لا يقبل الله العمل إلا إذا كان خالصاً وابتغي به وجهه؛ ولذا يجب على المجاهدين أن يصلحوا نياتهم، وأن يقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، وأن يحذروا أشد الحذر من أن يريدوا بقتالهم الدنيا، فما عند الله خير لهم وأبقى.
من يغزو ويلتمس الدنيا
شرح حديث معاذ فيمن يغزو للدنيا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا.
قوله: باب فيمن غزا يلتمس الدنيا يعني من كان الباعث له على الغزو هو أنه يريد الدنيا، فهذا مذموم، ولكنه إذا أراد إعلاء كلمة الله، وأيضاً أراد أن يرجع بأجر وثواب عند الله عز وجل أو بغنيمة يحصلها؛ فإن ذلك لا بأس به، وإنما المحذور أن يكون همه ورغبته وقصده الدنيا وليس الآخرة.
فمن قصد الآخرة وحصل له شيء من الدنيا فهو ثواب عاجل ينقص من أجره في الدار الآخرة كما مر بنا في باب السرية تغزو فتخفق، ومن لم يحصل على غنيمة فإنه يحصل الأجر كاملاً في الدار الآخرة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن الغزو غزوان، أي: ينقسم إلى قسمين: قسم غزا للدنيا، وقسم يلتمس الأجر والثواب.
أي: هو على خير في حال نومه وفي حاله يقظته مادام غازياً في سبيل الله؛ لأن كل حركة وسكون منه من حين يخرج إلى أن يرجع خير، فكله له أجر، وهذا يدل على عظم ثواب من خرج في سبيل الله يريد بذلك وجه الله، ويريد بذلك إعلاء كلمة الله، ولم يكن همه الدنيا وحطامها.
الكفاف أن يرجع لا له ولا عليه، فلا حصل أجراً ولا أصابه إثم، أما من خرج رياء فإنه يرجع بتحصيل الإثم، لأن هذا التفاخر والتعالي والترفع، والإفساد في الأرض، وكونه يعصي الإمام؛ كل هذه الأمور يؤاخذ عليها، فلا يرجع بالكفاف، بل يرجع وعليه إثم؛ لأن فالأول رجع بالشيء الذي هو له، وأما هذا رجع بالشيء الذي هو عليه.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً من الدنيا، فقال: لا أجر له، لأن الذي يدفعه للجهاد هو أن يحصل عرضاً دنيوياً من غنيمة أو أجرة، والمقصود من ذلك أن قصده الدنيا وحدها، ولا يريد إعلاء كلمة الله، والصحابة رضي الله عنهم استعظموا ذلك، لأنهم يقصدون من أراد إعلاء كلمة الله وتحصيل الغنيمة، وقد سبق أن مر بنا أن السرية إذا أخفقت رجعوا بالأجر الكامل، وإذا حصلت شيئاً من الغنائم فإنهم تعجلوا ثلثي أجرهم.
وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مجهول، وهو ابن مكرز .
أورد أبو داود رحمه الله باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، أي من كان كذلك هو الذي حصل منه الجهاد حقيقة، وحصل منه القتال حقيقة، أما من كان على غير ذلك فهذا قاتل للشيء الذي قاتل من أجله، وقد حصل له ذلك الشيء الذي أراده، أما من أراد نصرة الإسلام وأن تكون كلمة الله هي العليا، فيعبد الله وحده لا شريك له، ويدخل الكفار في دين الله، أو يرضخوا لحكم الإسلام فيشاهدوا تطبيق أحكام الإسلام فيكون ذلك سبباً في هدايتهم ودخولهم في الإسلام، أو يبقوا على ما هم عليه ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ فإن القتال الذي يكون على هذا الوجه هو الذي يكون محموداً ويكون صاحبه مجاهداً حقيقة.
أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم جواباً من أتى به فهو الذي يكون في سبيل الله، ومن لم يأت به فهو يقاتل لما أراده: (ولكل امرئ ما نوى)، فقال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي أعلى فهو سبيل الله) أما المقاتلة للذكر أو ليحمد عند الناس ويشار إليه بالبنان، فهذا ليس في سبيل الله.
تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى فيمن قاتل لإعلاء كلمة الله من طريق حفص بن عمر