إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الطهارة [14] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الأحاديث تبين جواز المسح على الخفين؛ لكن يشترط في الخف أن يكون مباحاً طاهراً ساتراً لمحل الفرض ثابتاً بنفسه، ويلحق بالخف الجورب والجرموق، ويصح المسح على عمامة الرجل، وخمار المرأة، ويختص هذا المسح بالحدث الأصغر دون الأكبر.
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل! اللهم آمين.

    وصلنا إلى شروط الخف الذي يجوز المسح عليه, فذكر المؤلف أول شرط بأن يكون طاهراً مباحاً ثم شرع في أن يكون ساتراً للمفروض.

    اشتراط كون الخف ساتراً لمحل الفرض

    قال المؤلف رحمه الله: [ساتر للمفروض ولو بشده أو شرجه كالزربول الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض لقصره أو سعته أو صفائه أو خرق فيه وإن صغر, حتى موضع الخرز، فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه].

    المؤلف رحمه الله يقول: من شروط الخف الذي يجوز المسح عليه أن يكون ساتراً للمفروض, وهذا الستر سواء كان بشدة أو شرجة, والشرجة: هي العرى, أو إن شئت فقل هي: الخروق والعيون التي يمكن وضع الحبل عليه, مثل: الكنادر التي نعرفها، وبعضها تكون على شكل عرى, يعني: بلاستيكية خارجة أو حديد يمكن وضع الحبل عليه.

    وقوله: (ولو بشدة), هنا فرق بين (ولو بشده), وبين (بشدة) يقولون: إذا قلنا: (بشده) يكون الشد خارجاً عن أصل الخف, وإذا قلنا: (ولو بشدة), يعني: ولو شديتها إليك بحيث يثبت, لا يكون مثل الخف الذي يدخل رجلك وهو قائم, تعرفون هذا الطويل, أحياناً لا بد من شده بحيث يمسك الرجل؛ لكن هو قائم بنفسه, هذا الفرق بينهما، وعلى هذا قال: (أن يكون ساتراً للمفروض ولو بشدة أو شرجة كالزربول)، الذي يكون له عرى وخروق وعيون، يوضع فيها الأزرار, يقول: (الزربول الذي له ساق, وعرى يدخل بعضها في بعض).

    الآن المؤلف شرع في سبب ذلك.

    قال: (فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض) طيب ما أنواع ما لا يمسحه؟ قال: الأنواع كثيرة منها, (إما أن يكون لقصره), تعرفون الآن الكنادر العادية لو لبسها الإنسان بلا جوربين فهذا لأجل قصره, لا يجوز أن يمسح؛ لأنه لم يكن قد غطى جميع محل الفرض, ومحل الفرض هو الرجل مع الكعبين.

    قال: (أو سعته), فلو لبس صبي خف رجل كبير بحيث يستطيع القائم الذي بجانبه أن يرى موضع الفرض, فهنا لا يجوز له لسعته؛ لأنه يمكن أن يرى محل الفرض ولو كان قد لبس الخف, هذا النوع الثاني.

    (صفاته) فلو لبس خفاً من زجاج أو من بلاستيك أو جوارب خفيفة ليست صفيقة, بحيث يرى فيها محل الفرض.

    أو كان فيها خرق يرى فيه محل الفرض، سواء كان الخرق من أعلى أو من أسفل, ولو صغر الخرق حتى موضع الخرز, يعني: لو صغيرة, فإن المؤلف يقول: لا يجوز المسح عليه, وهذا أيضاً هو مذهب الشافعية.

    المؤلف هنا لم يعلل سبب هذا الشرط, دليلهم قالوا: إن ما ظهرت فيه القدم أو محل الفرض فحقه الغسل, ما ظهر فيه محل الفرض وهو القدم ففرضه الغسل, وما بطن ففرضه المسح, فما بطن وغاب ففرضه المسح, والقاعدة أنه: لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل في عضو واحد, هذا دليلهم.

    القول الثاني في المسألة هو مذهب أبي حنيفة ومالك واختيار ابن تيمية رحمه الله؛ وهو أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير, مع أن هؤلاء يختلفون ما هو اليسير, وأحسنها قول سفيان الثوري واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله؛ وهو أن كل ما يسمى خفاً يلبسه الناس ويمشون فيه، فلهم أن يمسحوا عليه, قل الخرق أم كبر ما دام أنه يسمى خفاً, وهذا القول هو الراجح والله أعلم, فلو بان العقب فيرى ابن تيمية رحمه الله أنه إذا أمكن المشي عليه, وإذا رآه الناس سموه خفاً فإنه يجوز المسح عليه, وإذا لم يسم خفاً لكثرة القطع فيه, أو الخروق فإنه لا يجوز المسح عليه, ما الدليل على هذا؟

    أولاً قالوا: إن السنة وردت بالمسح على الخفين, من غير تقييد ما يجوز وما لا يجوز, والأصل حمل اللفظ على عمومه, وهو أن كل ما سمي خفاً جاز المسح عليه.

    الدليل الثاني قالوا: إن العادة أن الخفاف في عهد الصحابة رضي الله عنهم مع شدة حاجتهم وفقرهم لا تخلو من خروق وثقوب, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد منهم توقيه عن المسح, فلما أطلق الأمر بالمسح مع عدم التقييد دل على جواز المسح؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة, وهو دليل قوي، ثم أيضاً قالوا: إنه لو لم يجز المسح على الخف المخرق -لا سيما مع حاجة الصحابة إلى ذلك- لانتفت الرخصة التي من أجلها جاز المسح على الخفين, أليس المسح على الخفين عند الحنابلة رخصة؟ قالوا: فإذا كانت رخصة ومنعنا المسح على الخف المخرق لما كانت رخصة, وهذا القول أظهر والله تبارك وتعالى أعلم, الحنابلة يقولون في مسألة الخرق: إن الخرق إذا انضم بحيث لم يبد منه شيء جاز, مثل: بعض الخروق التي تكون على الخف، بحيث لو أكثر الإنسان المشي عليه وبسبب تمدده لتغطت هذه الخروق إذا كانت صغيرة, فيقول الحنابلة: فإذا انضم بعضها إلى بعض بحيث لا يرى منه جاز, وهذا بناء على قول الحنابلة، وإلا فالراجح أن كل ما سمي خفاً وأمكن المشي عليه جاز المسح عليه, وعلى هذا فالجوارب الخفيفة يجوز المسح عليها, خلافاً للحنابلة؛ لأنها تسمى جورباً, وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الجوربين على الخلاف, وقد صح عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مسحوا على الخفين, كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله.

    اشتراط ثبات الخف بنفسه لجواز المسح عليه

    قال المؤلف رحمه الله: [ يثبت بنفسه, فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه, وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما ما دامت مدته، ولا يجوز المسح على ما يسقط من خف بيان لطاهر, أي: يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً ].

    شرع المؤلف في الشرط الرابع قال: ومع أن يكون ساتراً للمفروض لا بد أن يثبت بنفسه, فإن لم يثبت إلا بشده, يعني: أنه لا يسترسل ويسقط عند المشي, فلا بد أن يكون الخف ماسكاً على الرجل, يقول المؤلف: (فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه), يقول ابن تيمية: هذا القيد لا أصل له في كلام أحمد , هذا التقييد الذي ذكره الحنابلة هو مذهب الشافعي ، لكن لا أصل له في مذهب أحمد أو في منصوص أحمد , بل المنصوص عنه يقول ابن تيمية : أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما, الحنابلة جوزوا هذه الصورة؛ لأنهم وجدوا نص أحمد فيها واضحاً, ولهذا قال: (وإن ثبت), يعني: الخف, (بنعلين مسح إلى خلعهما) لكن ما الفرق بين أن يثبت بنعلين وبين أن يثبت بشد؟ ما هناك فرق, ليس ثمة فرق كبير, وإن حاول بعض الحنابلة أن يوجد الفرق, لكننا نرى أن هذه الفروق التي ذكروها لا تؤثر في الحكم, وإن أثرت قياساً نظرياً, لكنها لا تؤثر قياساً شرعياً, وعلى هذا فالراجح -والله أعلم- أنه يجوز أن يمسح على الخف ولو كان بشده بأزارير أو بحبال أو بشيء خارج عنه ما دام أنه يمكن أن يسمى خفاً ويمكن السير عليه.

    يقول المؤلف: (يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً) أي: لا يجوز المسح على ما يسقط من خف يعني: أنه إذا كان الخف الذي تمشي عليه يسقط -كما مر معنا- لأنه كبير أو واسع فإنه لا يجوز المسح عليه.

    قال المؤلف رحمه الله: [ قال الإمام أحمد : ليس في قلبي من المسح شيء؛ فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

    كان الأجدر بالمؤلف أن يذكر نقل أحمد رحمه الله في أول الباب, فوضعه هنا ليس وجيهاً؛ لأنه ذكره هنا مع بيان بعض الشروط, ولهذا قال: (وجورب صفيق) تفريق للساتر, فكان الأولى أن يذكر كلام أحمد في أول الباب, مع العلم أن قوله: ساتراً، قائماً بنفسه, لم أجده في شرح كشاف القناع الذي هو الإقناع, فهذا يدل على أن المؤلف رحمه الله زاد شروطاً لم يكن عليها أكثر الحنابلة وإن كان هو قول بعض الأصحاب؛ لكن ابن تيمية رحمه الله رجح أن أصح الروايتين عن الأصحاب أنه إذا كان يثبت بشده جاز المسح عليه, قال: ومع ذلك فإنه لا أصل له من كلام أحمد .

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521531

    عدد مرات الحفظ

    777102022