إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الإمامة - باب الجماعة للفائت من الصلاةللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع لمن فاتتهم صلاة الجماعة أن يقضوها جماعة، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة عندما ناموا عن صلاة الفجر.

    شرح حديث: (أقيموا صفوفكم وتراصوا...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجماعة للفائت من الصلاة.

    أنبأنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري)].

    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الجماعة للفائت من الصلاة، أي: أن الصلاة المؤداة كما أنها تكون جماعة، فكذلك التي تقضى إذا فاتت فإنها أيضاً تكون جماعة إذا كان الذين فاتتهم جماعة، فإنهم يصلونها جماعة كما يصلونها مؤداة، يصلونها في غير وقتها مقضية، ويصلونها جماعة، وأورد النسائي في هذا حديث أنس بن مالك، ولكنه ليس فيه دلالة على الترجمة، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في الصف قبل أن يكبر قال: (سووا صفوفكم وتراصوا فيها، فإني أراكم من وراء ظهري)، هذا ليس فيه ما يدل على الترجمة التي هي: الجماعة للفائت، لكن فيه الجماعة، وفيه حصول الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف، ويأمرهم بتسويتها، ويأتي بالألفاظ التي تدل على ذلك، بحيث يقول: سووا صفوفكم، وتراصوا فيها، ثم أيضاً ينبهه إلى أنه يراهم من وراء ظهره، وهذه من معجزاته وخصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وسبق أن مر الحديث في الأبواب الماضية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أقيموا صفوفكم وتراصوا...)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].

    وهو: ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

    [أخبرنا إسماعيل].

    وهو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حميد].

    وهو ابن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أنس].

    ابن مالك، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن فيه بينه، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص.

    شرح حديث أبي قتادة في صلاة النبي بالصحابة بعد طلوع الشمس

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري حدثنا أبو زبيد واسمه عبثر بن القاسم عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال: إني أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أحفظكم، فاضطجعوا فناموا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قبض أرواحكم حين شاء فردها حين شاء، قم يا بلال فآذن الناس بالصلاة، فقام بلال، فأذن فتوضئوا -يعني: حين ارتفعت الشمس- ثم قام فصلى بهم) ].

    أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وهو دال على ما ترجم له المصنف، من جهة حصول الجماعة للفوائت من الصلاة، وحديث أبي قتادة: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقالوا: لو عرسنا، يعني: لو بتنا؛ لأنهم كانوا في آخر الليل، وقد تعبوا من السير في الليل، فتمنوا نومة خفيفة في آخر الليل؛ لأن التعريس هو مبيت المسافر في آخر الليل، أي: ينام نومة يرتاح فيها من بعد طول العناء، وحصول التعب والمشقة في السفر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجابهم إلى ما طلبوا، ولكن قال: إنه يخاف أن يناموا عن الصلاة، فقال بلال: أنا أحفظكم، أي: أنا أقوم بالتهيؤ، والاستعداد، وأعمل على أن لا أنام، وذلك حتى يعرف الوقت، وحتى يدرك الوقت، فاستند على ظهره إلى راحلته مستقبلاً الفجر، أو مطلع الفجر، أي: ينظر الفجر متى يطلع حتى ينبههم إلى الصلاة، فنام كما ناموا، واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بدا حاجب الشمس، فناموا حتى طلعت الشمس، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـبلال: (أين ما قلت؟)، من أنك ستقوم بهذه المهمة وأنك ستقوم بالتهيؤ والاستعداد. قال: ما ألقي علي نومة مثل هذه، يعني: أنه حصل له نوم ما حصل له مثله قبل هذه المرة.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وأعادها حين شاء، أي: هذا القبض الذي هو قبض الروح في المنام، التي هي الوفاة الصغرى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يتوفى الأنفس، فهناك أنفس يتوفاها وتنتهي من هذه الدنيا، وأنفس يأخذها في منامها، ثم إذا شاء أن يردها ردها، وإن شاء أن يقبضها، وأن يمسكها أمسكها، فقال: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء فردها حين شاء)، وهذا يدل على إثبات المشيئة لله عز وجل، وأن كل ما يقع فهو بمشيئة الله، فلا يقع في الكون إلا شيء قد شاءه الله وقدره وقضاه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، الشيء الذي شاءه الله لابد من وجوده، والشيء الذي لم يشأه الله لا يمكن أن يوجد، والمشيئة من صفات الله عز وجل، ومن صفاته الإرادة، والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونية قدرية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية، هي بمعنى المحبة.

    أما المشيئة فإنها لا تأتي إلا بمعنى كوني ولا تأتي بمعنى الإرادة الدينية، بل التي تنقسم إلى قسمين هي الإرادة، وأما المشيئة فهي لا تنقسم إلى قسمين، فهي مرادفة للإرادة الكونية؛ لأن الإرادة تأتي لمعنى شرعي، ولمعنى كوني، والمشيئة لا تأتي إلا لمعنى كوني، فلا تأتي إلا مرادفة للقدر. ففي هذا إثبات المشيئة لله عز وجل، والفرق بينها وبين الإرادة: أن الإرادة تأتي لمعنى كوني، ولمعنى ديني، وأما المشيئة فهي لا تكون إلا معنى كوني، فالإرادة والمشيئة، تتفقان في أنهما يكونان لمعنى كوني، وتنفرد الإرادة عن المشيئة بأنها تكون بمعنى ديني، وذلك بخلاف المشيئة، فإنها لا تكون إلا بمعنى كوني، وفيه إثبات هذه الصفة لله عز وجل.

    [عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله، قال: إني أخاف أن تناموا عن الصلاة، قال بلال: أنا أحفظكم، فاضطجعوا فناموا)].

    يعني أنه استعد للتنبه للوقت، وأن يوقظهم، ولكن الله قبض روحه كما قبض أرواحهم، يعني: بالنوم؛ لأن النوم هو مثل الموت؛ لأنه موتة صغرى، والله عز وجل قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، فحصل له ما حصل لهم.

    [(وأسند بلال ظهره إلى راحلته)].

    أسند ظهره إلى راحلته، متجهاً إلى جهة الفجر مطلع الشمس، يعني حيث يطلع الفجر ويتبين حتى ينبههم.

    قوله: [(قال: فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت، قال: ما ألقيت علي نومة مثلها قط)].

    نعم؛ لأنهم كانوا قد تعبوا في السير، واستند إلى راحلته ولكنه نام.

    قوله: [(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قبض أرواحكم حين شاء، فردها حين شاء، قم يا بلال فآذن الناس بالصلاة، فقام بلال فأذن فتوضئوا -يعني حين ارتفعت الشمس- ثم قام فصلى بهم)].

    ثم قال: (يا بلال قم فآذن الناس)، يعني: أعلمهم بالصلاة، فقام وأذن ثم صلى بهم، وهذا هو محل الشاهد، يعني الجماعة للفائت من الصلاة؛ لأنه لما خرج الوقت تعتبر فائتة، فتعتبر مقضية، فيمكن أن تؤدى جماعة وهي مقضية، كما أنها تؤدى جماعة وهي مؤداة يعني في وقتها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في صلاة النبي بالصحابة بعد طلوع الشمس

    قوله: [أخبرنا هناد بن السري].

    وهو أبو السري، كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا أبو زبيد واسمه عبثر].

    هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حصين].

    وهو ابن عبد الرحمن الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن أبي قتادة].

    هو: عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    أبو قتادة رضي الله تعالى عنه، وهو الحارث بن ربعي، وهو صحابي جليل، من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته أبو قتادة، ومن المعلوم أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، يكفي في فضل الواحد منهم أن يقال: إنه صحابي، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين بعد تعديل رب العالمين وتعديل رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وحديث أبي قتادة عند أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088596164

    عدد مرات الحفظ

    777562981