إسلام ويب

المدخل لدراسة الفقه [2]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر الصحابة هم المنظمون لعلم الاجتهاد، وذلك من خلال أقوالهم التي بنى عليها فقهاء المذاهب مدارسهم، وفقه الصحابة كان مرتكزاً على القرآن والسنة، ولهذا كان على طالب العلم أن يقبل على حفظ القرآن وشطراً جيداً من السنة، وضبط علم المقاصد إضافة إلى ضبط المدارك العلمية، وتراتيب مسائل الفقه؛ لأنها ليست على درجة واحدة، فمنها المجمع عليه، ومنها ما يكون الخلاف فيها قوياً، ولهذا ينبغي جمع أقوال العلماء والأئمة في المسألة حتى يترجح القول التابع للدليل.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    إن مما يجب على طالب العلم الاهتمام بدراسة مدخل كل فن؛ لكي يحصل به الضبط لمقدمات العلوم، فإنه سبق الإشارة إلى أن ثمة مدخلاً عاماً في علوم الشريعة، يمكن أن يصطلح عليه بهذا الاسم بأنه مدخل عام لا يختص بعلم واحد، أو بفن من الفنون التي سميت باسم خاص كالحديث والفقه والتفسير ونحو ذلك.

    وأشير بالمدخل العام: إلى العناية بنشأة العلوم في الجملة، والعناية بكليات علوم الشريعة من جهة أصولها، وأخص هذه الكليات من حيث الأصول هو: العناية بالنصوص، لأن هذه الشريعة والعلم الذي تحصل من جهتها إما قطعي من جهة النصوص، وإما بتحصيل الأئمة، أئمة الاجتهاد وأئمة الفقه، وأخصهم في هذا أئمة الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    تأسيس الصحابة للاجتهاد والفقه

    إن الصحابة هم المؤسسون للفقه والاجتهاد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الاجتهاد عرض للصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو معروف في بعض الأحوال التي لم تكن بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو ما إلى ذلك، كذهابهم إلى بني قريظة فإنهم اختلفوا في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم لهم، إلى غير ذلك من الأمثلة المشهورة.

    ولكن هنا فإن الصحابة هم المقدمة الكلية للاجتهاد، بمعنى: هم المنظمون لعلم الاجتهاد، وذلك من خلال قولهم في المسائل، ولا سيما المسائل التي لم تكن النصوص فيها صريحة، وتجد أنه تحصل من فقه الصحابة كـعبد الله بن عمر و عبد الله بن مسعود و أنس بن مالك و معاذ بن جبل وقبل هؤلاء أئمة الصحابة الكبار كالخلفاء الأربعة, فإنه أثر فقه مشهور عن أبي بكر وعن عمر رضي الله تعالى عنه، وتجدون في أقضية عمر في خلافته، وفي اجتهادات حصلت له ما يدل على أن مقام الاجتهاد من حيث المقدمات والأصول الكلية هو على يد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وبعد ذلك في أقضية عثمان رضي الله تعالى عنه، وأقضية علي بن أبي طالب وغيرهم من أئمة الصحابة.

    وتجدون أن كبار أئمة الفقه والحديث بنوا على فقه الصحابة كما هو مشهور في فقه أبي حنيفة , فإنهم أخذوا من فقه عبد الله بن مسعود ، أعني: الكوفيين ومنهم أبو حنيفة ، فقد أخذوا من فقه ابن مسعود أكثر من كثير من الصحابة، كما أن مالكاً وأئمة المدينة النبوية أخذوا من فقه عبد الله بن عمر ، حتى صار كما يعرف في علم الرواية: أن من أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ، وهذا وإن كان في باب الإسناد والرواية، إلا أنه يدل على أن علم ابن عمر قد اتصل إلى مالك وأمثاله من أئمة المدينة النبوية.

    العناية بنصوص الكتاب والسنة

    إذاً: المدخل العام أخص ما فيه: العناية بالنصوص، والمقصود هنا: نصوص الكتاب والسنة؛ ولهذا أرى أن المقدمة الكلية لعلم الشريعة هي: أن طالب العلم يحفظ القرآن، ويهتدي إلى جملة التفسير، وكذلك يحفظ السنة، وإذا قيل: يحفظ السنة فإن هذا المعنى فيه تفاوت؛ لأن ما يقال في السنة ليس كما يقال في القرآن من جهة أن ما في كتاب الله سبحانه وتعالى مقصور على ما عرف عند المسلمين، واتفق المسلمون عليه وهو الكتاب المنزل على نبيهم، وأما السنة: فإن أئمة الرواية جمعوا في ذلك جملة من الرواية، وجاء في هذا جملة من الكتب المشهورة رتبها الأئمة بحسب درجاتها، وصار أخصها الكتب الستة.

    ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يقصد إلى حفظ السنة, أي: إلى حفظ ما يكون مناسباً لوقته، ومناسباً لما آتاه الله من القدرة والإرادة وسعة الذهن وغير ذلك، فهذا بحسب أحوال الناس هم يتفاضلون فيه، ولكن المهم المقصود فيما أرى: أنه لا ينبغي لطالب علم، ولا سيما من صار له في العلم اسم، من جهة الكتابة أو التدريس أو التعليم، وصار يضاف إلى علم الشريعة، وصار له نوع من الرأي والقول في مسائلها، فلا ينبغي أن يقصر عن حفظ كثير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    لأن العلم هو محصل من هذين: من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يزال المسلمون بخير ما عظموا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام, وأخص من يقوم بذلك: ورثة الأنبياء وحملة العلم، الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه في حديث تعلمون ما فيه من كثير من الكلام، ولكنه من حيث المعنى فإن معناه مناسب لدلائل الشريعة: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ).

    فهذا مما يؤكد به على طلبة العلم كثيراً، سواء حفظوا في الصحيحين أو حفظوا في الكتب الستة، أو حفظوا فيما هو أقصر من ذلك كمختصرات أحاديث الأحكام: كبلوغ المرام أو المحرر أو نحوها.

    الإقبال على السنة حفظاً وقراءة

    ولكن فيما أرى: أن الإقبال على حفظ السنة هذا من أهم المقامات العلمية، ونحن نتحدث عن المدخل العام، فلا يقتصر ذلك على أحاديث الحلال والحرام فحسب، وإن كان لها مقام جليل؛ ولهذا تجدون أن أئمة السنة الكبار، كـالبخاري و أحمد و مسلم و أبي داود و النسائي إلى آخره من أئمة السنة، لما صنفوا في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لم يخصوا أحاديث الأحكام وحدها، وإنما جمعوا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه كما عبر البخاري بهذا التعبير في اسم صحيحه، فحتى ما يتعلق بأيام النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانت له من الأيام المختصة المشهودة بأقوال أو أفعال أو ما إلى ذلك.

    لأن طالب العلم -فيما أرى- إذا ما حفظ جملة أحاديث من الكتب الستة أو ما دونها أو صحيح البخاري ، أو مختصر البخاري أو مختصر صحيح مسلم ، فهذا في المدخل العلمي إذا ما حفظ القرآن وحفظ مثل هذا على حسب استطاعته، فقد صار عنده جملة من الحديث الصحيح المشهور، ولا سيما أن الحافظ يبتدئ في مثل هذه الأحوال بـالبخاري كما هو معروف؛ لأنه أجل كتب الحديث.

    فيصير عنده جملة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في سائر أبواب الشريعة، سواء كان ذلك في مسائل الصلاة والزكاة والصوم والحج، أو في البيوع والعقود والأنكحة وما إلى ذلك، أو كان ذلك في مسائل الأصول والاعتقاد والإيمان والتوحيد.

    وكما هو معروف: أن البخاري كما أنه وضع كتاب الصلاة في صحيحه وضع كتاب الإيمان ووضع كتاب التوحيد، وهذه من حيث الأصول هي الأولى.

    ثم بعد ذلك: ما يتضمنه مثل هذه الكتب من أحاديث في أبواب أخرى، حتى في كتاب المغازي والسير وكتب الرقائق وغيرها من الكتب التي حوتها كتب السنة، سواء سميت بهذا أو تضمنتها الأحاديث وإن لم تسم بها.

    فالمقصود: أنه إذا كان لدى طالب العلم سعة في حال النبي عليه الصلاة والسلام، وفي سنته، وفي أمره في مسائل معينة من الصلاة، أو في أحوال صارت له عليه الصلاة والسلام، أو في بيان بينه في أحاديث الفتن أو أحاديث الأدب، أو السير أو المغازي أو ما إلى ذلك، فإن هذا هو الذي يعطي طالب العلم سعة فهم لهذه الشريعة.

    احتواء القرآن الكريم على أصول العلوم جملة

    من حكمة الله جل وعلا أن الكتاب الذي نزل على نبيه عليه الصلاة والسلام، وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، لم يكن كتاباً مليئاً بكل مفصل للعبادات أو المعاملات، وإنما فيه أصول العلوم، وفيه أخبار كثيرة عن الأنبياء، وما صار لهم مع قومهم.

    ونجد أن قصة نبي من الأنبياء أو رسول من الرسل تذكر في كتاب الله كثيراً، ولربما أن القصة ذكرت في أربعة أو خمسة مواضع من القرآن، كما في قصة موسى أو في غيرها، وفي قصة إبراهيم وأمثالها من القصص التي فصلت في القرآن.

    وهذا لا شك أن فيه قدراً واسعاً من الدلالة العلمية التي تضبط فقه طالب العلم، وتجعل هذا العلم موجباً أكثر من كونه سبباً لتحقيق الديانة والعبودية لله سبحانه وتعالى بهذا العلم، الذي هو المقصود من حيث الأصل، فإن العلم بذاته عبادة يتقرب به إلى الله، وهو العلم الذي يصحح هذا العمل، ويكون على الهدي الذي أراد الله جل وعلا، أو شرعه النبي صلى الله عليه وسلم.

    حال طالب العلم إذا لم يصل إلى مقام حفظ السنة

    وعلى كل حال من لم يصل إلى مقام الحفظ في السنة فلا أقل من أن يكون مردداً ومتأملاً في أحاديث وكتب السنة، ولا سيما الكتب الستة أو على أقل الدرجات: البخاري و مسلم .

    فلا ينبغي لطالب العلم أن يذكر له حديث في البخاري ولا يدري به، أو كأنه لم يمر عليه أبداً وهو قد صار له شأن في العلم، إلا إذا كان هذا من باب النسيان، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما هو معروف، عرض له مقام النسيان في بعض الأحوال، فهذا النسيان أمر ينتاب الناس، ولكن ليس المقصود بهذا: أن يفتش عما في صدور الرجال من العلم ويختبرون بذلك، كلا، فهذا ليس أدباً.

    وإنما المقصود: أن طالب العلم بذاته ينبغي أن يحمل هذا؛ لأنه يقصد في هذا العلم التقرب لله سبحانه وتعالى.

    وعلى كل حال فهذا سبق التأكيد عليه، ولكني أرى أنه ينبغي أن يؤكد في مجالس العلم على العناية بالنص، وعلى العناية بالكتاب، وعلى العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن طالب العلم بعد ذلك إذا ما أخذ في الفقه فإنه يفقه النصوص فقهاً واسعاً، فقهاً شاملاً كما كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس : ( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518764

    عدد مرات الحفظ

    777081616