إسلام ويب

العدل بين الناسللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده قيماً عظيمة ومن ذلك: العدل، وله مجالات متعددة منها: العدل مع الله بالإيمان به سبحانه ونبذ الشرك، والعدل مع رسوله صلى الله عليه وسلم بأداء حقوقه عليه الصلاة والسلام، والعدل مع الصحابة وأمهات المؤمنين والسلف الصالح رضوان الله عليهم بالثناء عليهم، والترضي عنهم وعدم الطعن فيهم، والعدل مع الوالدين بالإحسان إليهما، والعدل بين الزوجين والأولاد والجيران بإعطاء كل ذي حق حقه، والعدل مع الأعداء بالإنصاف لما لهم من حق.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    فإن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده قيماً، بها تعاملهم فيما بينهم، وبها صلاح أحوالهم، ومن أعظم هذه القيم: قيمة العدل، فقد أمر الله بهذه القيمة في كتابه فقال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى[الأنعام:152]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، وقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ[المائدة:8]، والعدل الذي هو قيمة من قيم الدين هو كذلك مقتضى الخلق والكرم، فهو قيمة إنسانية، شرعها الله سبحانه وتعالى وأكدها رسوله صلى الله عليه وسلم في خُلُقه وتعامله مع الناس، وبقدر تحقيق الإنسان لهذه القيمة يحقق استخلافه في الأرض ومهمته التي ابتعث من أجلها فيها، فلذلك لا بد أن يحرص كل واحد من البشر على أن يكون من أهل العدل والإنصاف.

    والإنصاف هو تكميل للعدل، وهو من قيم الأشراف ولكنه قليل فيهم، فلذلك نحتاج أولاً إلى تعريف العدل ما هو، وكثير من الناس يتوهم أن العدل دائماً معناه: المساواة، فيريد المساواة بين الذكر والأنثى من أولاده فيما يتعلق بميراثهم مثلاً، ويريد المساواة بين من لم يساوِ الله بينهم في كتابه، وهذا مفهوم خاطئ، فقد قال الله تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ[القلم:35]، وقال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ[السجدة:18].

    فليست المساواة عدلاً دائماً، بل قد تكون عدلاً وقد تكون جوراً، فإذا حصل الترجيح لأحد الطرفين على الآخر بوجه مقبول شرعاً تكون المساواة جوراً لا عدلاً، وإن لم يحصل ترجيح كانت المساواة مطلوبة في القسمة، وفي كل ما يقبل المساواة من الأخرى، ولهذا فالعدل يقتضي من الإنسان التحقق بالصدق، ويقتضي منه كذلك القيام بالحق، فالإنسان الذي يتصدق وهو عليه ديون غير عادل هنا؛ لأنه وإن فعل أمراً مأذوناً فيه مطلوباً شرعاً، إلا أنه لم يعدل؛ لأنه ضيع حقوقاً أخرى مطلوبة، وهكذا في التصرفات كلها، فيطلب في العدل الصدق، ويطلب فيه أن يكون صاحبه منطلقاً من هذا المبدأ الذي هو الصدق في عمله، فالصدق ليس فقط في الأقوال، بل يشمل الأفعال كذلك.

    وقد وصف الله نفسه سبحانه وتعالى بالعدل، وسمى نفسه: العدل، فهو الحكم العدل جل جلاله، ونفى الظلم على نفسه مطلقاً، والظلم أحد القيم المضادة للعدل، فالظلم من أضداد العدل، وقد قال الله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ[فصلت:46]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[يونس:44].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532231

    عدد مرات الحفظ

    777168529