شرح حديث (العين حق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في العين.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين حق) ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في العين، أي: الإصابة بالعين، وهو ما يحصل لشخص من ضرر نتيجة نظر شخص إليه، فيحصل مع هذه النظرة بإذن الله ضرر بالمعين بسبب الحسد الذي يكون في العائن، وقد جاءت السنة بأن الإنسان إذا رأى شيئاً يعجبه يذكر الله ويدعو بالبركة لصاحبه، ويكون ذلك سبباً لعدم حصول الضرر منه بإذن الله.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق) يعني: الإصابة بالعين من قبل ذلك العائن الذي يكون عنده شيء من الحسد، فيحصل من نظرته ضرر للمعين بقضاء الله وقدره، وكل ما يقع في الكون هو بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد تؤدي به العين إلى الهلاك والموت.
وقوله: (العين حق) أي: حصول الضرر بها حق وصحيح، والوقاية من ذلك أن الإنسان يدعو بالبركة لمن رأى فيه صفة أعجبته، وإذا حصل الحسد فالعلاج أن يتوضأ للمحسود، ويصب عليه من ذلك الماء الذي توضأ منه، وهذا من أسباب سلامته من هذه الإصابة بالعين، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
صحيفة همام بن منبه
هذا الحديث من صحيفة همام بن منبه المشهورة التي تشتمل على أحاديث كثيرة، وكلها بإسناد واحد: عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ، وهي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، والفاصل بين كل حديث وحديث: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ثم يذكر الحديث، ثم يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، حتى ينتهي من هذا المقدار الكبير من الأحاديث بهذا الإسناد الواحد، وهذه الصحيفة صحيحة، وقد انتقى البخاري منها أحاديث، ومسلم انتقى منها أحاديث، وغيرهما كذلك رووا منها أحاديث كما عند أبي داود هنا، وكما سبق أن مر بنا بعض الأحاديث في ذلك.
والمحدثون عندما يروون من هذه الصحيفة فبعضهم يسوق الإسناد إلى أبي هريرة ثم يذكر الحديث الذي انتقاه، دون أن تكون هناك إشارة إلى ما قبلها، وكأنه حديث مستقل، فيسوق الإسناد من أوله إلى آخره عن همام قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذكر الحديث من هذه المائة والأربعين حديثاً التي اشتملت عليها هذه الصحيفة، فيأتي بالحديث على هذا الإسناد، والإسناد في الحقيقة ليس مسوقاً له فقط، بل لكل الأحاديث، وأول حديث في الصحيفة: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، ثم لا يكرر الإسناد في الأحاديث الأخرى، فـأبو داود رحمه الله هنا أتى بالإسناد الذي في أول الصحيفة ثم أتى بالحديث الذي انتقاه، وهو: (العين حق)، وهو في أثناء الأحاديث الكثيرة.
وأما الإمام مسلم رحمه الله فإن له طريقة عجيبة، وهي تدل على دقته وعنايته وتميزه على غيره في تحرير الأسانيد، والمحافظة على الألفاظ والمتون، فإنه يسوق الإسناد، وكل ما في صحيح مسلم من أحاديث الصحيفة هو من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فيأتي بجملة: فذكر أحاديث منها، ثم يأتي بالحديث الذي يريد، وهذا في غاية الوضوح والدقة؛ لأن الذي يقرأ هذا الكلام يعرف أن هذا الحديث ليس تالياً للإسناد، وإنما بينه وبين الإسناد أحاديث، وقد عبر عن هذا بقوله: فذكر أحاديث منها. وهذه الصحيفة مطبوعة مستقلة، وهي موجود في مسند الإمام أحمد في مسند أبي هريرة .
ورواية البخاري ومسلم لأحاديث منها من أوضح الأدلة الدالة على أن البخاري ومسلماً رحمهما الله تعالى لم يستوعبا الأحاديث الصحيحة، ولم يقصدا الاستيعاب، فالأحاديث الصحيحة التي لم يخرجاها كثيرة، وهما لم يريدا الاستيعاب حتى يستدرك عليهما، فكون البخاري أخرج منها أحاديث، ومسلم أخرج منها أحاديث، واتفقا على أحاديث، وتركا منها أحاديث، هذا يدل على أنهما ما أرادا الاستيعاب؛ لأنهما لو أرادا الاستيعاب لرويا جميع أحاديث صحيفة همام ، ولم يتركا منها حديثاً؛ لأنها بإسناد واحد، وقد أخرجا منها أحاديث.
تراجم رجال إسناد حديث (العين حق)
شرح حديث (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين) ].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يؤمر العائن فيتوضأ) يعني: إذا أصاب العائن بعينه فإنه يتوضأ ثم يغتسل منه المعين، وهو الذي أصابته العين والمرض بسبب العين، فيغتسل العائن، ويرش على المعين، فيبرأ بإذن الله، وهذا هو العلاج الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في قصة سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه اغتسل ورآه عمرو بن ربيعة ، وكان سهل جلده أبيض، فقال عمرو : ولا جلد عذراء، فسقط، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر عمراً أن يغسل وجهه ويديه وبعض أعضائه، ثم أمر أن يصب على سهل ؛ فشفي وعاد إلى حاله.
تراجم رجال إسناد حديث (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)
شرح حديث (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغيل.
حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه) ].
أورد أبو داود باب في الغيل، والغيل هو حصول الحمل من المرضع، فيكون اللبن غير مفيد، فيتضرر الصبي من رضاعه هذا اللبن.
عن أسماء بنت يزيد بن السكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقتلوا أولادكم سراً).
وهذا ليس قتلاً مباشراً، ولكنه يؤدي إلى الضعف والهزال؛ بسبب شربه هذا اللبن الذي حصل معه الحمل فيتغير ولم يعد صالحاً للشرب، فهو يؤثر على صحة الولد حتى بعد أن يكبر ويركب الفرس، فإن الغيل يؤدي إلى ضعفه وسقوطه.
ولكن هذا الحديث ليس بصحيح، وقد جاء ما يدل على جواز الغيل وأنه سائغ، ولكن إذا وجد الحمل فإنه يترك الرضاع؛ لأنه يؤدي إلى ضرر الطفل، فيجوز أن تجامع المرضع، وإن حصل حمل فإنها تترك الإرضاع؛ لأنه يضر الطفل، ويرضع بلبن آخر غير هذا اللبن الذي ينشأ عنه الضرر، والنساء تعرف هذا بالتجربة؛ ولهذا عندما تحمل المرأة تبادر إلى الامتناع عن إرضاع الطفل من ذلك اللبن الذي جاء معه الحمل.
قوله: [ (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه) ].
معناه: أنه يجعله يسقط؛ بسبب الهزال والضعف الذي أصابه من شرب ذلك اللبن.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس...)
شرح حديث (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة)
تراجم رجال إسناد حديث (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة...)
شرح حديث (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)
شرح حديث (لا رقية إلا من عين أو حمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا رقية إلا من عين أو حمة) ].
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين : (لا رقية إلا من عين أو حمة)، والعين هي إصابة العين، وهذا فيه دليل على أن علاج العين يكون بالرقية، وهذا علاج آخر غير اغتسال العائن.
والحمة هي السم، والمراد حصول أذى من ذوات السموم كالعقرب والحية، فيعالج سمها بالرقية.
وليس المقصود من قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة) أن الرقية مقصورة على العين والحمة، بل تكون فيها وفي غيرها، ولكن هذا فيه الإشارة إلى أن الرقية لهذين الشيئين -وهما ما يتعلق بالعين والحمة- أولى وأنفع، لا أن الرقية لا تجوز في غير ذلك، فقد رقى الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض الأوجاع التي حصلت لأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من غير العين والحمة.
إذاً: فهذا الحديث من الحصر النسبي وليس نفياً عاماً، وهو مثل الحديث الذي صححه الشيخ ناصر : (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو لا يدل على نفي الاعتكاف في غيرها، وإنما المعنى: لا اعتكاف أتم وأكمل إلا فيها، وكذلك حديث: (إنما الربا في النسيئة) أي: إنما الربا الأشد، وإلا فربا الفضل لا يجوز أيضاً.
تراجم رجال إسناد حديث (لا رقية إلا من عين أو حمة)