إسلام ويب

كتاب الطهارة [7]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينتقض الوضوء بجملة نواقض، منها: زوال العقل، ومس الذكر، وأكل لحم الجزور ونحو ذلك، وكما أن الوضوء يجب رفعاً للحدث الأصغر، فكذلك يجب الغسل رفعاً للحدث الأكبر، وأسبابه كثيرة، منها: نزول المني والتقاء الختانين. وقد استحب الشارع الغسل للنظافة في مواطن الاجتماع، كالعيدين والجمعة والكسوف والخسوف ونحوها.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وأصحابه.

    قال المصنف رحمه الله في باب نواقض الوضوء: [ الثالث: زوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً، وعنه: أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره ].

    قال المصنف رحمه الله: (الثالث) أي: من نواقض الوضوء: (زوال العقل إلا النوم اليسير جالساً أو قائماً)، قال: (وعنه أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره).

    الثالث من نواقض الوضوء: زوال العقل، وزوال العقل يقع بغير سبب، فيقع بالجنون، ويقع بالإغماء، ونحو ذلك، فإذا زال عقله بجنون أو إغماء أو سكر وجب عليه الوضوء، فإذا كان مغمى عليه أو مجنوناً أو أتى ما هو محرم عليه بشرب المسكر وجب عليه الوضوء، وهذا مستقر عند عامة أهل العلم، وحكي الإجماع على أن المجنون والمغمى عليه يجب عليه الوضوء؛ لأنه أبلغ من النوم الذي جاء فيه الحديث؛ فحاله أبلغ من حال النائم الذي اقتضت النصوص أنه يتوضأ، كما جاء في حديث معاوية رضي الله تعالى عنه، وحديث صفوان بن عسال ، وهو أقوى حديث في الباب، والذي فيه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إذا كنا سفراً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم )، فدل على أن النوم ناقض للوضوء.

    وقول المصنف: (زوال العقل)، فيه أن الجنون والإغماء وما في معناهما من حيث الحكم يكون ناقضاً للوضوء.

    انتقاض الوضوء بالنوم

    أما النوم فإنه ناقض للوضوء في قول عامة أهل العلم، ونقل عن بعضهم أنه ليس بناقض وهذا قول شاذ. ثم كون النوم ناقضاً للوضوء بمعنى أنه مظنة الحدث، أو أنه حدث بنفسه هذا بحث آخر، ولكن كنتيجة فإنه يكون ناقضاً للوضوء.

    وعامة أهل العلم الذين قالوا: إن النوم ناقض للوضوء، هذا من حيث الجملة، ثم اختلفوا اختلافاً مشهوراً، واختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وقد اختلفت أقوال الفقهاء إلى ما يقارب ثمانية أقوال في توصيفهم النوم الناقض للوضوء، فجمهور الفقهاء بل عامة أهل العلم يستثنون من ذلك إذا كان النوم يسيراً وهو النعاس ونحوه الذي لا يصل إلى اسم النوم المطلق، وإن كان قد يتجوز في تسميته نوماً، بشرط أن يكون صاحبه قاعداً متمكناً بقعوده، فهذا عند عامة أهل العلم أنه لا ينقض الوضوء، فإن الصحابة رضي الله عنهم ظهر ذلك من حالهم، فكانت تخفق رءوسهم وهم ينتظرون صلاة العشاء، ثم يصلون ولا يتوضئون، هكذا ثبت في الصحيح وغيره.

    فهذا القدر من النوم بينت السنة أنه ليس ناقضاً للوضوء، وما بين ذلك هو محل التوصيف عند الفقهاء، فأكثر الفقهاء يعتبرون في الوصف الهيئة، ويفرقون بين الجالس والمتكئ وغير المتكئ والقائم، والراكع ونحو ذلك، فكثر في كلام الفقهاء ذكر الهيئة من حيث الجلوس والقيام، أو هيئة الراكع أو هيئة الساجد والاتكاء من عدمه والتمكن من عدمه، كل ذلك اعتباراً بحال الهيئة، وهذا يقيد به أوجه من كلام الفقهاء، وإن كانوا مختلفين فيما يقيد به النوم من هذه الهيئات.

    والخلاصة: أن النوم من حيث الجملة ناقض للوضوء، سواء قيل: إنه مظنة الحدث، أو قيل: إنه حدث، وإن كان الأول أقرب، لكن عامة أهل العلم على أنه ناقض، ثم أيضاً عامة أهل العلم الذين قالوا ذلك لا يختلفون في الجملة في النعاس الذي يخفق رأس صاحبه وليس بنائم، كما كان حال الصحابة رضي الله عنهم، فمثل هذه الحالة اليسيرة العارضة لم يصرح أحد من متقدمي العلماء بأن هذا النوم يكون ناقضاً، وإن تجوز في تسميته نوماً.

    وأما ما دون ذلك فهو محل تفصيل وخلاف، وظاهر كلام أكثر الفقهاء أنهم يعتبرون في النوم جهتين: ما يتصل بحال الإدراك من عدمه، ويعتبرون فيه الهيئة، فيستدعون الهيئة في تقدير ذلك، ويميزون بين الهيئات في الأحكام، فهذه الطريقة عليها أكثر الفقهاء فيما يظهر من كلام أصحابهم، ولك أن تجعل هذه الطريقة باختلاف أربابها وجهتيها قولاً، وهو اعتبار صفة النوم الناقض للوضوء بالهيئة، ثم يختلفون في هذه الصفة، والقول الذي يقابله -وهو قول محفوظ عن طائفة من السلف وقول في مذهب الإمام أحمد رحمه الله- أن الهيئة ليست مؤثرة، وإنما الاعتبار بالإدراك من عدمه، فحيث كان يعلم أن إدراكه كان حاضراً فإن هذا النوم ليس بناقض، وحيث لم يتحقق له هذا العلم بل صار عنده شك في إدراكه من عدمه، فالأصل أنه تلبس بالنوم فيكون نومه ناقضاً للوضوء، ولا يشترط فيه يقين؛ لأن النوم في نفسه ليس بيقين وأنه ليس حدثاً بذاته، وإنما هو مظنة الحدث على الراجح.

    فالخلاصة أن ثمة طريقتين: طريقة تستدعي الهيئة على اختلاف في تقديرها.

    والطريقة الثانية: لطائفة من الفقهاء لا تستدعي الهيئة، وإنما تعتبر الأمر بالإدراك، وهذا هو الأظهر؛ لأن النوم في النصوص مطلق من جهة، وما كان الصحابة رضي الله عنهم الذين كانت تخفق رءوسهم يعتدون بهيئتهم، وإن كانت الهيئات مظنة التفاوت من جهة الإدراك من عدمه، فهذا متحقق؛ فإن سرعة انفكاك الإدراك لمن كان مضطجعاً ليست كسرعة انفكاك الإدراك لمن كان جالساً، وانقطاع الإدراك لمن كان متكئاً ليس كمن لم يكن متكئاً، فهذا أمر لا يختلف عليه، بل هذا من الأمور المعروفة بالعادة، لكن هل هذا مناط للاعتبار بكون النوم ناقضاً أو ليس مناطاً؟ الأظهر أنه ليس بمناط، وإنما المناط الإدراك، فحيث علم أن إدراكه معه وتيقن ذلك لم يكن هذا من ناقض الوضوء، وحيث لم يعلم وقد تلبس بما هو من صفة النوم، وخفق رأسه أو نحو ذلك فينقض، والصحابة رضي الله عنهم إنما لم ينتقض وضوءهم؛ لأن الإدراك كان حاضراً، وأنت تعلم أن النوم في نفسه ليس حدثاً على الراجح، وإنما هو مظنة الحدث، وهذه المظنة لا توجد إلا حيث زال الإدراك، وأما من كان إدراكه حاضراً، ولو تلبس بأي هيئة كانت فهذا لا يسمى في الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية نائماً، والخلاصة: أن النص مطلق.

    قال: (ولكن من غائط وبول ونوم)، فالنوم معتبر بالإدراك، وأما الهيئة فإنها وإن تفاوتت في العادة وهذا أمر لا يختلف فيه، إلا أن جعلها مناطاً ليس بمسلم، وإنما المعتبر هو وجود الإدراك، وأما أن يقال: إن نوم الراكع يسيره ينقض، ونوم الجالس يسيره لا ينقض فلا؛ لأن العبرة بالإدراك، فحيث كان الإدراك متحققاً فلا نقض بالنوم، ولا يسمى نوماً في الحقيقة، وحيث لم يكن الإدراك متحققاً وإنما حصل له اشتباه في ذلك، فالأصل أنه تلبس بالمظنة التي جعلها الشارع ناقضاً من نواقض الوضوء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087502046

    عدد مرات الحفظ

    772705570