أما بعد:
فيا أيها الأحبة في الله: حياكم الله، ومرحباً بكم في روضة من رياض الجنة، وحلقة من حلقات العلم تحفكم فيها الملائكة، وتغشاكم فيها الرحمة، وتنزل عليكم فيها السكينة، ويذكركم الله فيمن عنده، إن حاجة القلوب إلى مثل هذه المجالس أعظم والله من حاجة الأرض إلى المطر، فكما أن المطر هو غيث الأرض، فإن العلم الشرعي هو غيث القلوب، فإذا حرمت القلوب غيثها الرباني وهداها السماوي أقفرت وتحجرت وانعدم خيرها، وكثر شرها، مثلها في ذلك مثل الأرض إذا حبس عنها الغيث وحرمت من المطر أقفرت وانعدم فيها الخير، وكذلك القلوب! وما ترونه من جفافٍ في الأرواح، وقسوة في القلوب، وجمودٍ في الأعين، وجرأةٍ على المعاصي، وكسلٍ وتراخٍ في الطاعات، كل ذلك بسبب حرمان القلوب من سماع العلم الشرعي؛ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا بقاء لك -أيها المسلم- ولا لدينك ولا لحياة قلبك إلا بالاعتصام بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عن موضوع المحاضرة فهو موضوعٌ مهم يتعلق بكل مسلم؛ لأنه موضوع إعداد وتربية الأجيال، إعداد الأمهات في مصنع رهبان بالليل فرسان بالنهار.
والبيت المسلم هو أول محضن يعد ويصنع فيه الرجال، ولذا عني الإسلام وألزم الرجل والمرأة بمسئولية مشتركة تجاه هؤلاء الأبرياء الذين يأتون وفي أمانتنا وأعناقنا مسئولية تربيتهم.
وعنوان المحاضرة: (واجب الآباء). والمعني بالآباء هنا ضمناً: الآباء والأمهات، فإن الدور مشترك، والمسئولية موزعة بين الرجل والمرأة، فكلاهما يبني ويحمي ويوجه، حتى تستقيم الثمرة، ونخرج للمجتمع رجالاً صالحين وفتيات صالحات.
وهذه المسئولية السائل فيها هو الله، وثمرة ونتيجة المسئولية: إما نجاح وإجابة صحيحة وإبراء لذمتك، وقيام بعهدتك أمام الله، فتكون مسئوليتك هذه ناجحة وثمرتها الجنة، وإما خذلان وخيبة وخسران، وسقوط وعدم قيام بالواجب، فتكون نتيجة هذا التقصير النار وبئس القرار.
فهي ليست مثل مسئوليات الدنيا، فمسئوليات الدنيا عليها عقوبات، لكنها ليست كعقوبة مسئولية الآخرة؛ إنها جنة أو نار، وسعادة أبدية أو شقاءٌ أبدي.
قد ورد في حديث في الصحيحين يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته -ثم حدد وقال- فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).
وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مبادئ الإسلام العظيمة، حتى عده بعض أهل العلم ربع الإسلام، لماذا؟
لأنه حدد دوراً واضحاً لكلٍ في موقعه، أنت مسئول ليس فقط كأب، ليست المسألة كما تريد، تقول: أريد أولاداً من أجل أن ألاعبهم وأراقصهم وأتمشى معهم، الأمر ليس بيدك، وأنت أب من أجل أن تكون مسئولاً أمام الله عن تخريج جيل مسلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث).
ولهذا ينبغي أن تشتغل وتعمل الصالحات قبل أن تموت فينقطع عملك، أنت الآن لك فرصة وإمكانية أن تتزود بالصالحات، وتجمع الحسنات، وتتوب من المعاصي والسيئات.. إلى أن تموت، فإذا مت انقطع ذكرك إلا من ثلاث، وهذه الثلاث أصلها منك.
الأولى: صدقة جارية، من الذي يضعها؟ أنت، أو ولدك من بعدك يتصدق بها على نيتك.
الثانية: أو علمٌ ينتفع به وهذا منك.
الثالثة: أو ولدٌ صالحٌ يدعو لك، والولد الصالح من أين يأتي؟ أيأتي من مشاهدة الفضائيات؟! والتربية على مشاهدتها، ورؤية الأفلام والمسلسلات الخليعة؟! هذا لا يصير صالحاً، بل يأتي مصيبة عليك، وعلى أمته وبلده والإسلام والمسلمين.
يقول الله سبحانه وتعالى وهو يحدد المسئولية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم:6] نداء يستلهب فيك مشاعر الإيمان، كأن الله تعالى يقول: ما دام أنكم مؤمنون فانتبهوا لهذا الأمر، وما هذا الأمر؟ يقول أحد السلف: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك؛ فإنه إما خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه].
فالله سبحانه وتعالى يناديك بأحب دعاء، وبأعظم نداء، وهو نداء الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ ابدأ بنفسك أولاً؛ لأن الذي لا ينقذ نفسه لا ينقذ غيره، والذي ليس فيه خير لنفسه ليس فيه خير للناس: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً لم يقل الله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم جوعاً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم مرضاً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم برداً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم حراً، فهذه جوانب ثانوية، وأما الشيء الأساسي فهو أن تقي نفسك وأهلك من النار، وأنا أسألكم بالله: هل من يضع (الستلايت) على بيته وقى أهله النار أم أوردهم إياها؟ لقد أورد النار على أهله. أورد النار في (الستلايت) يفتح ذراعيه للسماء ليرحب بالشر! إذا أتيت لترحب بضيفك وأنت تحبه تقول: ألف مرحب، وهذا يرحب بالشر من جميع قنوات الفضاء.. الفضاء مملوء بقنوات الشر، وهذا يقول: تعال.. مرحباً، ثم يصبه على زوجته وأولاده، ويدفع خمسة عشر ألفاً أو عشرين ألفاً إيجاراً على نفسه إلى جهنم.
لا يريد أن يدخل النار إلا بإيجار، لا إله إلا الله!! أين عقول المسلمين؟! أين أهل لا إله إلا الله؟! أين أهل التوحيد؟! أين أهل إياك نعبد وإياك نستعين؟! أين الغيرة من قلوب الرجال، عندما ترى الرجل يترك أولاده وبناته وزوجته يرون المنكر يصطنع أمامهم؟! هذا يغث وهذا يقبل وهذا يعانق.. ثم يذهب لينام ويترك أولاده على الشر والعياذ بالله!
إن أول مسئولية تتعلق بذمتك أيها المسلم: أن تقي نفسك وأولادك النار، والله سبحانه وتعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132].
أكثر اهتمام الآباء الآن أنه يرزق الأولاد، والله تعالى يقول: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً [طه:132] ألا توجد عندك ثقة في كلام الله؟! يقول: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] (نحن) أي: الله تعالى: نَحْنُ نَرْزُقُكَ [طه:132] أي: الرزق مكفول، مهمتك ووظيفتك هي أمر أهلك بالصلاة والرزق سوف يأتي، أما أن تضيع الصلاة ثم تذهب لتبحث عن الرزق ولا تدري أصلى أولادك أم لا؟ وهل زوجتك صلت ولا تسألها، فأنت لا يوجد عندك ثقة في الله عز وجل، وكأنك تقول: لا يا رب رزقي ليس عندك، أنا الذي لا بد أن أجلب رزقي ولو ضاع ديني -والعياذ بالله- نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].
ولهذا أيها الإخوة: حرصت الشريعة في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيان وتوضيح مسئولية الآباء والأمهات تجاه الأولاد والبنات، حتى لا يفهم الناس فهماً مغلوطاً، ويظنون أن المسألة بسيطة، لا. فمن يوم أن تزوجت وأصبح لك أولاد أصبحت مسئولاً، فينبغي عليك أن تراقب نفسك وتصرفاتك، وتعرف كيف تتكلم، وتأكل؟ وكيف تشرب؟ وماذا تتناول؟ وأين تذهب؟ وأين تجيء..؟
وكل الأخلاقيات التي عندك لها انعكاساتها الخطيرة على أولادك! لا تكذب؛ لأن أولادك سيصبحون كذابين.. لا تسرق؛ لأن أولادك سيصبحون لصوصاً.. لا تدخن؛ لأن أولادك سيأتون مدخنين.. لا تضع الصلاة؛ لأن أولادك سيأتون مضيعين للصلاة.. لا تغن؛ لأن أولادك سيأتون مغنيين.. لم يعد الأمر مقتصر عليك أنت فقط، بل أصبح لديك سلسلة وراء ظهرك، ليتك قعدت فاسداً لوحدك! ولكنه فاسد وأحضر معه طابور المفسدين، والعياذ بالله.
كذلك الأم.. لقد عقمت أرحام النساء عن أن تخرج لنا رجالاً أمثال خالد وطارق ، أين هؤلاء أيها الإخوة؟! هؤلاء من أين تخرَّجوا؟! من الأمهات الصالحات، ولكن إذا كانت الأم فاسدة وكذابة فسوف تأتي ابنتها وولدها أكذب منها؛ الأم قليلة دين لا تصلي وسوف يأتي أولادها مثلها.. الأم تحب الأفلام والمسلسلات سيكون أولادها كذلك.. الأم تحب الأغاني والبنات ستحب الرقص.
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص |
وهذا الحديث في البخاري ، يقول: المرأة تطلب لأربع خصال، إذا أراد أحد الناس أن يتزوج فليبحث عن خصال إذا وجدت في المرأة: (لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: إذا لم تبحث عن ذات الدين تربت يداك، أي: امتلأت يداك بالتراب، ومعناه: أنت مترب وليس معك شيء، ما معك إلا الخسارة، إذا معك زوجة معها مال، وعندها حسب وجمال لكن ما عندها دين؛ فإنك مترب؛ لأن الدين رأس المال، فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسران.
وكل شيءٍ فإن الدين جـابره وما لكسر قناة الدين جبران |
كل نقص وكسر وقلة، إذا وجد دين فإن الدين يغطي كل شيء.
الدين هو رأس المال، إذا ضاع رأس مالك ماذا بقي معك من الربح؟! قال عليه الصلاة السلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) هذا بالنسبة للمرأة إذا أراد الرجل أن يتزوج.
وإذا أراد رجل عنده بنات أن يزوجهن، من يختار؟ جاء في حديث رواه الحاكم بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فوضع الشرع ميزاناً للاختيار، بحيث لا تتعب والحمد لله! إذا كان عندك عيال وتريد أن تزوجهم فابحث عن صاحبة الدين، وإن كان عندك بنات وتريد أن تزوجهن فابحث عن صاحب الدين.
لكن إذا ما عندك دين، ولا عندك ميزان شرعي؛ لا تدري من تزوج، إن جئت لتزوج ولدك ما عرفت من تزوجه، وإن جئت لتزوج ابنتك ما عرفت من تزوجها؛ لأنه ليس عندك موازين، ولا ضوابط شرعية تميز بها الرجال وتختار من الذي يصلح، فأعطاك النبي صلى الله عليه وسلم الميزان: (إذا أتاكم من ترضون دينه..).
لم يقل: من ترضون دراهمه، أو رتبته، أو مكانته، فهذه كلها أشياء جانبية، إذ أول شيء هو الدين.
وبعض الناس إذا جاءه صاحب الدين قال: ماذا أفعل به؟ دينه له وأنا أريد مالاً. مسكين! تريد مالاً؟! اليهود يريدون مالاً.
يا أخي: المال ينتهي ولا يبقى إلا الدين، ابحث عن صاحب الدين، فإنه يكرمك، ويحترمك ويقدرك، ويحفظ أمانتك، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، لكن الذي يعطيك المال -ويملأ بطنك- وبعد ذلك يريك عاقبتك، إذا رآك من طريق راح من طريق آخر، وإذا دخلت عليه في البيت ما قام لك، يمد يده لك وهو جالس: ماذا تريد؟!
بل من عند الباب يقول: دعوه..ولا يأتي! تقول له: ابنتي عندك، قال: اذهب. قد أعطيناك مالاً، دفعنا الثمن؛ لأنك رجل صاحب مال، وقد أخذت المال، فماذا تريد غير المال؟
لا، الشرع يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه) وأيضاً أضاف النبي عليه الصلاة والسلام إلى الدين الخلق، فإن من الناس من له دين ولكن خلقه سيئ، وهذا نقص في دينه، فإن الخلق من الدين، بل هو جمال الدين، وكان سيد العابدين صلوات الله وسلامه عليه أكرم الناس خلقاً، حتى مدحه الله تعالى وقال له: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
ولما سئلت عائشة عن خلقه العظيم؟ قالت: (كان خلقه القرآن) إذا أردت أن تعرف خلق محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن، فالقرآن ممثل في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا نشأت الأسرة الإسلامية على هذا الأساس من حسن اختيار الزوج، وجد الزوج الصالح، والزوجة الصالحة، زوج تقي نقي عابد مصلح، يخشى الله ويخافه، ويرجو ثواب الله، وأيضاً زوجة صالحة، ذاكرة شاكرة قائمة صائمة بارة تقية مطيعة لله ثم لزوجها، زوجةٌ مدركةٌ لمسئوليتها الله أكبر!! ترفرف السعادة على هذه الأسرة؛ لأنها بنيت على صلاح، يقول الله عز وجل: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:109].
قد يقول قائل: أنا قد تزوجت، فماذا أعمل الآن؟ أو يقول قائل: هذا كلام أتانا وقد فات الأوان، نقول: تدارك المسألة. كيف؟! أصلح نفسك: تب إلى الله، وغير وضعك، ثم بعد ذلك انتقل إلى زوجتك، بالهدوء وباللين وبالصبر وبالتعليم وبالإرشاد.. ليس بالعنف والقوة والتشنج والمضاربة، إنما بالتي هي أحسن، وستجد بعد فترة إن شاء الله أنك وجدت الأسرة المسلمة، حتى لو كان البناء في البداية غير سليم فبالتوبة يمكن تدارك الوضع، وإعادة ترتيب الأوراق، وتصحيح الوضع مع الله سبحانه وتعالى.
لا تنس هذا في أول ليلة وفي كل ليلة؛ إذا أتيت أهلك فقل هذا الكلام؛ لأنك بهذا الدعاء تعتصم من الشيطان، وتعصم أولادك ونسلك من الشيطان، وإذا لم تقله فإن الشيطان يشاركك في النكاح، وقد ورد أن الشيطان يلتوي على إحليل الرجل ويجامع معه كما يجامع، ويشرك في الولد، فيكون نصف الولد لك ونصفه لإبليس، ولهذا ترى بعض الآباء إذا رأى ولده، يقول: هذا شيطان؛ هذا ليس مني.
هكذا من طبعه وتصرفاته، يقول: أعوذ بالله! هذا شيطان! لعلك نسيت أن تقول: باسم الله في تلك الليلة، فلا تنس، فمن السنة في ليلة الدخلة، إذا دخلت عليك زوجتك فأول شيء تضع يدك على ناصيتها، أي: جبينها وتقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه).
فتعلم هذه الآداب -يا أخي- ثم صلِّ ركعتين إذا دخلت عليك زوجتك، وقل لها: صلي ركعتين لله، -ما في شيء- لأن صلاتك في تلك اللحظات تدل على دوام تعلقك بربك، ثم بعد ذلك ادع الله لها أن يصلحها، وقل لها: أن تدعو لك، ثم قل لها: أنا جديد وأنت جديدة، فأي شيء لا تريدينه أعلميني به، وأنا أيضاً الذي لا أريده سأعلمك به، لتستقيم حياتنا الزوجية على التفاهم، وعلى أن يأتي الإنسان منا ما يحب الآخر، وأن يجتنب ما يكره الآخر.
وهذه الحياة عندما تبدأ بداية بهيمية؛ لا تبدأ بباسم الله، ولا توكلت على الله.. هذا -والعياذ بالله- مما يسبب فشلاً في الحياة الزوجية.
وصلاح الأولاد من أعظم النعم، يخبر الله سبحانه وتعالى أن عباد الرحمن يقولون: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74] قال العلماء: قرة العين هو الولد الصالح، والزوجة الصالحة، التي تقر بها عينك؛ لأن الذي عنده أولاد فاسدون عينه لا تقر، وإنما تزوغ، عنده خوف وقلق واضطراب، لا يدري ما جرى على أولاده، أو أين ذهبوا، أو مع من سهروا، أو متى يأتون في الليل.. فتراه في قلق دائم!
لكن الولد الصالح في بيت والده، ولا يخرج إلا بإذنه، ودائماً بجانبه، كأنه ظل له؛ لا يمشي إلا وهو معه، ترى أباه قريرة عينه، منبسط، لماذا؟ لأن ولده صالح، فأهل الإيمان يقولون: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] اللهم اجعل لنا يا رب العالمين من هذا رصيداً.
وكذلك البنات، والحديث في مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -وذكر منها-: أو ولد صالح يدعو له) والولد هنا يشمل الذكر والأنثى؛ لأن الولد في الشرع إذا أطلق فمعناه الذكر والأنثى، كما قال الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] أي: البنات والذكور، فالبنات والنساء إذا سمعk: (أو ولد صالح) قلن: والبنات ألا يدعين لآبائهن؟ نعم يدعين، فالولد يشمل الجنسين، وجميع تكاليف الشرع موجهة إلى الجنسين، إلى المرأة والرجل على السواء، إلا ما اختصت به المرأة من أحكام، أو اختص به الرجل من أحكام، فهذا واضح ومبين في مظانه ومواضعه.
فالذي يحدد نوعية الذكر والأنثى ليس الأب وليست الأم، أو الطبيب، أو المستشفيات، أو الدول، أو الحكومات.. الذي يحدد ويقارن ويوازي بين أعداد الذكور والإناث في كل مجتمع هو رب الأرض والسماوات! ولو ترك الله سبحانه وتعالى أمر تحديد الذكور والإناث للناس لاختار كل واحد الرجال.. إذا حملت زوجتك ماذا تريد؟ وسألناك تريد ذكراً أم أنثى؟ كل واحد يقول: أريد ذكراً، حسناً.. جاءك ذكر، والثاني ذكر والثالث كذلك.. كلهم ذكور! إذاً، من أين نزوج هؤلاء الذكور؟
الدنيا كلها رجال ولا يوجد نساء، إذاً! تنقرض الحياة.. فالله يهب لك أنت ولداً ويهب لذلك بنتاً، وهناك نسب متقاربة في جميع الشعوب، وعندما -مثلاً- تنظر الإحصائيات يقول لك: عدد السكان (10) مليون؛ الذكور (5) مليون وزيادة، والإناث (4) مليون وزيادة، أحياناً يكون الإناث أكثر؛ لأن الرجال يتعرضون دائماً للموت في الكوارث والحروب والحوادث؛ لأن الرجال هم الذين ينتقلون، حتى حوادث المرور الآن تجد أكثر من يموت الرجال؛ نظراً لأن أسفارهم كثيرة، وفي الحروب كذلك يموت الرجال، فالله سبحانه وتعالى يزيد في النسبة دائماً لكي يوازن: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً [الشورى:49].
فإذا وهبك الله بنتاً فلا تضجر من هبة الله؛ لأنك إذا تضجرت فإنما تعترض على الواهب، بل بعضهم يغضب من المرأة: أنتِ ما عندكِ خير! ما عندك إلا بنات! كل مرة بنت .. بنت .. بنت؟! أليست هي قد أتت بالبذر منك؟ أنت من تضع بذرة البنات، وإذا كنت رجلاً فضع بذرة رجال! واحد اسمه أبو حمزة رزق بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً.. فتزوج ثانية يريد أولاداً فإذا بها تلد بنتاً، فإذا به غضبان ويمر على تلك مرة، ويمر على أم تلك البنات نادراً.. وفي يوم من الأيام قالت:
ما لـأبي حمزة لا يأتينا غضبان ألا نلد البنينا |
والله ما ذلك في أيدينا كالأرض نغرس ما يزرع فينا |
تقول: نحن كالأرض نزرع الذي يوضع، ضع براً يطلع براً، ضع شعيراً يطلع شعيراً، ضع بعراً يطلع بعراً، فأنت تبذر ولكن من الذي يخرج؟ الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ [الواقعة:58-61].
فإذا رزقك الله البنات فاحمد الله، ولا تتخلق بأخلاق أهل الجاهلية، فالجاهليون إذا أتتهم بنات غضبوا، قال تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ [النحل:58-59] يهرب من الجماعة: مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:59].
ولا تزال هذه الصفة -وهي صفة الجاهلية- في رءوس كثيرٍ من الناس إلى يومنا هذا، ولهذا إذا جاء له ولد جاءوا يبشرونه: أبشر برجل، فيرفع رأسه، وإذا أتت بنت لا يقولون: أبشر، يقولون: راعية غنم، أي: هذه مسكينة ضعيفة، ولا يستطيع أن يذبح ولا يعزم ولا يفرح.. لماذا؟ امرأة.. سبحان الله!!
هذه صفة من صفات أهل الجاهلية، لا يا أخي الكريم! فلعل الله أن يجعل البنات أكثر بركة من الرجال، فبعض البنات عند أهلها أبرك من عشرة رجال، بل بعض الناس يقول: أتمنى لو أن كل أولادي من البنات؛ لربيتهم بيدي وزوجتهم وانتقيت الرجال انتقاء، آخذهم من عيال العرب، وأزوجهم حتى صاروا أحسن من أولادي! لكن أولادي تعبت عليهم، ولما كبروا قالوا: نخرج، أين تذهبون؟ قالوا: نحن رجال، لسنا بناتاً تربطنا في البيت؟ طيب، أين تذهبون؟
فذهبوا إلى المخدرات والمقاهي والأرصفة، والفساد والانحراف والجريمة.. وما استطعت أن أربيهم، قالوا: نحن رجال، لا. لستم رجالاً، لو أنك رجل لكنت في بيت والدك؛ الرجل هو الذي في بيت والده، فلا يذهب يلعب في المقاهي، والمنكرات، ويقول: أنا رجل.. ليست هذه هي الرجولة، الرجولة والمروءة في خدمة الوالدين، الرجولة في التمسك بطاعة الله وفي رفع رأس الوالدين.
أما أن تكون رجلاً طويلاً عريضاً لكنك خائب، فليس فيك خير، وأنت قليل دين، تجلس في المقاهي طوال يومك مع قرناء السوء، وتضيع دينك وصلاتك، وتقول لي: رجل؟! لا.
مفاهيم الرجولة ليست هذه -أيها الإخوة- ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت امرأة ومعها بنتان تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة..).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
لا إله إلا الله!! تصوروا الحالة يا إخواني، أكرم بيت على وجه الأرض؛ بيت محمد بن عبد الله ليس فيه إلا تمرة واحدة!
تقول: بحثت ولم أجد غير تمرة واحدة، فأعطيتها -تصدقت بها وهي واحدة فقط- قالت: (فأخذتها وشقتها نصفين ثم أعطت كل واحدةٍ منهن نصفاً، ولم تأكل شيئاً، ثم خرجت -قالت
وفي مسلم حديث آخر، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من عال جاريتين -أي: من ربى بنتين- حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا -أي: مثل الإصبعين- وضم بين أصابعه).
من عال جاريتين، أي: من رزق بنتين وعالهما، وكان ملازماً لهما ورباهما وأحسن إليهما؛ جاء يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن الاسم له دلالة على المسمى، فسم ابنك اسماً طيباً، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، أو غيرهما من العبودية، عبد العزيز، عبد الخالق، عبد اللطيف، عبد الوهاب، عبد الكريم، عبد الرزاق، أي: اسم تُعبِّد فيه ولدك للرحمن سبحانه وتعالى، وإذا عبدته لله، عبد الله أو عبد الرحمن فهذا أفضل، وإن لم يكن فمن أسماء الأنبياء: محمد، إبراهيم، نوح، موسى، عيسى، إسحاق، آدم..، أي اسم.
وإن لم يكن فمن أسماء الصحابة: عمار، مصعب، خالد، صهيب.. أي اسم من أسماء الصحابة، إذا ذكر اسمه ارتفع رأسك، وحذار من الأسماء التي فيها أنوثة ورخاوة، فإنها تبعث على الرخاوة، لا تجعل لولدك إلا اسماً قوياً.
أحد الأعراب كان في البادية يمشي على حصانه، فرأى في وسط الصحراء بيتاً بدوياً، فمر بالبيت ونادى من على الباب، فخرجت عليه تلك المرأة الجميلة، فأغواه الشيطان ودخل عليها وكأنه راودها، قالت: انتظر، وخرجت فوق مرتفع تنادي، قالت: يا ليث! يا فهد! يا نمر! يا ذئب! يقول: وما أكملت الكلام إلا وأربعة شباب كل واحد منهم على حصانه مثل الأسود: نعم. نعم. نعم. قالت: هذا ضيفكم غدوه وأحسنوا قراه وإذا بهم عيال هذه المرأة، كان كل واحد في عمل.
ولكن عندما سمعوا نداء أمهم جاءوا، فذبحوا له وغدوه ومشى، وحين خرج من عندهم قال: والله ما أظن هذا الوادي إلا وادي السباع، يقول: هذا الوادي ليس فيه ناس وإنما فيه سباع؛ وهم الرجال الذين قابلوه، وهذا شأن العرب فقد كانوا يسمون الأسماء القوية، وكانوا يسمون الأسماء التي فيها الحنان للموالي والعبيد عندهم، يسمونهم: مبروك، مبخوت، يقولون: إذا سمينا أولادنا قسونا، وإذا سمينا موالينا ترققنا؛ لأنه للخدمة، فكيف بمن يسمي أولاده في هذا الزمان بأسماء مثل: سوسو، نونو، حوحو، حلال، دلال، طلال.. ما شاء الله، كيف سيكون هذا الولد إذا كان اسمه مثل اسم الجن والعياذ بالله؟
ويحرم تسمية الإنسان باسمٍ معبد لغير الله، كمن يسمي عبد الرسول أو عبد النبي، فلا يجوز، فالعبودية لله، كما يحرم التسمية بأسماء النصارى، مثل: بطرس، وجرجس، وديانا، وسوزان، ونارمين، ودارين، وشيرين، وجيهين، وخذ من هذه الأسماء.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
كما يحرم التسمية بأسماء الشيطان، مثل: خنزب، وإبليس، وولهان، ويكره كراهية تسمية البنات بالأسماء التي تثير الشهوة وتشبق بهن؛ لأن الاسم يلفت النظر مثل: عبير وشادية وفاتن.. كذلك لا ينبغي تسمية الأولاد بأسماء الحيوانات كمن يسمي ولده حنشاً، أو كلباً، أو قطاً، أو قرداً.. أما من يسمي أولاده بأسماء السباع فلا بأس؛ لأنها فخر أن يقال لك: يا ذئب! أو يا نمر! أو يا فهد! أو يا ليث؛ لأن هذه من الحيوانات الشجاعة المفترسة، أما الحيوانات المبتذلة النجسة كالكلاب والقردة فهذه لا ينبغي التسمية بها.
إذا جاء الولد وسُمي، فإنه يؤذن في أذنه ويقام في الأخرى، ويعق عنه في اليوم السابع، ويحلق رأسه ويتصدق بوزن الشعر ورقاً بما قيمته (50) ريالاً، ثم يعق ويذبح عن الولد شاتان وعن البنت شاة، ويجوز عن الولد شاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين شاةً شاةً.
والعقيقة حكمها حكم الأضحية من جهة شروطها، يجب أن تكون سليمة من العيوب، وتُذبح وتُقسم ثلاثة أقسام: قسمٌ يؤكل، وقسم يهدى، وقسم يتصدق به على الفقراء؛ لأنها عبادة ونسك ولا ينبغي التهاون في ذلك، ثم بعد ذلك إذا بدأ الصغير ينطق فإنه يبدأ بتعليمه لا إله إلا الله؛ لأنه يبدأ الغلام ينطق وعمره سنتان، يقول: ماما، بابا، علمه أن يقول: لا إله إلا الله، الله أكبر، باسم الله، علمه ولو لم يعلم بعد، مرة.. مرتين.. ثلاث.. أربع.. فما يصير عمره ثلاث سنوات إلا وهو يقول: لا إله إلا الله، لكن بعضهم يعلمه اللعن، والسب وما زال صغيراً، وإذا سب أو لعن قال: هذا صغير.. هذه جميلة من فمه، إذا قال: منعون يا بابا، يقول: جميل، هذه حلوة، ومنعون تكبر وتصبح ملعوناً إذا كبر الابن، لا.. فأنت علمه الآداب ولو كان صغيراً.
ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحسن والحسين ، وكان عنده رجل من العرب اسمه الأقرع بن حابس ، انظر الأسماء، وصحابي آخر اسمه القعقاع بن عمرو ، طلب أحد قادة الجيوش مدداً من عمر بن الخطاب فأرسل القعقاع وحده، قال: إنك طلبتني مدداً فأرسلت إليك القعقاع وهو يعدل ألفاً، وإن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، اسمه فقط يقعقع قلوب الرجال، القعقاع بن عمرو ، وهذا اسمه الأقرع بن حابس من رجال العرب ومن دهاتهم، فقال الرجل لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل: (أتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم، قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم).
إذا لم تقبل أولادك فمن يقبلهم؟ هل تريد أن يأتي شخص من الشارع يدق الباب ويسلم عليهم غيرك؟! قبِّل أولادك؛ لأن الرحمة واللين والعطف من أهم عوامل التربية، ولكن لا يعني هذا -أيها الإخوة- ألا يكون للرجل جانب حزم وهيبة ومكانة في قلوب أهله، يجب أن يجمع الإنسان بين اللين والحزم، فيشد ويحزم ولكن من غير عنف، ويلين ويهون ولكن من غير ضعف؛ إذا رأى الحق لان، وإذا رأى الخطأ أو الباطل حزم، هذا هو المنطق الشرعي في تربية الأولاد.
وأولى من هذا أيضاً حمايتهم من انتشار شياطين الإنس، وانتشار شياطين الإنس بعد العشاء، إذا رقد الناس خرجت شياطين الإنس: ماذا تريد؟ قال: والله أريد أن أغير الجو، وخرج يتمشى على سيارته أو يفحط، أو يجلس في زاوية أو قهوة، ويأخذ واحداً من الصغار الأبرياء، ويعلمه الفساد وقلة الدين، فاحذر على ولدك، لا ينتشر بعد المغرب لملاقاة شياطين الجن، ولا يخرج بعد العشاء لملاقاة شياطين الإنس، اجعل ولدك معك في بيتك.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير وله طائر يلعب به، فمات الطائر، فدخل النبي يوماً فرأى الولد حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره -أي: طيره- قال: (يا
وقد أخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً إلى صلاة الظهر أو العصر ومعه الحسن ، فتقدم ووضعه عند قدمه اليمنى، ثم كبر للصلاة ولما سجد امتطى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال السجود حتى همَّ القوم بالتسبيح، لكنهم ما كانوا ليسبحوا خشية أن يكون أوحي إليه بشرع جديد، فلما انتهت الصلاة قال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب على ظهري- فكرهت أن أزعجه حتى نزل).
اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، انظروا رحمة الرسول بالأطفال! يركب على ظهر الرسول ولا ينزله حتى ينزل، كيف وضعنا الآن في الصلاة، بعضنا إذا صلى ومر ولده أمامه ضربه على وجهه، فينظر الصغير في أبيه لماذا ضربتني؟! من أجل أنك تصلي، إذاً: لا أحب هذه الصلاة، فتنشأ في نفس الولد هذا عقدة ضد الصلاة بسبب ضربك له، بينما الرسول يركب على ظهره وهو إمام وما أنزله.. أين أنت من هذا يا أخي في الله؟!
وكذلك بعض النساء إذا أتت لتصلي وسمعت أولادها يبكون لا تنتبه، ومن السنة أنها إذا كانت تصلي وسمعت أولادها يبكون تأخذهم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس إذا سمع بكاء الصبي عجل بالصلاة وخفف، لما يسمع من بكاء الصبي صلى الله عليه وسلم.
من أهم أسس التربية: الحرص على إلزام الأولاد بأداء الصلاة؛ من السن الشرعي وهو السابعة، يقول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) وبالرغم من أن الطفل في السابعة ليس بمكلف، ولا يلزمه تكليف شرعي؛ لأنه لم يبلغ سِنَّ الرشد، لكن الشرع يعمل على تربيته وتدريبه من السابعة حتى إذا بلغ سن الرشد، كان جاهزاً مدرباً على أداء الصلاة.
وهذا يجب أن يكون موضع اهتمام الآباء والأمهات؛ لأن أمر الصلاة أمر هام، وهي ملازمة للإنسان مدى حياته، فإذا نشأ وهو لا يصلي ثم بلغ سن الرشد، وما درب عليها من الصغر فإنه يصعب عليه أن يصلي، ولهذا نجد بعض الآباء الآن يشكو من ولده، يقول: ولدي أصبح رجلاً وهو لا يصلي! ولو بحثنا في الأسباب لوجدنا أنه يوم كان صغيراً ما كان يأمره، كان يقول: حتى يكبر.. خالف المنهج النبوي!
أما الذين التزموا بالسنة وألزموا أولادهم بالصلاة في الصغر فلم يجدوا صعوبة؛ لأنهم كبروا وهم يصلون، حتى لو جاءه شيء من الانحراف لكنه لا يترك الصلاة، لماذا؟ لأنه تعودها وسيجد صعوبة في السنة السابعة أو الثامنة، أو التاسعة أو العاشرة.. ويجد صعوبة، لكنها تصبح طبيعة له، وعادة لا يستطيع أن يتركها، فهذا مهم ويجب أن نؤكد عليه أيها الإخوة!
قد يلاحظ الإنسان على بعض أولاده شيئاً من الأخطاء، مما لا يرتاح له، فلا ينبغي للإنسان أن يثور وينفعل ويتأثر ويدعو على ولده، كما يفعل بعض الناس، بل عليه أن يصبر ويتحمل ويغض الطرف ويدعو للولد بالهداية؛ لأن في الحديث عند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، فتوافقوا ساعة يُسأل فيها الله فيستجيب لكم).
لا تدع، بل لا تقل: الله يهلكك.. الله يجعلها في وجهك.. الله ينتقم منك، وأنت كاذب غير صادق، وما تريد أن يهلكه الله، ولا أن ينتقم منه، بل قل: الله يهديك.. الله يصلحك.. الله يوفقك يا ولدي! الكلمة الطيبة أحسن من الكلمات الباطلة؛ لأنك قد تقول هذه الكلمة وأنت لا تقصدها، فقط تريد أن ما في قلبك، لكن الله ليس على ما تريد، قد تقولها وتخرج مباشرة.
يخبرني أحد الناس في قصة له: عنده ولد يدرس في الجامعة، والولد هذا صالح ملتزم متدين مبارك، ومن أحسن الشباب، ولكن سبحان الله! يقول: نحن نائمون، وإذا به يأتي، يقول: يا أبي! قال: نعم، قال: أنا تعبت من المذاكرة وأريد أن أخرج وأعمل جولة بالسيارة ثم أرجع، قلت له: يا ولدي! لا تخرج الله يهديك؛ الناس الآن نائمون، وأنت لابس ثوب نومك الآن، لماذا تريد الخروج؟ قال: فقلت له: لا. يقول: فما راجعني. الولد بار وطيب، فذهب ولكن عندما رجع رأته أمه، قالت: ماذا بك؟
قال: طلبت من أبي أن أخرج لأروج عن نفسي فرفض، قالت له: اصبر، أنا أجعله يوافق، طبعاً الأم لها ضغط، فدخلت الأم وكلمت الأب، وقالت له: ولدنا طيب، وفيه خير، وأنت دائماً تعقده، دعه يخرج ليغير جو المذاكرة ويرجع الآن، ولا زالت تضغط عليه حتى وافق، قال: فليذهب (الله لا يرده) يقول: قلتها والله وما أنا صادق، وبودي أن الشوكة التي تدوسها رجله تدخل عيني، لكن يقول من إحراجها لي، ومن إحراجه هو لأمه جاءني غضب شيطاني.
قلت: فليذهب (الله لا يرده) يقول: وكأنها خرجت من فمي وباب السماء مفتوح، وراح الولد وجلسنا ننتظر ساعة -هو قال: نصف ساعة- ونحن ننتظر ساعتين.. ثلاث ساعات.. أذن الفجر وما أتى الولد، يقول: انطعن في قلبي مثل الرمح وعلمت أنها الدعوة، ويقول: أخرج أصلي الفجر وأرجع البيت، أسأل: جاء؟ قالت الأم: ما جاء، يقول: ذهبت للشرطة، أبلغ: ولدي خرج وإلى الآن ما عاد، هل عندكم علم؟
قالوا: لا علم لنا، اتصلوا بالأجهزة، قالوا: يوجد حوادث مرورية، ووفيات في المستشفى، يقول: ذهبت إلى المستشفى، فتحوا الثلاجة وإذا بابني بثوب النوم آخر واحد عند باب الثلاجة، حصل له حادث مروري في منعطف وهو راجع، يقول: فأخذت الولد وأخرجناه ودفناه، ولكني عرفت أنني أنا الذي قتلت ولدي! أنا الذي دعوت عليه واستجيبت!
يقول: فإن أندم على شيء في حياتي فعلى تلك الكلمة! فانتبه يا أخي، لا تقل: الله يهلكك، لا تقل: الله يجعلها في وجهك.. الله لا يردك.. لا. بل قل: الله يردك.. الله يهديك.. الله يصلحك.. الله يوفقك، والكلمة واحدة تريدها حسنة أو سيئة، لكن الحسنة أحسن من السيئة.
والبعض منا يلفت نظري إلى أن هذا الأسلوب ربما يكون أكثر عند النساء وهو حق؛ لأن بعض النساء ما تتورع في الدعاء، تدعو على ولدها، أو زوجها، أو دابتها، أو خادمتها، أو تدعو على كل شيء.. بل بعض النساء تدعو على لقمتها إذا وقفت في حلقها، قالت: (الله يجعلك بلاء) -والعياذ بالله- ما يسلم منها أحد، فلا تدعي أبداً على شيء، وادعي الله بالصلاح وليس بالدمار، والعياذ بالله.
فيحصل عنده نوع من التردد، وهذا يؤدي إلى التأثير على نشأته، ويحصل له بسببه بلبلة واضطراب في نفسيته، وبالتالي ينشأ مهزوزاً غير واثق مما يُلقى عليه، لا بد أن يحصل هناك تكامل وتوافق وعدم اختلاف، أو ازدواجية في التوجيهات والتعليمات التي توجه إلى هؤلاء الأولاد.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهب لنا من أولادنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يصلح لنا جميعاً الأبناء والبنات والزوجات، وأن يجعلهم قرة أعينٍ لنا في الدنيا والآخرة، كما نسأله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يُعلي كلمته، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل الطاعة، ويُذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء.
كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا، وشبابنا وشاباتنا، وبناتنا ورجالنا ونساءنا، وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين والدعوة إليه، والحماية له والذود عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: من أسوأ ما يمكن -أيها الإخوة- وقوع مثل هذه التصرفات؛ لأنها تدل على تقصير من قبل الآباء في تربية أبنائهم، وعلى انحراف وشذوذ وسوء خلق من قبل الشباب أو الأطفال الذين يمارسون هذا العمل؛ لأن الأموال والمقدرات العامة التي تختص بعموم المسلمين من واجب المسلم أن يحافظ عليها؛ لأن محافظتك عليها محافظة على الحق العام.
ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الأذى عن الطريق صدقة؛ لأن الطريق ملك للجميع، فلا ينبغي لك أن تضع الأذى فيه، أو أن تقصر على نفسك فتترك الأذى فيه، بل احمله وارفعه؛ لأنه من الإيمان، وفي مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم ويوجه: (اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟! قال: التخلي في طريق الناس وظلهم) أي: يذهب -الله يكرمكم- ويقضي حاجته تحت ظل شجرة، والشجرة هذه يجلس الناس تحتها، فيقضي حاجته تحتها، فإذا جاء من يريد أن يجلس، ماذا يصنع؟ يلعن، يقول: الله يلعن من فعل هذا، فالرسول يقول: (اتقوا اللعانين) أي: المكان الذي يؤدي إلى لعنكم، أو الطريق، فيكون الطريق نظيفاً وإذا بك تقع رجلك في النجاسة، فعندما تشعر به تقول: الله يلعن من فعلها، فاتقِ اللعانين.
كذلك لما يأتي طفل صغير طائش ويعمل له من هذه (المناطيب) ويأتي يصيد الإنارة.. أما يراه الناس؟! بعض الناس يراه، لكن يقول: هذا لا يتعلق بي، هذا حق الحكومة، لا يا أخي الكريم، يجب أن تكون عيناً للدولة على هذه المقدرات؛ أي طفل تراه أمسكه ولا تسلمه إلا للإدارة، دعه يُسجن ويُضرب على يده، ويحمل والده، حتى نحفظ هذا الحق، نحن في نعمة ما فيها أحد يا إخوان!
يجب أن نشكر الله عليها، انظروا إلى تحتكم وفوقكم وكل الدنيا، لا يوجد أحد له مثلما أنتم فيه من الأمن بالأوطان، والعافية في الأبدان، والأرزاق، والرواتب والخيرات.. فنحمد الله عليها يا إخوان!
ونسأل الله أن يزيدها ولا ينقصها، ولكن إذا فرطنا فيها وضيعناها وضيعنا أولادنا وكسرنا ممتلكات الحكومة، إلى متى والحكومة تصلح ما تخربه أنت؟ فلا يجوز أيها الإخوة؛ لأن هذا من سوء التربية، والعياذ بالله.
الجواب: أولاً: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يظلنا جميعاً في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، بالحب فيه والبغض فيه؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان.
أما مسألة الرفيق، فإن الرفيق والزميل له تأثيره البالغ على نشأة الولد، وتوجيهاتك أيها الأب للولد خاصة إذا تجاوز الخامسة عشرة والسادسة عشرة تقابل بعدم الرضا والقبول، ويتقبلها الشاب بشيءٍ من عدم الانصياع، ولذا أفضل الأشياء أن تسلط عليه من تثق فيه من الإخوان في الله من الطيبين، تقول: أريد ولدي أن يأتي معكم، اربطوا معه علاقة، فيأتون إليه ويأخذونه، ويذهب معهم، ويجالسهم حتى يتأثر بهم.
لكن الأخ الآن كأنه يشكو من أمر مناقض وهو أن بعض الآباء إذا رأى ولده مع الطيبين يقول: لا تذهب مع فلان وفلان وفلان؛ هؤلاء متشددون، ما معنى متشددون؟ الحمد لله، ما عندنا تشدد، الالتزام والصحوة في بلادنا منضبطة، ما عندنا تطرف ولا انحراف، كل شباب الصحوة والحمد لله ملتزمون بالجادة؛ لأنهم مرتبطون بالعلماء.
وإذا أشكل على الواحد شيء ذهب يسأل، والعلماء عندنا والحمد لله موضع ثقة، نثق في علمائنا ونأخذ ديننا منهم؛ لأنهم مبلغون عن الله، وهم ورثة الأنبياء، وهم موقعون لأحكام الشرع، فالصحوة في بلادنا منضبطة، وليس عندنا غلو ولا تطرف، والحمد لله.
وما قد يظهر من نماذج نادرة لا يعني أنها صفة ظاهرة، وأنها صفة غالبة على شبابنا، فلماذا تحرص على ألا يذهب ولدك مع الطيبين؟ أنت كأنك بهذا تقطع الطريق على ولدك، فلا يذهب مع أهل الخير، إذاً يذهب مع السيئين، وغداً يصبح مع المخدرات، وأنت بنفسك أهلكت نفسك وولدك، فدعه يذهب مع أهل الخير، ولن يجد منهم إلا خيراً بإذن الله.
الجواب: التمثيليات والمسلسلات من أخطر وسائل التربية على النساء والأولاد والبنات؛ لأنها دروس عملية، تعلم الأخلاق والآداب والتصرفات والعقائد والدين، وهؤلاء الممثلون الذين يؤدون هذه الأدوار كلهم ممن لا خلاق لهم في دين الله سبحانه وتعالى.
فلا ينبغي أن يكون هؤلاء هم قدوتك، بحيث لا تأخذ أخلاقك إلا منهم؛ لأنها تتأثر العيون والقلوب بما ترى من هذه الأشياء، بل ينبغي مقاطعتها، وعدم استماعها فهي أخطر على دين العبد من الغناء، فالغناء يفسد عليك القرآن ويفسد عليك الأخلاق، لكن هذه تفسد كل شيء.
ثم إن هذه المسلسلات والأفلام لا تعبر عن الحقيقة فهي كذب، هي روايات يكتبها رجل مسرحي كذاب، ثم يدعو له عشرين أو ثلاثين كذاباً يمثلون هذه الكذبة، ثم يسجلونها في أستديو، ثم يعلنونها للناس، ويعيش الناس على الكذب.
وبعض الناس يذهب إلى بيته وإذا بزوجته تبكي: ماذا بك؟ قالت: النهاية الحزينة؟! ووالله لا يوجد نهاية مرة ولا حزينة، فهو كذب في كذب! فلا تعش على الكذب والخزعبلات، وكن رجلاً لا تسمع إلا الخير والحق.
أما أن تقول: نقضي وقتنا معها، وما عندي وقت، لكن يوجد وقت بما هو أفيد لك من هذا، وخصوصاً النساء، بعض النساء -والعياذ بالله- ثقافتها كلها ثقافة مسلسلات وأفلام، حتى تعلم النساء من الأفلام والمسلسلات ما لم تعرف في الماضي، فالمرأة تكلم زوجها وتقول له: كذا، تجعله وراءها أعطي لنا لحم اليوم، من أين جئتِ بهذه الكلمات؟ من المسلسل!! كانت في الماضي تقول له: أعطنا معك لحمة، وتكلمه من صميمها ومن مسمعها، أما اليوم فقد تعلمت على الممثلات.
الجواب: لا تنتهي المسئولية حتى تموت، ولكنها تتدرج، يقول أحد المربين: داعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً -من سبع إلى الرابعة عشرة شد عليه- وآخه سبعاً، من الرابعة عشرة إلى واحد وعشرين آخه، أي: عامله معاملة الإخوة، وبعد واحد وعشرين راقبه، فما بقي من عمرك. وأما الوصية التي يقولها بعض الناس: ثم ألقِ له الحبل على الغارب! فهي غير صحيحة، فهو ليس حماراً تلقي حبله على غاربه. وإنما: وراقبه ما بقي.
ما بقي من العمر بعد الواحد والعشرين راقبه ووجهه وادع له، ولكن عليك أن تراعي مشاعره؛ لأنه رجل، وأكرمه إذا رأيت منه جوانب حسنة، وأيضاً اغضب عليه إذا رأيت منه جوانب نقص، فيراه في وجهك، ومن يوم أن يرى أنه قصر أشعره بالصدود عنه قليلاً؛ لأنه يحس.
أراك يا أبي غضبان نعم غضبان، لماذا لم تصلِّ اليوم في المسجد؟ لكن إذا صلى معك الفجر، ولقيته: السلام عليكم! الله يوفقك ويحفظك.. والله يا ولدي أنا راحتي عندما أراك تصلي معي، وأنت تعلم أن صلاتك لك، لكن أريد لك الخير، أنت قطعة مني؛ لكن بعض الناس عنيف مع أولاده، إذا جاء ليوقظ ابنه من النوم، قال: قم.. قم.. قم الله يجعلها في وجهك يا حمار! ويركله في رجله، ويضربه في رأسه، بالله كيف يصلي هذا؟!
يصلي وهو حمار، يصلي وأنت تدعو عليه أن الله لا يوفقه، فهذا إذا قام يصلي يروح في الحمام ويمكث ساعة حتى ترجع من المسجد وهو لا زال في الحمام، ولا يخرج، يقعد في الباب ويقول: صليت، لكنك إذا جئت توقظه: فلان! فلان! الله يهديك.. الله يرزقك.. الله يحفظك.. قم الله يوفقك، فينشط حتى ولو كان كسلان.
الجواب: هذا من التواكل، ففي الحديث الذي في السنن أنه جاء رجل إلى الرسول، وقال: ( يا رسول الله! أطلق ناقتي وأتوكل، أم أعقلها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل) وأنت ربِ أولادك على الخير، واسأل ربك أن يجعل حظك جيداً معهم، أما أن تهملهم وتقول: حظي سيئ، فلا، حظك سيئ؛ لأنك أنت سيئ، ما عرفت كيف تسير مع الرجال.
الجواب: هذه مجازفة، والقضايا المصيرية لا ينبغي المجازفة فيها، فإنك تقول: يمكن تلتزم، لكن هناك الاحتمال الثاني، وهو أنها ربما لا تلتزم، ماذا تعمل وقد رزقت منها الذرية، فتبقى غصة في حلقك حتى تموت؟! ولهذا: الغلطة في المرأة من أسوأ ما يمكن، يقال: ثلاثة لا تخطئ فيهن: الخطأ في اختيار المرأة، والخطأ في البيت، فلو فصلت لك عمارة لا تغلط؛ لأنها أمام عينك، والثالثة نسيتها.
إبراهيم لما جاء إلى إسماعيل في مكة فما وجده، قال لامرأته: كيف أنتم؟ قالت: في شر حال، وهم كانوا في أحسن حال؛ لكنها شريرة -والعياذ بالله- منظارها في الحياة أسود، وهم كانوا في خير ونعمة، لكن نظرتها سوداء، قالت: نحن في أبأس حال، قال: إذا جاء إسماعيل فسلمي عليه وقولي له: أن يغير عتبة بيته.
وحين جاء قالت: جاءنا شيخ ثم وصفته له، وقال لك: غير عتبة بيتك، قال: أنت طالق بالثلاث.. أنت عتبة البيت، وبعد سنوات تزوج إسماعيل، وجاء إبراهيم مرة أخرى، فلم يجد إسماعيل، وقد كان مسافراً للصيد، قال: كيف أنتم؟ وكانوا في سنةٍ قاحلة وشديدة، لكن المرأة طيبة وفيها خير، قالت: نحن في أحسن حال، والحمد لله على كل حال، قال: قولي له إذا جاء: أن يثبت عتبة الدار.
بعض النساء لو ما عندها في بيتها لقمة وجاء زوجها وسأل: عندكم شيء؟
قالت: الخير كثير والحمد لله، ولو ما عندها شيء، وبعضهم لو كل شيء موجود وجاء زوجها بضيف واحد، قالت: لماذا تأتي به؟ ولماذا ما أخبرتنا؟ والله ما عندنا شيء، وتقوم ترمي الطعام في القمامة وتجعله يذهب ويشتري من المطعم فهذه شريرة، والعياذ بالله.
فالمرأة ينبغي أن لا تجازف في قضية اختيارها، اعقل وتوكل، ابحث لك عن صاحبة دين تسلم، إنما تأخذ واحدة على أمل أنك تهديها فهذا من المجازفة، إلا أن بعض أهل العلم يقول: إذا وجدت امرأة تظهر رغبتها في أن تلتصق برجل صاحب دين، وأنها مستعدة لأن تخضع لجميع أوامر الشرع، وأنها تائبة إلى الله، فهذا لا بأس، لماذا؟ لأنها أعلنت التوبة وأعلنت الرغبة في الاستقامة، أما واحدة تعرف أنها فاسدة من أول نظرة وتقول: سأهديها، فهذه مجازفة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر