إسلام ويب

كتاب الطهارة [6]للشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من سماحة الشريعة الإسلامية التخفيف على العباد ببعض الرخص، ومن ذلك المسح على الخفين، والعمامة والجبيرة، وقد ذكر العلماء وقت ابتداء المسح على الخفين وانتهائه، ومسح المسافر والمقيم، وشروط المسح وانتقاضه. ونواقض الوضوء المتفق عليها كالخارج من السبيلين، والمختلف فيها كخروج النجاسات من سائر البدن غير السبيلين.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله في باب المسح على الخفين: [ وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس، وعنه من المسح بعده ].

    قوله: (وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس، وعنه: من المسح بعده)، أي: ابتداء مدة المسح على الخفين، فإنه سبق أن ذكر المصنف أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل -كما في حديث علي بن أبي طالب - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم؛ أن المسح مؤقت بهذه المدة في الحضر والسفر.

    أقوال العلماء في وقت ابتداء المسح على الخفين

    وهذه المدة عند الفقهاء مختلف في ابتدائها، فهل يكون ابتداؤها من المسح، أو يكون ابتداؤها من اللبس؟ أو يكون ابتداؤها من الحدث وإن لم يقع المسح، أو أن ثمة وجهاً ثالثاً فيها؟

    للفقهاء رحمهم الله في ذلك أقوال، ولكن أشهرها وأوجهها قولان:

    القول الأول: أن المدة تبتدئ من أول حدث بعد لبس الخفين.

    والقول الثاني: أن المدة تبتدئ من أول مسح بعد الحدث.

    وفي المسألة أقوال أخرى، ولكن المعتبر هذان القولان، إما من أول حدث بعد اللبس، أو من المسح بعد الحدث، والرواية الأولى هي التي عليها أكثر الفقهاء، وهي مذهب أبي حنيفة و الشافعي ، وهي الصحيح من مذهب الإمام أحمد ، وعليها أكثر أصحابه.

    والرواية الثانية عن الإمام أحمد ، وهي قول لطائفة من الفقهاء: أن ذلك من المسح بعد الحدث، وهذه المسألة ليس فيها نص، وإنما هو فقه في حديث علي ونحوه: ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم )، فمنهم من اعتبر أن هذه عبادة مؤقتة من الشارع، فاعتبر أول الوقت الذي يجوز فيه الفعل، ومنهم من اعتبر ذلك بالفعل، وأنت ترى أنك إذا قلت: إنها عبادة مؤقتة، فتعتبر بأول وقتها، وهذه مقدمة عند التحقيق مشتركة بين القولين، فإذا قيل: إنها عبادة مؤقتة، وهي كذلك، والعبادة المؤقتة من الشارع تعتبر بأول وقتها، قيل: هذه مقدمة صحيحة، ولكنها مجملة، ومشتركة بين القولين، فهل الاعتبار بوقتها بالقوة، أو الاعتبار بوقتها بالفعل؟ فإن قلت: إن الاعتبار بوقتها بالقوة أي: ما يكون محلاً للمسح في تطبيق هذه العبادة، فهذا من الحدث؛ لأنه لو توضأ وغسل قدميه، ولبس الخفين، ثم مسح بعد ذلك قبل أن يحدث، فإنما هو تجديد للوضوء، وليس رفعاً للحدث.

    فإذاً: ابتداؤها من الحدث، وإلا فقد قالت طائفة من الفقهاء: من أول مسح ولو كان تجديداً، لكن هذا القول بعيد، إنما المعتبر والمتوجه أحد هذين القولين، إما أن الوقت ابتداؤه بالقوة، أو ابتداؤه بالفعل، فإذا قلت: ابتداؤه بالقوة فمعناه من الحدث، وإذا قلت: ابتداؤه بالفعل، فمعناه من المسح بعد الحدث، وكلا القولين كما ترى مما يحتمل النظر، ولذلك فهذه المسألة من المناسب فيها الأخذ بأحوط القولين، ولا سيما أن هذا في باب الرخص، واعتبار الفقيه وطالب العلم بل حتى العامي بالأحوط، هذا يتجه في مثل هذا النوع من المسائل التي ليس فيها قول معتبر من الاستدلال أقوى من مثل هذا النظر، أو ما هو من مادته، وإلا فمن استدل بذلك قال: إنها عبادة مؤقتة اعتبر أول الوقت. فيقال هذه المقدمة هي عند التحقيق مشتركة بينهما، هل المراد أول الوقت بالفعل، أو المراد أول الوقت بالقوة؟

    وإن كان هذا المصطلح يستعمله أهل المنطق في الأصل، لكن يستعمله بعض الفقهاء حتى المائلين عن المنطق، فـالحافظ ابن رجب رحمه الله مع أنه مائل عن طرق علم الكلام والمنطق والنظر فيها، إلا أنه استعمل مثل هذا التعبير في قواعده الفقهية.

    المقصود أن القوة والفعل أمر متحقق سواء سميته بهذا الاصطلاح أو لم تسمه. وعليه فهذه المسألة مذهب الجمهور فيها وهو الراجح في مذهب أحمد أنه من الحدث، وهذا القول أحوط، وليس في القول الثاني ما يقويه عن هذا، ولا سيما أن الرواية الأولى هي التي عليها الجماهير؛ أما الرواية الثانية فيذكرونها من مفردات المذهب.

    مسح المسافر إذا أقام والمقيم إذا سافر

    قال المصنف رحمه الله: [ ومن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم ]. وهذا لا إشكال فيه، وعليه عامة أهل العلم، بل حكي فيه الاتفاق؛ أنه إذا مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم، وإن كان مثل هذه المسألة لا يتأتى فيها الإجماع على مقصوده الصريح، إنما هو قول عامة أهل العلم؛ وذلك لأنه صار مقيماً فاعتبرت حاله. قال: [ وإن مسح مقيماً، ثم سافر أو شك في ابتدائه أتم مسح مقيم، وعنه يتم مسح مسافر ]. إذا مسح مقيماً ثم سافر، قال المصنف: (أتم مسح مقيم) مع أنه قد يتأتى في أوائل النظر في القياس أنه يتم مسح مسافر؛ لأنهم قالوا في المسألة الأولى: إن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم، فكذلك عكسه. لكن هذا ليس بلازم في القياس، هذا من جهة، ومن جهة ثانية: أن هذه المسألة لا تعتبر بالقياس في أصلها؛ لأنها من باب الرخص والعبادات المحضة. واختلفت الرواية عن الإمام أحمد على روايتين مشهورتين، والتي عليها أكثر الأصحاب هي الأولى، أن من مسح مقيماً ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم. والرواية الثانية: أنه يتم مسح مسافر، وهذه وإن لم تكن هي الاصطلاح في مذهب الإمام أحمد ، وليس عليها الأكثر، لكن نصرها كبار محققي أصحاب أحمد ، ومنهم أبو بكر الخلال فإنه انتصر لهذه الرواية انتصاراً بالغاً. قال: لأن العبرة بما هو عليه، فكما أنه يتم مسح مقيم إذا سافر ثم أقام، فكذلك هنا العبرة بما هو عليه، وذكر أن أحمد نص عليها في آخر أمره، ونقلها عنه كثيرون، وانتصر لها كذلك طائفة من أصحاب أحمد بعد أبي بكر الخلال كـأبي الخطاب ، و أبي بكر عبد العزيز ونحو هؤلاء. وهذه في أول النظر أشبه باعتبار الأخذ بحاله هنا وحاله هنا، أما الرواية الأولى وهي المشهورة من مذهب الإمام أحمد فوجهها أن حاله مترددة بين اعتبار مدة الإقامة أو اعتبار مدة السفر، فإنه تلبس بالمدة وهو مقيم ثم سافر، فصار له حالان، فغلب في حال اجتماع الحالين أضيقهما؛ لأن الأصل هو غسل القدمين، وهذا الذي يشار به إلى أن قياس هذه المسألة على المسألة السابقة لو صح القياس في هذا النوع من المسائل من قياس الشبه؛ فإنها ليست مطابقة حتى يقال: إن القياس يقضي بتصحيح أن يكون مسحه مسح مسافر في هذه الحال، وإن كانت هذه الرواية قوية في مذهب الإمام أحمد ، فهذا مقام آخر، لكن من حيث النظر فهذا له حالان، فغلب أضيقهما، إذا اعتبرت هذا النظر؛ لأن الأصل هو الغسل، فستنتهي بك النتيجة إلى موافقة رأي المذهب، إلى أنه إن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم، وإن مسح مقيماً ثم سافر أتم مسح مقيم، حتى يبين من هذا التقرير أن كلام الأصحاب رحمهم الله، وهذا عليه كثيرون من الفقهاء، بل هو ظاهر مذهب الجمهور من الفقهاء، وهو المذهب عند الحنابلة: أن هذا ليس فيه قدر من التمانع. وبعض الأصحاب استدل له: بأنه اجتمع له مبيح وحاظر، فغلب الحاظر، وهذا ليس بظاهر، والأظهر في الاستدلال لقول الحنابلة: أنه اجتمع له حالان: حال الإقامة وحال السفر، فإذا أريد التغليب، فإما أن يغلب مبتدأ الفعل، وإما أن يغلب حاله التي هو عليها، وإما أن يقال: صار ثمة تعارض بين الحالين، فيغلب أضيقهما؛ لأن ذلك هو الذي يقتضيه استصحاب الأصل من حيث أن الأصل غسل القدمين. أما إذا قلت بتغليب الحال الأولى، فهذا يقع به ما هو شبه مخالفة للإجماع؛ لأنك لو غلبت الحالة الأولى لزمك أنه إن مسح مسافراً ثم أقام أن تجعله يتم مسح مسافر، وهذا خلاف قول عامة أهل العلم، والقول به على أحسن أحواله شاذ، ولما تعذر القول بتغليب الحالة الأولى مع أنها هي المبتدأة في العبادة، تأتى لك أن تقول: لا يصح له أن يغلب الحالة الثانية؛ لأن تغليب الحالة الثانية ليس بأولى من تغليب الحالة الأولى، والحالة الأولى تغليبها فيه تعذر؛ لأنه يوجب مخالفة قول العامة، أو مخالفة الاتفاق على رأي بعضهم، وعلى أحسن الأحوال الوقوع في القول الشاذ. فلما علم أنه لا يتأتى تغليب الحالة الأولى بان أنه لا يتأتى كذلك تغليب الحالة الثانية؛ لأن تغليب الثانية ليس بأولى من تغليب الحال التي ابتدئ بها، وإنما يقال: صار تمانع بين الحالين، فغلب الأضيق لما فيه من الاحتياط للعبادة من جهة، والاحتياط في مثل هذا النوع فيما يظهر لي له محل في الشريعة، ولما فيه من الاعتبار باستصحاب الأصل. وكذلك إذا شك، ولهذا المصنف قال: (أو شك في ابتدائه)، كذلك إذا شك في ابتدائه فإنه يغلب الأضيق. قال: [ ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر ]. لأنه لم تكن له حال الإقامة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يمسح المسافر ...)، وهذا كذلك.

    شروط المسح على الخفين

    قال المصنف رحمه الله: [ ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض كله ويثبت بنفسه ].

    قوله: (ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض)، محل الفرض هو القدم إلى الكعبين، وهذا هو الذي عليه كثير من الفقهاء، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أنه لا بد أن يكون الخف ساتراً لمحل الفرض، وأن يكون ثابتاً بنفسه، فأما إذا لم يكن ساتراً لمحل الفرض، فهذا على قسمين: إما أن يكون الخف ليس ساتراً لمحل الفرض؛ لأن صفته مقطوعة عن تمام محل الفرض، كأن يكون الخف كاشفاً للعقب، فهذا لا يسمى خفاً، ولا يصح المسح عليه كذلك، وإما أن يكون خفاً ساتراً لمحل الفرض لكنه مخرق، وهذا ما يأتي في كلام المصنف.

    أقوال العلماء في حكم المسح على الخف المخرق

    قال المصنف رحمه الله: [ فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم، أو كان واسعاً يرى منه الكعب، أو الجورب خفيفاً يصف القدم، أو يسقط منه إذا مشى، أو شد لفائف، لم يجز المسح عليه ].

    الخف المخرق فيه خلاف مشهور بين الفقهاء، ولا يظهر أن أحد القولين ينسب لجمهور العلماء، بل الخلاف في هذه المسألة يعد من الخلاف المشهور بين الفقهاء، والراجح في مذهب أحمد و الشافعي أنه لا يمسح على الخف المخرق، والأصل في مذهب أبي حنيفة و مالك وطائفة كذلك هو المسح عليه، بل أطلق بعض الفقهاء ذلك، وإن كان مذهب مالك يعتبر ذلك بألا يكون فاحشاً، واعتبره أبو حنيفة : بأن يكون أقل من ثلاثة أصابع، وهذا من جنس قول مالك في الجملة، لكنه مقدر عند أبي حنيفة ، ومعتبر بما اعتبر به عند مالك .

    لكن مذهب الثوري من أهل الكوفة ومحدثيهم يقول: إنه يجوز المسح على الخف المخرق. فالخلاف في المسألة بيّن وليس فيها نص، فمنهم من اعتبر: أن ذلك مما تجري به العادة، ويشق التحرز منه، والشريعة مبنية على التخفيف، وهذا من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في المسح على الخفين مطلقاً، والخفاف مظنة هذا، هكذا ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله، وإن كان مثل هذا فيما يظهر أنه ليس متجهاً؛ لأن كون الخفاف مظنة لهذا، أو يغلب فيها هذا، هذا يحتاج إلى إثبات، وهو خلاف الظاهر؛ لأن الخفاف تكون من الجلد ومن المواد المسبوكة والمصنوعة بقوة، وليست كالجوارب والبحث هنا في الخفين؛ ولأن الجمهور ما أجازوا أصلاً المسح على الجوربين، ولكن إذا قيل: إن هذا مما يشق التحرز منه، ولا يخرج الخف عن اسمه، فمثل هذا النظر يتجه اعتباره.

    أما ظاهر مذهب الإمام أحمد فهو عدم المسح على الخف المخرق، ومعتبرهم في ذلك أن المسح على خلاف الأصل، وأنه إذا اجتمع ما يكون منكشفاً من القدم وما يكون مستتراً فإنه لا يجمع بينهما فلم يصح المسح، والذي يظهر والله أعلم أن المسح على مثل ذلك فيه نوع من السعة، وإن كان الخلاف في المسألة فيه قوة، ومما يقويه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة )، وإن كان هذا ليس فيه ترك الشيء، يعني: ليس فيه أنه مسح العمامة وترك ناصيته، بل إنه مسح بناصيته وعلى العمامة، فهذا الاستدلال غير مطابق لمسألتنا، ولكن فيه نوع من الاحتجاج من جهة أن الشارع جمع بين هذا وهذا، وإنما هو محل للمسح ولم يكن ساتراً لمحل الفرض، ومع ذلك صح المسح عليه، خاصة على المذهب عند الحنابلة، وقول كثير من الفقهاء على قول من يقول: بأنه لا بد من استيعاب جميع الرأس، فإن العمامة في حديث المغيرة الثابت في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة )، لم تكن ساترة لمحل الفرض، ومع ذلك مسح الشارع عليها، فلما مسح عليها دل على أنه يقع المسح على ما ليس ساتراً لمحل الفرض، فإن قيل: إن هذا استتم بمسح الناصية، قيل: هو من هذا الوجه يؤخر الدليل عن كونه مطابقاً لمسألتنا، ولكنه يعطي نوع دلالة، ويعطي وجهاً من الاعتبار والنظر؛ بأنه يسوغ المسح على ما ليس ساتراً لمحل الفرض.

    وفي الخفين جرت السنة أن المسح لا يستوعب فيها، كما يستوعب في العمامة، بل ظاهر آثار الصحابة كما سيأتي: إنما يمسح ظاهر الخف، ولا يستوفى كاستيفاء الجبيرة مثلاً، ولا حتى كالعمامة، بل فيه تجوز، فهذا التجوز في قدره يقضي والله تعالى أعلم: بأنه يتجه مثل هذا القول على ما قدره الإمام مالك رحمه الله، بشرط أن يكون هذا مما يعرض للناس، ولهذا لا يكون فاحشاً، أما إذا كان الخرق فاحشاً، ولا يلبس عادة، فإن هذا لا يصح المسح عليه، أما إذا كان يسيراً فإن هذا يظهر التجوز فيه. والله تعالى أعلم.

    حكم المسح إذا لبس خفاً على خف

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن لبس خفاً فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح عليه ].

    (جاز المسح عليه) أي: على الفوقاني.

    (وإن لبس خفاً فلم يحدث)، أما إن أحدث فعلى تقريرهم السابق أن المدة تبتدئ من الحدث، فلا يجوز أن يمسح على الفوقاني؛ لأن المدة اعتبرت بالتحتاني.

    مكان المسح من الخف

    قال المصنف رحمه الله: [ ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه، فيضع يده على الأصابع، ثم يمسح إلى ساقه ].

    أي: إلى مبتدأ الساق، لا أن يستوفي الساق، وهذا هو الذي جاءت به الآثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإلا فإن مقتضى القياس أنه يستوعب الخف بالمسح، لكن الآثار عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مستفيضة بأن المسح هكذا، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله في أجوبته أن مبنى ذلك هو آثار الصحابة، وهم يفسرون هذه الرخصة، وهذا الذي ذكره المصنف هو مذهب الإمام أحمد و أبي حنيفة خلافاً لـمالك و الشافعي ، فإن هذه طريقة معروفة لطائفة من الفقهاء: أنه يمسح ظاهر الخف وباطنه، وهذا قول معروف، وليس بدعاً، فهو ظاهر مذهب مالك و الشافعي وجملة من الفقهاء، ولكن الأظهر هو الأول، ويروى فيه أثر عن علي رضي الله تعالى عنه: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره. وفيه آثار عن جملة من الصحابة ذكرها الإمام أحمد في بعض أجوبته.

    ومما ينبه إليه هنا: أن رأي الإمام أبي حنيفة وقع هكذا، مع أن ظاهر القياس ومقتضى القياس: أن يكون المسح على الظاهر والباطن قياساً على الجبيرة، وعلى مسح الرأس؛ بأنه يستوعب، ولأن الأصل في القدم الغسل ظاهراً وباطناً، وهذا يبين أن الأئمة رحمهم الله وإن غلبوا دليلاً إلا أنهم قد يخرجون عنه في بعض الأوجه لمعتبر من الاستدلال، ومنها ما يكون من آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فـأبو حنيفة قال في هذه المسألة فيما يظهر على خلاف القياس، وإن كان القياس في هذه المسائل كما سبق أن ثمة نظراً في اعتباره من جهة، وأيضاً أن القياس الذي يرد على مثل هذا النوع من المسائل هو من قياس الشبه، وإذا قلت: إنه من قياس الشبه، قد يتجه فيه أن هذا مقتضى القياس، وقد يقال: مقتضى القياس أن يمسح الظاهر فقط، وهو أشبه ما لو مسح على رأسه ونحو ذلك.

    وعلى كل حال فهذه المسألة ليست من صريح القياس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088542391

    عدد مرات الحفظ

    777225595