إسلام ويب

مفاتيح طلب علم الفقهللشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يخفى على طالب العلم أهمية الفقه وفضله وتعليق الخيرية على تعلمه ونيله، ولقد مر الفقه بمراحل عديدة حتى وصل إلى ما وصل إليه، فمن أراد أن يكون فقيهاً فعليه أن يتدرج في هذا العلم العظيم، وأن يعرف مبادئه وأن يسير على ما سار عليه الفقهاء الأوائل.
    المقدم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن علم الفقه من أعظم العلوم التي يحتاجها المسلم في عباداته وفي معاملاته، بل وفي جميع شئون حياته، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله تعالى بقوله: دليل فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة علم الفقه علم أنه أفضل العلوم.

    وإذا استمعنا إلى أسئلة الناس واستفتاءاتهم للعلماء في المساجد وفي البيوت، وعبر وسائل الإعلام نجد أن أكثر اسئلتهم واستفساراتهم إنما تتعلق بمسائل علم الفقه؛ مما يدل على عظم حاجة طالب العلم إلى التفقه وضبط علم الفقه، ومحاضرة هذه الليلة بإذن الله -مفاتيح طلب الفقه- تأتي خاتمة المطاف في هذه السلسلة المباركة مفاتيح طلب العلم، وضيفنا في هذه الليلة شيخ من شيوخ الفقه، الذين فتح الله عليهم في هذا العلم فولجه من أوسع أبوابه، وحقق في مسائله ودقق، فسبق علمه وفقهه عمره.

    واحة الفقه تغنت وزهت فخراً وتيهاً

    شيخنا السلمي أمسى ضيفنا الليلة فيها

    علماً تنشر علماً كنت والله فقيهاً

    باسمكم جميعاً أيها الإخوة! نرحب بفضيلة شيخنا الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الإمام، والله نسأل أن يكتب خطواته، وأن يبارك في علمه وعمله إنه سميع مجيب.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وارزقنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم واجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك راهبين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    وبعد: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

    ونعوذ بالله أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو نظلم أو نظلم.

    أحبتي الكرام! إن علم الفقه من أجل العلوم وأنفعها، ولقد كان سلف هذه الأمة ممن برع في الفقه والحديث كانوا يقولون: فهم الحديث أحب إلينا من حفظه، كما قال أحمد بن حنبل رحمة الله تعالى عليه، وقال سفيان الثوري رضي الله عنه ورحمه: تفسير الحديث أحب إلينا من سماعه، ولهذا كان أئمة الشأن من أهل الحديث كالإمام البخاري و أحمد و الشافعي و مالك و الرازي و أبي حاتم وغيرهم من سلف هذه الأمة يجمعون بين الفقه والحديث، فلذا نبلوا في هذا الشأن.

    والفقه أعظم العلم على الإطلاق، ونعني بالفقه ليس هو الفقه الذي يحدد بقولهم: هو معرفة الأحكام الفقهية بأدلتها التفصيلية فقط، بل الفقه هو الشريعة كلها، هو الحلال والحرام، ولذا كان أئمة الإسلام في السابق يسمون علم العقيدة بالفقه الأكبر، فالفقه على شموله وعمومه يعم الشريعة كلها، وهي الحلال والحرام، والفقه كما لا يخفى هو الفهم والفطنة، يقال: افقه عني ما أقول لك، أي: افهمه وتفطن له، وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله: الفقه معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه.

    ولقد استعمل القرآن الكريم الفقه بالمعنى العام وهو الفهم، وكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم بينت الفقه بمعنيين: بمعنى الفهم وهو على ما جاء في القرآن، والمعنى الثاني: فهم الشريعة كلها وقد جاء به القرآن والسنة أيضاً قال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، ومعنى الفقه بهذا العموم هو معرفة الشريعة برمتها حلالها وحرامها.

    وعلى هذا قال ابن القيم رحمة الله تعالى عليه في إعلام الموقعين، قال: والفقه أخص من الفهم؛ لأن الفقه فهم مراد المتكلم من كلامه، وهو قدر زائد على مجرد فهم اللفظ في اللغة، ويتفاوت الناس في الفهم بتفاوت مرتبتهم في الفقه والعلم، ثم استعمل في عرف الإسلام في نوع من الفهم العميق، وهو فهم الأحكام الشرعية، سواء كانت علمية أو عملية، ونعني بالعلمية: مسائل العقائد، ونعني بالعملية: بقية المسائل كالصلاة والزكاة والصيام والحج.

    وفضل الفقه عظيم، ولا أعظم من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ).

    قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله في المجلد العشرين: ولازم هذا الحديث أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيراً، قال: فيكون التفقه في الدين فرضاً، وأخذ بذلك رحمه الله على أن المرء يجب عليه بعد الشهادتين أن يعمل أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ولا يستطيع أن يعمل هذه الأركان إلا بالفهم والتفقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )، وكل حديث أو آية بينت فضل العلم وثمرته وأهميته، فإن الفقه في الدين على سبيل العموم يدخل في كل آية أو حديث؛ إذ أن الفقه كما مر معنا ليس هو معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها التفصيلية فقط كما يقوله الأصوليون، ولكن الفقه يشمل الفقه وأصول الفقه، وعلم العقيدة بل الشريعة برمتها.

    وقد روى أبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لئن أجلس مع قوم يذكرون الله من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن العصر إلى غروبها أحب إليّ من كذا وكذا )، والحديث في سنده موسى بن خلف العمي فيه كلام يسير، تكلم فيه الحافظ ابن حبان ، وأثنى عليه البخاري ، واستشهد له في كتابه، وقد حسن الحديث الترمذي .

    وذكر الخطيب البغدادي في كتابه العظيم الفقيه والمتفقه، عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف أنه قال: التفت إليّ أنس فقال بعد ما ذكر هذا الحديث: والله ما هو بالذي تصنع أنت وأصحابك، يعني: ليس هو الذكر والعبادة والتسبيح والتهليل فقط، قال: ولكنهم قوم يتعلمون القرآن والفقه.

    وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28]، قال: مجالس الفقه.

    وقال عطاء الخراساني في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر )، قال عطاء : (حلق الذكر) مجالس الذكر: وهي مجالس الحلال والحرام.

    وقد قال رجل لـأبي مجلز التابعي المشهور، وكانوا يتذاكرون الفقه: يا أبا مجلز لو قرأت علينا سورة من القرآن يعني: كأنه يقول: دعنا من كلام الفقه، لو قرأت علينا سورة من القرآن، فقال رحمه الله: ما أنا بالذي أزعم أن قراءة القرآن أفضل مما نحن فيه.

    وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: تعليم الفقه صلاة، ودراسة الفقه صلاة. وقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله، وروي مرفوعاً ولا يصح: لئن أتعلم مسألة يحتاج إليها الخلق أحب إليّ من سبعين صلاة، أو كلمة نحوها.

    وقال مجاهد رضي الله عنه ورحمه في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269] قال: ليست بالنبوة، ولكنها الفقه والعلم.

    وبهذا تعرف أخي الكريم أن السلف رضي الله عنهم كانوا إذا أرادوا أن يتعلموا العلم تعلموه بنية صالحة، ولذا كتب عبد الله بن عمر العمري رسالة لـمالك حينما رآه مقبلاً على العلم وتعليمه، وأكب على ذلك حتى أصبح جل وقته، ولم يكن كغيره من أقرانه من أهل العلم الذين بالغوا في العبادة والتضرع والابتهال والانكسار والانطراح بين يدي الله سبحانه وتعالى، فكتب مالك رحمه الله رسالة إليه، وضمن هذه الرسالة قوله: وأنا في الذي كتب الله لي ما أنا بأقل مما كتب الله وفتح عليك، وأرانا يا أخي! كلانا على خير.

    وقول مالك رحمه الله إنما هو من باب التلطف، وإلا فإن أهل العلم أجمع ذهبوا إلى أن الفقه في الدين أعظم من العبادة؛ لأن العبادة مقتصرة، والتفقه في الدين لمن صلحت نيته عبادة متعدية.

    وقيل لـأحمد بن حنبل : أي العبادة أفضل؟ قال: تعلم العلم لمن صلحت نيته، قيل: يا أبا عبد الله ! وما صلاح النية؟ قال: أن يرفع الجهل عن نفسه، وأن يرفع الجهل عن إخوانه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088549587

    عدد مرات الحفظ

    777270707