إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. محاضرات الحج
  6. كتاب مناسك الحج
  7. شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (باب في المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج) إلى (باب كيف يقول إذا اشترط)

شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (باب في المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج) إلى (باب كيف يقول إذا اشترط)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاءت السنة المطهرة بالتيسير ورفع الحرج، فمن حج وخاف مانعاً يمنعه من إتمام حجه فله أن يشترط ويقول: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني..)، فإذا حُبس تحلل ولا شيء عليه.

    شرح حديث: (... حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المهلة بالعمرة تحيض وتخاف فوت الحج.

    أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحج مفرد، وأقبلت عائشة رضي الله عنها مهلة بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حِل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ فقالت: شأني أني قد حضت، وقد حلّ الناس، ولم أحلل، ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلي بالحج، ففعلت ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجتك وعمرتك جميعاً، فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة)].

    يقول النسائي رحمه الله: المهلة بالعمرة تحيض، وتخاف فوت الحج، يعني: ماذا تصنع، المهلة التي أحرمت بعمرة، خافت فوت الحج؟ أي: جاء وقت الحج وهي لم تطهر، ولم تتمكن من أداء عمرتها قبل الحج فهذه تصنع بأن تدخل الحج على العمرة فتصير بذلك قارنة؛ لأن الإحرام بالعمرة حصل من الميقات وهو باقي مستمر، لا يرفض ولا يترك، وإنما يضاف إليه إحرام بنسك آخر، يضم إليه، والإحرام باق على ما هو عليه في العمرة، أضيف إليها حج فصار قراناً بعد أن كان تمتعاً.

    وقد أورد النسائي حديث: جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، في قصة عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، قال جابر رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، يقصد بذلك بعضهم، وليس كلهم؛ لأن فيهم القارن، وفيهم المفرد، وفيهم المتمتع، ولكنه يحكي عما حصل لبعضهم أو لكثيرهم، ومنهم: جابر رضي الله تعالى عنه، حيث أنهم كانوا مهلين بالحج، فقد قال: وكانت عائشة مهلة بعمرة، أي: أنها متمتعة، وقد عرفنا أن النبي عليه الصلاة والسلام خير الناس بين الأنساك الثلاثة: الإفراد، والقران، والتمتع، ولما وصلوا إلى مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا مهلين بالحج، أو بالحج مع العمرة مفردين، أو قارنين، أن يتحولوا إلى عمرة، وأن يكونوا متمتعين، وإذا طافوا يطوفون ويسعون للعمرة، ويقصرون من رءوسهم ويتحللون، قالوا: حل ماذا يا رسول الله؟ أي حل؟ قال: (الحل كله)، معناه: أنهم إذا حلوا من العمرة فقد حلّ لهم كل شيء حرم عليهم بالإحرام، قال: فتطيبنا، ولبسنا الثياب، وأتينا النساء، أي: حل لنا كل شيء كان حراماً علينا بسبب الإحرام بعد هذا التحلل.

    وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها قد عركت، أي: حاضت، وأصابها الحيض، وقد مر أن ذلك كان بسرف يعني: قبل وصولهم إلى مكة، فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وهي تبكي، قال: ما لك؟ فأخبرته عما حصل لها، وعما هي عليه، وأن الحج دخل الآن وهي لم تطهر، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل، وأن تهل بالحج، أي: تدخله على العمرة، وليس معنى ذلك أنها ترفض العمرة، أو تفسخ العمرة إلى حج، فالعمرة لا تفسخ إلى حج، وإنما العمرة يضاف إليها حج، فبدل أن تكون محرمةً بعمرة وحدها، تضيف إليها حجاً فتصير قارنة جامعةً بين الحج والعمرة، ففعلت رضي الله تعالى عنها ما أرشدها به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قوله: [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحجٍ مفرد، وأقبلت عائشة رضي الله عنها مهلةً بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية)].

    فجابر بن عبد الله رضي الله عنه يخبر بأنهم طافوا وسعوا، وأن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بأن يتحللوا، أي: كل من كان قارناً، أو مفرداً، وليس معه هدي، وسألوه عن الحل: أي حل؟ أخبرهم بأنه الحل كله، ولهذا أخبر بأنهم فعلوا هذه الأشياء المحظورة على المحرم، قال: فواقعنا النساء، ولبسنا الثياب، وتطيبنا بالطيب، وكل هذه لا تجوز للمحرم، وهذا هو التمتع؛ لأنهم تمتعوا بين الحج والعمرة بأن أتوا كل ما كانوا ممنوعين منه، ولما جاء اليوم الثامن أحرموا بالحج، أي: الذين كانوا متمتعين، وهم الذين حلوا من إحرامهم دخلوا في الإحرام، وعادوا إليه في يوم التروية اليوم الثامن، أما القارنون، والمفردون الذين معهم الهدي، فهؤلاء باقون على إحرامهم إلى يوم النحر، حيث ترمى الجمرة، ويحلق الرأس، ثم يحصل التحلل الأول الذي يحل معه كل شيء إلا النساء.

    قوله: [(ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ فقالت: شأني أني قد حضت وقد حلّ الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن)].

    فأخبرت عائشة رضي الله عنها أنه حصل لها ما حصل من الحيض، وأنها لم تطف كما طاف الناس وتسعى كما سعى الناس وتتحلل من عمرتها كما فعل الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم)، يعني: الحيض، وهذا شيء لا تملكه النساء، ولا يرجع إلى إرادتها ومشيئتها، وعليها أن تغتسل وأن تحرم بالحج فتدخلها على العمرة، وهذه الكتابة التي هي: (كتبه الله على بنات آدم)، هذه كتابة كونية قدرية، أي: أن الله تعالى قدر وقضى أن النساء تحيض، والكتابة تأتي لمعنى كوني، ولمعنى شرعي، المعنى الكوني هو: مثل هذا الحديث: (شيء كتبه الله على بنات آدم) أنهن يحضن، وأما الكتابة الشرعية فهي التكليف والفرض، (كتب عليكم الصيام)، أي: فرض مكلفين بالصيام مطالب العبد بأنه يفعل، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، هذه كتابة شرعية، فالكتابة الشرعية تكليف، والناس مطالبون بأن يأتوا ما كلفوا به، وأما الكتابة الكونية: فهي تقدير وقضاء يقع ما قدره الله وقضاه، والعبد لا اختيار له في ذلك، أي: تلك الكتابة القدرية؛ لأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالحيض لا اختيار للمرأة فيه، فهو خارج عن إرادتها ومشيئتها وهو شيء مقدر عليها، وهناك كلمات عديدة تأتي لمعنى كوني، ولمعنى شرعي، منها: الكتابة، ومنها: الأمر، ومنها: التحريم، ومنها: الإذن، ومنها: الكلمات، ومنها: القضاء، وقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه (شفاء العليل) فيما يتعلق بمسائل القدر، وأورد باباً يخص هذا الموضوع، فذكر تلك الكلمات التي تأتي لمعنى كوني، ولمعنى شرعي، وهذه منها التي هي الكتابة، كتابة قدرية مثل ما جاء في هذا الحديث، ومثل قول الله عز وجل: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، أي: ما قدره الله علينا وقضاه، فإنه يقع لنا ويصيبنا، والشيء الذي ما قدره الله علينا ولم يقضه، فإنه لا يوجد ولا يكون، وعقيدة المسلمين مبنية في القضاء والقدر على كلمتين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء شاءه الله وقدره لا بد من وجوده، ولا يمكن أن يتخلف، وكل شيء لم يشأه الله ولم يقدره، فإنه لا يمكن أن يوجد، وقد جاء ذلك مبيناً في حديث في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، (هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم)، يعني: قدره وقضاه، ولا اختيار لهن في ذلك، ولا اختيار لهن في كون الحيض يأتي أو لا يأتي، هذا شيء خارج عن إرادتهن وعن مشيئتهن.

    توجيه النبي لعائشة في أداء مناسك الحج وهي حائض

    قوله: [(فقال: إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلي بالحج)].

    قوله: [(فاغتسلي)]، أي: للإحرام، وهذا يدل على أن الاغتسال للإحرام مستحب وسنة من سنن الإحرام، فالإنسان يغتسل قبل أن يدخل في الإحرام، وقد سبق أن مر بنا باب يتعلق بهذا الموضوع وهو اغتسال المحرم، ومر فيه حديث أسماء بنت عميس، التي ولدت ابنها محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة، وسألت الرسول صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل، وأن تهل، فهذا يدل على الغسل عند الإحرام، وحديث عائشة هذا أيضاً يدل على الغسل عند الإحرام، وعائشة محرمة، ومستمرة في إحرامها.

    قوله: [(ففعلت ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة)].

    ففعلت عائشة رضي الله عنها، فوقفت في عرفة، ومزدلفة، وجاءت إلى منى، ثم نزلت وطافت الطواف للحج والعمرة الذي هو طواف الإفاضة، وسعت السعي الذي بعده للحج والعمرة، فهي قارنة، وحصل لها في هذا الطواف والسعي، الطواف: للعمرة والحج، والسعي: للعمرة والحج، وهذا شأن القارن عليه طواف واحد، وسعي واحد، لحجه وعمرته، مثل المفرد عليه طواف واحد، وسعي واحد لحجه؛ لأن النسكين مقرونان غير منفك واحد منهما عن الآخر، فالعمل في الطواف للاثنين، وكذلك السعي للاثنين، أي: الحج والعمرة.

    قوله: [ثم قال: (قد حللت من حجتك وعمرتك جميعاً)].

    وهذا يوضح أنها كانت قارنة، وأنها ليست رافضةً عمرتها، وأتت بدلها بحج، بل العمرة على ما هي عليه، وأضيف إليها الحج، ولهذا قال: (قد حللت من عمرتك وحجك جميعاً)، معناه: أنك كنت قارنة، وأنك بفعلك هذا حيث طفت وسعيت، وقبل ذلك رميتي الجمرة وقصرت، (قد حللت من عمرتك وحجك جميعاً).

    قوله: [(فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة)].

    ولما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (قد حللت من عمرتك وحجك جميعاً)، وكانت هي قد دخلت بعمرة، وأرادت أن تطوف وتسعى لعمرتها، ثم تدخل في الحج، وتطوف وتسعى للحج، فيكون عندها طوافان وسعيان، وهي ما حصل لها إلا طواف وسعي واحد، وكانت أمهات المؤمنين اللاتي أحرمن بما أحرمت به، طفن وسعين للعمرة عند دخول مكة، ثم طفن وسعين للحج بعدما جاء الناس من عرفة ومزدلفة، فقالت: إنني أجد في نفسي أنني ما طفت بالبيت إلا بعد الحج، يعني: ما طافت ولا سعت إلا بعد الحج، أي: طوافاً واحداً، وسعياً واحداً، وهي كانت تريد أن يحصل لها طوافان وسعيان كما حصل لأمهات المؤمنين، فقال لأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر: (اذهب بها إلى التنعيم لتعتمر، وذلك ليلة الحصبة)، أي: عندما نزلوا من منى ونزلوا في المحصب الأبطح في تلك الليلة التي بعد النزول من منى، وقد جلسوا في تلك الليلة وباتوا هناك، فأمر أخاها بأن يذهب بها، ثم يأتون إليه ليسافروا، فلما ذهب أخوها عبد الرحمن بها واعتمرت، جاءوا إليهم في المحصب، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى البيت، وطافوا طواف الوداع، ثم انصرفوا إلى المدينة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    فقوله: [(ليلة الحصبة)]، يعني: ليلة المبيت في المحصب الذي هو الأبطح، الذي كان نازلاً به قبل أن يذهب إلى منى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس فيها أربعة أيام؛ لأنه جاء في يوم رابع وجلسوا فيه ليوم ثامن، ولما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس في منى ثلاثة أيام؛ لأنه ما تعجل بل تأخر، ولما رمى الجمرة في اليوم الثالث عشر نزل وبات ليلة الرابع عشر، ففي تلك الليلة التي هي ليلة الحصبة، أي: المبيت في المحصب أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر ليعمرها من التنعيم فذهب، والذي حصل لـعائشة عمرتان، ليس عمرة واحدة، عمرة مقرونةً مع حجها، وهي التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حللت من عمرتك وحجك جميعاً)؛ لأنها قارنة، والعمرة الثانية التي حصلت من التنعيم، فهذا فيه دليل على جواز تكرر العمرة؛ لأن عائشة اعتمرت مرتين.

    لكن لا ينبغي أن يتساهل الناس في شأن العمرة، وأن يكسلوا عن المجيء إلى مكة للإتيان بالعمر، فيكون الواحد إذا ذهب إلى مكة واعتمر، تردد بين الكعبة والتنعيم عدة مرات، فقال: إنه اعتمر كذا وكذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أرشد الناس إلى أن يعتمروا هذه العمرة، وهو نفسه لم يذهب، ولم يأمر أصحابه بأن يذهبوا، بل أخوها عبد الرحمن الذي ذهب معها ما اعتمر، وإنما ذهب مرافقاً لها محرماً لها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فبعض الناس تساهل في شأن العمر، فصاروا لا يذهب الواحد إلى مكة ويكرر الذهاب إلى مكة من أجل العمرة، وإذا ذهب إلى مكة تردد بين الكعبة والتنعيم، وقد يأتي في اليوم بخمس عمر أو عشر عمر أو أقل أو أكثر، وهذا شيء لم يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما من حصل له مثل ما حصل لـعائشة، فإن ذلك قد أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو شخص جاء وقد أحرم بحج ولم يسبق أن أحرم بعمرة ولم يسبق له أن اعتمر، فهذا له أن يأتي بعمرة بعد الحج؛ لأن العمرة لازمة في العمر مرة واحدة، وإذا وصل إلى مكة فقد لا يتيسر له أن يأتي إلى مكة مرةً أخرى، ولم يحصل منه الإتيان بالعمرة قبل الحج، فيأتي بها بعد الحج.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا الليث].

    وهو الليث بن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي الزبير].

    وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن جابر].

    وهو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (.. انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم قال: حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كان معه هديٌ فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً، فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة، ففعلت، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك، فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)].

    أورد النسائي حديث: عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالعمرة، تقصد بذلك بعض الصحابة الذين منهم أمهات المؤمنين اللاتي دخلن بالعمرة متمتعات، ومن المعلوم كما عرفنا آنفاً، أن الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من أهل بعمرة، ومنهم أهل بحج، ومنهم من أهل بقران، جمع بين الحج والعمرة، فقول عائشة هذا مثل قول جابر المتقدم، قال: أهللنا بحج مفرد، يقصد هو ومن كان مثله، وليس كل الحجاج، وهنا قول عائشة كذلك: أهللنا بعمرة، أي: هي ومن كان مثلها وغيرها ممن كانوا متمتعين؛ لأن الحجاج كانوا ثلاثة أقسام: قسم متمتع، وقسم قارن، وقسم مفرد، وقولها: أهللنا ليس لجميع الحجاج، وقول جابر الذي تقدم: مهلين بحج مفرد، ليس لجميع الحجاج وإنما حكاية عمن كان مهلاً مثلها، فـجابر يحكي عن نفسه ومن كان مثله، وعائشة تحكي عن نفسها ومن كان مثلها، وليس ذلك حكايةً عن الحجاج جميعاً؛ لأنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، وفيهم من كان قارن، وفيهم من هو مفرد، وفيهم من هو متمتع.

    قوله: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة).

    الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الذين معهم هدي أن يكونوا قارنين جامعين بين الحج والعمرة، لا يكونوا متمتعين ومعهم الهدي؛ لأن الهدي لا بد وأن يستمر إلى أن يبلغ الهدي محله وهو يوم العيد، فأمر من كان معه هدي أن يكون إهلاله بحج وعمرة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان قارناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    قوله: (ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً).

    لأنهما مقرونان مع بعض، وذلك يوم العيد، حيث ترمى الجمرة ويحلق الرأس، ثم بعد ذلك يحصل التحلل من العمرة والحج جميعاً التحلل الأول، والتحلل الأخير بعد طواف الإفاضة.

    قوله: (فقدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة، ففعلت).

    الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تنقض رأسها وأن تمتشط وأن تدع العمرة، أي: تدع أعمالها، وليس معنى ذلك أنها ترفضها وتتركها وتتخلى عنها وتبدلها بحج، لا، وإنما المقصود أنها تترك أعمالها؛ لأنه لا يمكنها أن تأتي بأعمالها التي هي: الطواف والسعي؛ لأنها حائض، ولا سبيل إلى الإتيان بها، وأما أمره بأن تنقض رأسها وتمتشط، فقيل: إن هذا شيء يكون خفيفاً لئلا يسقط معه شعر، أو أن المقصود منه أنها تخلل رأسها بأصابعها حتى لا يسقط شعر؛ لأنها لا تزال على الإحرام؛ وهي محرمة، أكثر ما في الأمر أنها ستضيف حجاً إلى عمرة، وليس معنى ذلك أنها قد انتهت من العمرة ورفضت العمرة وتحللت من العمرة، لا، بل هي باقية على العمرة، فأمرها أن تمتشط، وأن تغتسل، وأن تنقض شعرها، ثم تحرم بالحج وتضيفه إليها.

    وأما قوله: [(دعي العمرة)]، أي: تدع أعمالها، وليس معنى ذلك تدع الإحرام بها وتلغيه، الله تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فمن دخل في نسك فعليه أن يتمه، وهي دخلت العمرة فعليها أن تتمها، ولكنها لم تتمكن، فأمرت بأن تدع أعمال العمرة؛ لأنه لا سبيل إليها، وأن تدخل الحج عليها وتصير بذلك قارنة.

    قوله: [(فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك)].

    أي: هذه مكان العمرة التي كانت أرادتها، وإلا فإن العمرة قد حصلت ووجدت كما عرفنا ذلك في الحديث المتقدم، وإنما المقصود العمرة التي كانت أرادتها والتي حصلت لأمهات المؤمنين، وهي لم تحصل لها بسبب الحيض، فهذه مكانها، يعني على اعتبار أنها تطوف لها وتسعى لها، فهذه مكان تلك التي أرادتها، وليس معنى ذلك أنها غير معتمرة قبلها، وأنها ليس مع حجها عمرة، بل مع حجها عمرة، ولهذا مر في الحديث السابق: (قد حللت من عمرتك وحجك جميعاً).

    قوله: [(فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم)].

    فأخبرت عائشة رضي الله عنها أن الذين أهلوا بعمرة، وأحلوا منها، لما دخلوا مكة، وطافوا، وسعوا، وقصروا، ثم أحرموا يوم الثامن، فهؤلاء طافوا طوافاً وسعياً لحجهم؛ فالعمرة مستقلة بإحرامها وطوافها وسعيها وتحللها، والحج مستقل بإحرامه وطوافه وسعيه وتحلله، فهؤلاء طافوا بالبيت، وبالصفا والمروة.

    قوله: [(فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا)].

    (ثم حلوا)، أي: طافوا وسعوا للعمرة، يعني: لما وصلوا إلى مكة، وحلوا، وتحللوا.

    قوله: [(ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منىً لحجهم)].

    (ثم طافوا)، أي: هؤلاء الذين كانوا متمتعين بعد الحج طوافاً، أي: بين الصفا والمروة، طافوا طوافاً بين الصفا والمروة لحجهم، وأما طواف الإفاضة فهو ركن في حق الجميع، الكل لا بد وأن يطوف، أما الذين كانوا قارنين ومفردين وسعوا بعد طواف القدوم، فهؤلاء ما عندهم إلا طواف الإفاضة، وقد سبق توضيح ذلك في حديث: ابن عمر الذي مر من قبل، وأنهم اكتفوا بطوافهم الأول عند قدومهم مكة، أي: الطواف الذي هو السعي، وأما طواف الإفاضة فلا يسقط عن أحد، فكل الحجاج يطوفون بالبيت بعد المجيء من عرفة، والله تعالى يقول: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وإنما الفرق في السعي، فالذين كانوا متمتعين عليهم سعي آخر بعد الحج بعد طواف الإفاضة لحجهم، وأما الذين كانوا قارنين ومفردين وسعوا بعد طواف القدوم، فقد كفاهم ذلك السعي، ولا يسعون بعد طواف الإفاضة؛ لأن القارن والمفرد عليه سعي واحد له محلان: محل بعد طواف القدوم، ومحل بعد طواف الإفاضة، إن فعله في المحل الأول لا يفعله في المحل الثاني، وإن لم يفعله في المحل الأول أو لم يأت إلى مكة إلا متأخراً، ولم يطف طواف القدوم، بل جاء إلى عرفة رأساً، فإنه يطوف طواف الإفاضة، ويسعى بين الصفا والمروة، وذلك للحج والعمرة.

    إذاً: فقد عرفنا أن قول عائشة رضي الله عنها: طافوا طوافاً آخر لحجهم، أي: سعوا بين الصفا والمروة، هذا خاص بالمعتمرين المتمتعين؛ لأن عليهم طوافين وسعيين: طوافاً وسعياً للعمرة أول الأمر، وطوافاً وسعياً للحج في آخر الأمر، وبعدما يطوفون طواف الإفاضة، يسعون للحج، وأما القارنون، والمفردون، فهؤلاء ليس عليهم إلا سعي واحد، وأبقى الطواف لحجهم، أي: سعوا لحجهم، وليس طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق جميع الحجاج، كل الحجاج يطوفون طواف الإفاضة، ولا يسقط طواف الإفاضة عن أي حاج، ولكن السعي هو الذي إذا أتى به القارن، والمفرد بعد طواف القدوم، كفاه وأغناه عن أن يأتي به بعد الحج.

    قوله: [(وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً)].

    أي: سعوا سعياً واحداً عند دخول مكة، بعد طواف القدوم، ولم يسعوا بعد طواف الإفاضة، والمراد به: السعي، وليس المقصود به طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق جميع الحجاج، وإنما الفرق في السعي فقط.

    تراجم رجال إسناد حديث: (.. انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج ...)

    قوله: [أخبرني محمد بن سلمة].

    وهو: محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له].

    هو: الحارث بن مسكين أيضاً المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    [عن ابن القاسم].

    وهو: عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

    [حدثني مالك].

    وهو: مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن شهاب].

    وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عروة بن الزبير].

    وهو: عروة بن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    وهي: أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية التي وعت الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088549703

    عدد مرات الحفظ

    777271256