرة بن شعبة هو أحد الثقات، وحديثه في الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة].
أما المغيرة بن شعبة فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروف بدهائه، وبفطنته، وبقوته، وشجاعته رضي الله عنه وأرضاه، وقد تولى إمارة البصرة، وإمارة الكوفة، وكان من الذين جاهدوا في سبيل الله.
وقد ذكر البخاري في صحيحه قصة له مع الفرس، وأنهم لما ذهبوا إليهم طلبوا واحداً يتكلم معهم , فكلمهم المغيرة، فذكر كلاماً عظيماً يبين فيه حالهم قبل الإسلام، وأن الله عز وجل أرسل لهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنهم آمنوا به، وأن الله تعالى أعزهم به، وأن من أطاعهم فإنه يسلم، ومن لم يدخل في هذا الدين فإنهم يجاهدونه حتى يملكهم الله رقابهم، وحتى يدخلوا في دين الله عز وجل، قال هذه المقالة العظيمة كما ذكرها البخاري رحمه الله في صحيحه، وهذا من قوته، وعزة نفسه، وشجاعته، وصدعه بالحق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وله في الكتب مائة وستة وثلاثون حديثاً، اتفق البخاري, ومسلم منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين.
[قال أبو عبد الرحمن : لم يذكر مالك عروة بن المغيرة].
يعني: أن الذين ذكروا في الإسناد عروة بن المغيرة هم الاثنان الآخران اللذان هما : عمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد الأيلي، أما الإمام مالك فهو لم يذكر عروة بن المغيرة.