إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [485]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من علامات الساعة الكبرى خروج المسيح الدجال، وهو أعظم فتنة عرفتها البشرية؛ لذا فما من نبي من الأنبياء إلا وحذر أمته هذه الفتنة العظيمة. وقد بين وأوضح لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوصافه غاية الإيضاح وأتم البيان، فذكر أوصافه الجسمية وعلاماته الخلقية، وذكر مدة بقاءه، ومكان خروجه، ونوع فتنته، وماذا يحمل معه، ومن يتبعه، وما هي الأمور التي تعصم منه، وكيف تكون نهايته، وكل هذا قد جاءت به الأحاديث الصحاح. فهذا البيان من الأنبياء لأممهم هو من غاية النصح والحب منهم صلوات الله وبركاته عليهم لأممهم.

    شرح حديث ( إن مع الدجال بحراً من ماء ونهراً من نار )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب خروج الدجال.

    حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش قال: (اجتمع حذيفة وأبو مسعود رضي الله عنهما فقال حذيفة : لأنا بما مع الدجال أعلم منه إن معه بحراً من ماء ونهراً من نار، فالذي ترون أنه نار ماء، والذي ترون أنه ماء نار، فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يرى أنه نار فإنه سيجده ماء.

    قال أبو مسعود البدري : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول) ].

    أورد أبو داود باب خروج الدجال، والدجال هو رجل من بني آدم، وقيل له: الدجال مبالغة في وصفه بالدجل والكذب والتمويه؛ ولهذا يقال عن الشخص الذي يعرف بالكذب: دجال؛ مبالغة في دجله وكذبه، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ويحصل به فتنة عظيمة هي من أعظم الفتن، ويسير في الدنيا بسرعة، ويكون معه أمور خارقة للعادة فيفتن بها الناس، فيعصم الله تعالى من يعصم، ويفتن من يفتن بذلك الرجل، وقد تواترت الأحاديث فيه في الصحيحين وفي غيرهما، وهي تدل على أنه لا بد أن يقع ذلك، ويكون خروجه قبل خروج يأجوج ومأجوج، وهو في زمن عيسى وزمن المهدي ، وقد جاء في الحديث أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلف المهدي ، ثم يخرج ويقتل الدجال بباب لد، فمسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل مسيح الضلالة المسيح الدجال، والأحاديث في ذلك ثابتة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    وأورد أبو داود جملة من تلك الأحاديث أولها حديث حذيفة وأبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنهما، يقول حذيفة : (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) والضمير في منه: يرجع إلى الدجال، وقد جاء في صحيح مسلم أن الذي قال ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله تعالى أعلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما يكون مع الدجال أكثر مما يعلم الدجال ما يكون معه، وذكر أنه يكون معه جنة وهي في الحقيقة نار، ونار وهي في الحقيقة جنة، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يقرب ماءه؛ لأنه نار، وليقرب النار فإنها ماء في باطن الأمر.

    وسياق الحديث هنا يدل على أن هذا لفظ حذيفة، ولكن جاء في صحيح مسلم أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو مسعود البدري في نفس هذا الحديث: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) وإذا كان حذيفة قاله كما في هذا الإسناد، فمعنى ذلك أنه يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك مبنياً على ما علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متحقق من أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، فهو يؤمن ويصدق به، وهو تابع للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العلم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم.

    وسمي عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح لأنه يمسح بيده على الأكمه والأبرص فيشفى بإذن الله، فهو مسيح بمعنى ماسح، وأما الدجال فهو مسيح بمعنى ممسوح، فهو ممسوح العين، أو لكونه يمسح الأرض بسرعته في أربعين يوماً كالغيث إذا استدبرته الريح، كما جاء في الحديث.

    وظاهر الحديث أن النار والماء يجتمعان معه ويسيران معه في كل مكان.

    تراجم رجال إسناد حديث ( إن مع الدجال بحراً من ماء ونهراً من نار )

    قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ].

    الحسن بن عمرو صدوق، أخرج له أبو داود .

    [ حدثنا جرير ].

    هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن منصور ].

    هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ربعي بن حراش ].

    ربعي بن حراش ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حذيفة وأبي مسعود ].

    حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبو مسعود هو: عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    يطوف الدجال الأرض ويمسح الأرض، ويخرج من خلة بين الشام والعراق، ومعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان كما جاء في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم .

    شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب، ألا وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوباً كافر) ].

    أورد أبو داود حديث أنس مرفوعاً: (ما من نبي إلا وقد أنذر أمته المسيح الدجال) يعني: أنه قد يخرج فيهم، فلم يكونوا يعلمون وقت خروجه، ولكنهم يعلمون أنه خارج، ولهذا أنذروا أممهم من ذلك، ومنهم نوح عليه الصلاة والسلام فقد أنذر أمته المسيح الدجال، والرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر كان يظن أنه سيكون في وقته، ثم بعد ذلك جاءت النصوص الدالة على تأخره عن وقته وعن زمانه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في أحاديث الدجال من أنه يكون في آخر الزمان، وأن عيسى بن مريم ينزل من السماء ويقتله مع ما جاء من إنذار الأنبياء أممهم، وتحذيرهم من فتنته، فإن هذا مبني على أنهم لم يكونوا يعلمون متى يكون خروجه، وكانوا يظنون أنه قد يخرج في زمانهم؛ ولهذا حذروا أممهم منه ومن فتنته.

    قوله: [ (إلا قد أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب) ].

    فهو أعور، أي: أن إحدى عينيه عوراء، وهو دجال صاحب كذب.

    قوله: [ (ألا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) ].

    فهو يأتي الناس بخوارق، فبعض الناس يسلب منه عقله فيتابع الدجال لما يرى معه من الشيء الذي أقدره الله عليه، ولما يظهر منه من التمويه والدجل، فيفتن الناس به، وهو يزعم أنه إله، وفي وجهه العلامة الدالة على أنه ناقص، فكيف يكون إلهاً وهو لا يقدر أن يكمل النقص الذي فيه؟!! فهو أعور ولا يستطيع أن يتخلص من هذا العور، والله عز وجل ليس بأعور.

    وبهذا الحديث استدل أهل السنة على أن لله عينين تليقان بكمال الله وجلاله كما في سائر الصفات، فكلها من باب واحد، فكون الله له عينان والمخلوق له عينيان لا يدل على التشابه والتماثل، بل الأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فكل صفة لله عز وجل تثبت له ويعتقد معها أنه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فتثبت إثباتاً مع التنزيه، فأهل السنة مثبتة وليسوا معطلة، ومع إثباتهم ليسوا مشبهة، بل هم مثبتة منزهة، والإثبات والتنزيه قد جاءا في هذه الآية الكريمة من سورة الشورى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فله سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار، وكذلك يقال في جميع الصفات.

    قوله: [ (وإن بين عينيه مكتوباً كافر) ].

    هذا يدل على بطلان ما معه وأن كل ما معه إنما هو تمويه على الناس، وأنه لا يكون إلهاً، وفيه ذلك النقص وتلك الكتابة التي على وجهه بأنه كافر، فكيف يكون مع ذلك إلهاً؟!! ومع ذلك فيصدقه بعض الناس بأنه إله؛ لما معه من الخوارق التي لم يألفها الناس!!.

    تراجم رجال إسناد حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال... )

    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

    هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا شعبة ].

    هو شعبة بن الحجاج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن قتادة ].

    قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ سمعت أنس ].

    أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

    شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال ) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة : (ك ف ر) ].

    أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه أنه مكتوب ك ف ر ، يعني: كاف فاء راء، أي: متفرقة، ومعناه أنه كافر، وهذا دليل على كفره.

    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].

    هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن البصري ، ثقة،أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

    [ عن محمد بن جعفر ].

    هو محمد بن جعفر البصري الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن شعبة ].

    مر ذكره.

    قراءة المسلم القارئ وغير القارئ للكتابة التي بين عيني الدجال

    وغير المسلم لا تظهر له هذه الكتابة كما دل عليه هذا الحديث، يقول الحافظ : وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعين بصره وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة، كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراها الكافر، فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون التعلم؛ لأن ذلك الزمن تنخرق فيه العادات.

    ويقول النووي : الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك.

    شرح حديث ( ما بعث نبي إلا قد أنذر أمته الدجال ) من طريق ثالثة، وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: (يقرؤه كل مسلم) ].

    أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه أن (كافر) المكتوب على وجهه (يقرؤه كل مسلم) أي: سواء كان قارئاً أو غير قارئ، فيمكن الله عز وجل غير القارئ من القراءة لتلك الكتابة التي على وجه الدجال.

    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ].

    مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

    وعبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن شعيب بن الحبحاب ].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

    [ عن أنس ].

    مر ذكره، وهذا الإسناد أيضاً رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

    شرح حديث ( من سمع بالدجال فلينأ عنه )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثنا حميد بن هلال عن أبي الدهماء قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله! إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات) . هكذا قال ].

    أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه) أي: فليبتعد عنه وليهرب منه، ولا يقول: أنا مؤمن وعندي إيمان، فإنه يحصل بسبب ما معه من الفتن والخوارق شك وريبة، وقد يزول ما مع الإنسان من اليقين.

    وقد جاء أن الدجال ينزل إحدى السباخ التي حول المدينة، فترجف المدينة فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وأما المؤمنون فلا يذهبون إليه، فالابتعاد عن الفتنة أمر مطلوب.

    قوله: [ (فو الله! إن الرجل ليأته وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه لما يبعث به من الشبهات) ].

    يعني: يظن الإنسان أنه يسلم من فتنته، ولكن إذا رأى تلك الأمور المهولة الخارقة للعادة تغير عما كان عليه من اليقين، ووقع في الفتنة، وإذا ابتعد عنه ولم يتصل به ولم يقربه، فإن ذلك أسلم له.

    ويستفاد من هذا الحديث الابتعاد عن أهل البدع ومجالستهم؛ لكونهم دجاجلة، وخوفاً من شبهاتهم، فالإنسان الذي ليس عنده بصيرة قد يتأثر بما عندهم من الفصاحة والبلاغة إلا من عصم الله، ولهذا فالابتعاد عنهم أمر مطلوب.

    والحكمة من خروج الدجال أن يتبين الموفق من المخذول، ويتبين من هو قوي الإيمان ممن هو ضعيف الإيمان.

    تراجم رجال إسناد حديث ( من سمع بالدجال فلينأ عنه )

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا جرير ].

    هو جرير بن عبد الحميد مر ذكره.

    [ حدثنا حميد بن هلال ].

    حميد بن هلال ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي الدهماء ].

    وهو قرفة العدوي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

    [ عن عمران بن حصين ].

    عمران بن حصين رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ( ...إن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج جعد...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية قال: حدثني بحير عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا، إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليس بناتئة ولا جحراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) .

    قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ].

    قوله: [ (إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا) ]. يعني: أنه أكثر من ذكره حتى خشي ألا يعوا كل الكلام الذي قاله لهم لكثرته، ثم إنه بين شيئاً من أخباره ومن صفاته في هذا الحديث.

    قوله: [ (إن مسيح الدجال رجل قصير) ].

    هذا يدل على أنه رجل من بني آدم، وهو قصير ليس بالطويل، وهو مع قصره عظيم الخلقة كما في بعض الأحاديث.

    قوله: [ (أفحج) ].

    أي: أن هناك تباعداً بين رجليه عند المشي.

    قوله: [ (جعد) ].

    أي: أن شعره ليس بالسبط.

    قوله: [ (أعور مطموس العين) ].

    أي: أنه فاقد إحدى العينين.

    قوله: [ (مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء) ].

    أي: ليست بارزة ولا غائرة داخلة، وإنما هي بين ذلك.

    قوله: [ (فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) ].

    يعني: أنه يدعي الألوهية فلا يفتنن أحداً بدعواه وبدجله وكذبه وتمويهه، والدليل على كذبه موجود في وجهه، وهو أنه أعور، وهذا نقص، ولو كان إلهاً لكمّل نفسه ولم يكن فيه هذا العيب والخلل.

    تراجم رجال إسناد حديث ( ...إن المسيح الدجال رجل قصير، أفحج جعد...)

    قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ].

    حيوة بن شريح الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

    [ حدثنا بقية ].

    هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ حدثني بحير ].

    هو بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

    [ عن خالد بن معدان ].

    خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عمرو بن الأسود ].

    عمرو بن الأسود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

    [ عن جنادة بن أبي أمية ].

    مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبادة بن الصامت ].

    صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ].

    هذا بيان شيء من أخبار هذا الرجل الذي في الإسناد، وهو أنه ولي القضاء.

    شرح حديث ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي المؤذن حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر قال: حدثني يحيى بن جابر الطائي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه أنه قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنها جواركم من فتنته، قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فقلنا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره، ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله) ].

    أورد أبو داود حديث النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن يخرج الدجال وأنا فيكم فأنا حجيجه)، وهذا كان في أول الأمر، فإنه لم يكن يعلم الوقت الذي سيخرج فيه, وأنه آخر الزمان، فكان يحذر منه كما كان الأنبياء السابقون يحذرون منه أممهم، فلم يكونوا يعلمون متى خروجه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أُخبر بعد ذلك بأنه سيخرج في آخر الزمان، وأخبر عما سيكون بعده وما سيكون قبله في آخر الزمان.

    قوله: [ (وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه) ] أي: هو الذي يدافع عن نفسه، وهو الذي يسعى لإنقاذ نفسه.

    قوله: [ (والله تعالى خليفتي على كل مسلم) أي: أنه يدعو الله أن يحفظهم ويرعاهم ويكلؤهم.

    قوله: [ (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنها جواركم من فتنته) ].

    يعني: أمان لكم من فتنته، ومعلوم أن الإنسان إذا صار في جوار فلان فإنه يأمن بجواره من أن يعتدي عليه أحد؛ لأنه نزل في جوار فلان، فيكون آمناً بسبب هذا الجوار، فلا يعتدي عليه أحد، فالمعنى من قرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها أمان من فتنته، أي: جوار من فتنته، قيل: ولعل ذلك لأن سورة الكهف فيها قصة أصحاب الكهف، وما أخبر الله عز وجل عنهم من تلك الأمور الخارقة للعادة، وأنهم مكثوا نياماً ولم تتغير أجسادهم ثلاثمائة وتسع سنين، والله تعالى على كل شيء قدير، فالإنسان إذا قرأ هذه القصة وتذكر معانيها يعرف حقيقة تلك الأمور التي تكون معه، ويسلم من فتنته بإذن الله.

    قوله: [ (قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً) ].

    يعني: مدة بقائه في الأرض بعد خروجه أربعون يوماً، قال: (يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة) أي: والباقي وهي سبعة وثلاثون يوماً كأيامنا، وهذه أيضاً من الأمور الخارقة التي تكون في ذلك الزمان، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلاة: كيف نصلي؟ وهل يكفينا خمس صلوات في اليوم والليلة في هذا اليوم الذي طوله سنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (اقدروا له) يعني: صلوا الصلوات الخمس على الهيئة التي كنتم تصلون، بمعنى أنكم تصلون الفجر، ثم تقدرون مدة ما كنتم تصلون الظهر، وهكذا، فتكون هذه السنة بعدد الأيام إلا أنها بمثابة يوم واحد، فالشمس موجودة، والناس يشاهدونها، وتمكث سنة كاملة لا تغرب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يحصل منهم التقدير ليعرفوا مقدار ما بين كل صلاتين، فإذا صلوا الصلاة ينتظرون حتى يمضي مدة ما بينها وبين التي تليها ثم يصلونها، وهكذا حتى يمضي هذا اليوم الذي مقداره سنة، ومثله اليوم الذي كشهر، ومثله اليوم الذي كجمعة، فكلها على نفس التقدير، ويعمل مثل هذا أي إنسان محبوس في مكان لا يعرف فيه ليلاً ولا نهاراً، ولا يعرف شمساً ولا قمراً، فإنه يقيم صلاته بالتقدير على هذه الطريقة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك بعض الأماكن التي تكون الشمس فيها موجودة مدة طويلة من الزمان، فإنهم يعملون ما جاء في حديث الدجال.

    قوله: [ (ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيدركه عند باب لد فيقتله) ]، وهذا يدل على أن خروج الدجال قبل نزول عيسى، والمنارة البيضاء شرقي دمشق هو المكان الذي ينزل فيه عيسى من السماء، وكانت هذه المنارة موجودة منذ أزمان متباعدة، ولكن لا يعني هذا أن المنارة التي هي موجودة الآن هي التي سينزل عندها، بل قد تذهب هذه المنارة وتبنى منارة أخرى، فالله تعالى أعلم بما يكون في المستقبل، وهذه المنارة لا بد أن تكون موجودة، وإذا كانت غير موجودة الآن فلابد وأن توجد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد أنها بيضاء وليس لها لون آخر، وإنما تكون بيضاء على هذا الوصف الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في شرقي دمشق، فلا تكون في جهة أخرى من دمشق.

    تراجم رجال إسناد حديث ( إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم )

    قوله: [ حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ].

    صفوان بن صالح الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.

    [ حدثنا الوليد ].

    الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا ابن جابر ].

    عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثني يحيى بن جابر الطائي ].

    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ].

    عبد الرحمن بن جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن أبيه ].

    وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن النواس بن سمعان الكلابي ].

    النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    شرح حديث (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عيسى بن محمد حدثنا ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وذكر الصلوات مثل معناه ].

    ذكر المصنف حديث النواس بن سمعان في خروج الدجال ثم أورد بعده حديث أبي أمامة وقال: إنه بمعناه، أي: بمعنى حديث النواس بن سمعان، وقال فيه: وذكر الصلوات مثل معناه، أي: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلوات في تلك الأيام التي فيها يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وكيف يصلون؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقدروا للصلوات بحيث يصلون الفجر ثم يمكثون مقدار المدة التي بين الفجر وبين الظهر ثم يصلون الظهر، ثم يحسبون المدة التي بين الظهر والعصر ثم يصلون العصر، ثم يحسبون المدة التي بين العصر والمغرب ثم يصلون المغرب، ثم يحسبون المدة التي بين المغرب والعشاء ثم يصلون العشاء، ثم يحسبون المدة التي بين العشاء إلى طلوع الفجر .. وهكذا، ففي ذلك اليوم الذي هو كسنة يصلي الناس على هذا التقدير، وليس المراد أن يصلوا خمس صلوات في ذلك اليوم الذي يعادل سنة.

    وسؤال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك يدل على حرصهم على معرفة الأحكام الشرعية، وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم، وما يحتاجون إليه، ويدل أيضاً على عظيم شأن الصلاة عندهم وحرصهم عليها واهتمامهم بها، فهم رضي الله عنهم وأرضاهم السباقون والحريصون على كل خير، وهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم...) من طريق أخرى

    قوله: [ حدثنا عيسى بن محمد ].

    هو عيسى بن محمد الرملي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ حدثنا ضمرة ].

    هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

    [ عن السيباني ].

    وهو يحيى بن أبي عمرو، ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

    [ عن عمرو بن عبد الله ].

    عمرو بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ عن أبي أمامة ].

    هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال).

    قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ].

    أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال). والحديث الذي مر فيه أنه يقرأ عليه فواتح سورة الكهف، ومعلوم أن الإنسان الحافظ يتمكن من القراءة حيث شاء ومتى أراد، بخلاف الذي لا يحفظ فإنه لا يتيسر له ذلك إلا أن يكون المصحف أمامه يقرأ فيه، وأما إذا كان الإنسان حافظاً فهو في أي وقت وفي أي حال يستطيع أن يقرأ القرآن، سواءً كان نائماً أو قائماً أو جالساً، وسواءً كان في ظلام أو في نور؛ لأنه حافظ للقرآن في صدره، فذكر الحفظ والقراءة، ومعلوم أن الحفظ يكون به التمكن من حصول القراءة متى شاء الإنسان ومتى أراد.

    إذاً: فالمراد من حفظها وقرأها، وقد مر أن من وجده أو أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإن ذلك جوار له، أي: أمان له من فتنة الدجال، كما سبق أن مر الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الروايات أنه يقرأ خواتيم سورة الكهف، ولكن الروايات التي في الفواتح أكثر وأصح، ومنها حديث النواس بن سمعان الذي مر قبل حديث أبي الدرداء .

    الأول لفظه: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، والآخر: (من حفظ من خواتيم)، والأول هو أرجح.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)

    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].

    حفص بن عمر ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

    [ حدثنا همام ].

    هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا قتادة ].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سالم بن أبي الجعد ].

    سالم بن أبي الجعد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن معدان بن أبي طلحة ].

    معدان بن أبي طلحة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

    [ عن أبي الدرداء ].

    هو عويمر رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) ].

    هشام بن أبي عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ].

    شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    الاختلاف في رواية هشام الدستوائي لحديث فواتح سورة الكهف

    ورد في صحيح مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه -وهو هشام الدستوائي- عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال) .

    بينما نجد هنا عند أبي داود قال: وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) .

    فـهشام الدستوائي وهمام كلاهما اتفقا في إسناد هذا الحديث عن قتادة عن أبي الدرداء ، لكن اختلفا في متن الحديث، فقال همام في روايته: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، وقال هشام : (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وتابع هشاماً شعبة فقال: عن قتادة من آخر الكهف، هذا هو معنى كلام المؤلف، وهو مخالف لما في صحيح مسلم ، فإن مسلماً أخرجه في فضائل القرآن بقوله: حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) .

    وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة ح وحدثنا زهير بن حرب أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا همام جميعاً عن قتادة بهذا الإسناد، قال شعبة : من آخر الكهف، وقال همام : من أول الكهف كما قال هشام ، فرواية مسلم هذه تنادي أن هماماً وهشاماً كليهما متفقان في الإسناد والمتن، وقالا: (عشر آيات من أول الكهف)، وأما شعبة فقال: من آخر الكهف.

    وأما برواية الترمذي في فضائل القرآن فقال محمد بن جعفر : أخبرنا شعبة عن قتادة بإسناده: (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف).

    وقال المزي في الأطراف: وأخرج النسائي -أي: في السنن الكبرى- في فضائل القرآن، وفي (عمل اليوم والليلة) عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة بإسناده وقال: (من قرأ عشر آيات من الكهف)، وقال في (عمل اليوم والليلة): (العشر الأواخر) .

    فعلى كل الذي جاء عن هشام في صحيح مسلم هو كراوية الأكثرين الذين رووا في فواتح سورة الكهف، فهذه الرواية التي ذكرها أبو داود إما أن يكون فيها وهم، أو أنها رواية مرجوحة.

    شرح حديث أبي هريرة في نزول عيسى آخر الزمان، وفيه: (... ويهلك المسيح الدجال...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى عليه السلام-، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون) ].

    أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ليس بينه وبينه نبي)، يعني: بينه وبين عيسى بن مريم نبي، فنبينا عليه الصلاة والسلام هو الذي يلي عيسى، وليس بينه وبينه نبي، وقد رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان كما صحت بذلك الأحاديث، ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزل عليه؛ لأن الشرائع كلها نسخت برسالته عليه الصلاة والسلام، وختمت بشريعته، فليس لها اعتبار ولا عليها عمل، فالعمل كله يكون بما جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعيسى إذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل متبعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، حاكماً بشريعته، فهو لا ينزل فيحكم بشرع غير شرع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا لا ينافي أن نبينا هو آخر الأنبياء؛ لأن نزول عيسى ليس مبعوثاً ولا نازلاً بشريعة جديدة، وإنما حاكماً بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

    قوله: [ (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى- وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه) ].

    قوله: (وإنه نازل) يعني: من السماء في آخر الزمان، (فإذا رأيتموه فاعرفوه)، يعني: بهذه الأوصاف التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.

    قوله: [ (رجل مربوع إلى الحمرة والبياض) ].

    يعني: ربعة من الرجال، فليس بالطويل ولا بالقصير، أي: أنه كنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وإنما هو ربعة من الرجال، فكذلك عيسى عليه الصلاة والسلام مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير.

    قوله: [ (إلى الحمرة والبياض) ].

    يعني: أن لونه بياض مشرب بحمرة.

    قوله: [ (بين ممصرتين) ].

    يعني: ثياباً صفراً ليست صفرتها شديدة.

    قوله: [ (كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل) ].

    يعني: يكاد يقطر بدون بلل؛ وذلك لنظافته ووضاءته عليه الصلاة والسلام.

    قوله: [ (فيقاتل الناس على الإسلام) ].

    أي: لا يقبل منهم إلا الإسلام، فلا يقبل الجزية، ولهذا فإنه يضع الجزية كما جاء في بعض الأحاديث ولا يقبلها، ولا يقبل إلا الإسلام.

    قوله: [ (فيدق الصليب) ].

    أي: يكسره.

    قوله: [ (ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) ].

    أي: فلا يقبلها من أحد، ولا يقبل إلا الإسلام.

    قوله: [ (ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام) ].

    وليس معنى ذلك أن الكفر قد انتهى من الأرض، وأن الكفار قد هلكوا، لا بل الكفار موجودون، ولهذا من آمن عند طلوع الشمس من مغربها فلا ينفعه إيمانه، وهذا يعني أن الكفار موجودون، ولكن معنى ذلك أن الغلبة والعزة والقوة ستكون للإسلام، وأما أولئك فمقهورون مغلوبون، وليس معنى ذلك أن الأرض قد خلت من كل كافر وأنه لم يبق إلا الإسلام، فالهلاك ليس هلاك للأبدان، ولكن المقصود به القضاء على سلطة الكفر وقدرته وولايته، فتكون الولاية والقدرة لأهل الإسلام، ويكون الكفار مغمورين، ولهذا جاء في الأحاديث أنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وكذلك كما هو معلوم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولا يقال فيهم: الله، وأما المسلمون فينتهون قبل ذلك بخروج الريح اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، (ويهلك الله الملل كلها إلا الإسلام).

    قوله: [ (ويهلك المسيح الدجال) ].

    أي: يقتله ويقضي عليه، فيتولى مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بنفسه قتل مسيح الضلالة الدجال.

    قوله: [ (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون) ].

    أي: أنه رفع إلى السماء فهو حي، ثم ينزل ويبقى تلك المدة، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في نزول عيسى آخر الزمان، وفيه: (...ويهلك المسيح الدجال...)

    قوله: [ حدثنا هدبة بن خالد ].

    هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود ، والبخاري يذكره بلفظ هدبة، وكذلك أبو داود ذكره بلفظ هدبة، وأما مسلم فيذكره أحياناً بقوله: هدبة وأحياناً بقوله: هدّاب، وقد قيل: إن هدبة اسم، وهداب لقب، ومعنى هذا أن هذا اللقب هو من الألقاب التي تكون منحوته من الأسماء، فـمسلم يذكره أحياناً هداب ، وأحياناً يقول له: هدبة ، وأما البخاري فكان لا يذكره إلا بلفظ هدبة ، وكذلك أبو داود.

    [ حدثنا همام بن يحيى ].

    هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم ].

    قتادة مر ذكره، وعبد الرحمن بن آدم صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود ، وقيل: إن آدم ليس أباه، وأنه لا يعرف له أب، وإنما ينسب إلى آدم أبي البشر.

    قال في (عون المعبود): قال الدارقطني : عبد الرحمن بن آدم إنما نسب إلى آدم أبي البشر، ولم يكن له أب يعرف، انتهى كلام المنذري مختصراً ].

    وقال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية، صدوق، وقال في (فتح الباري): إسناده صحيح.

    [ عن أبي هريرة ].

    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً.

    الجمع بين رواية أنه يمكث أربعين سنة ورواية مسلم أنه يمكث سبع سنين

    قال في (عون المعبود) في الجمع بين ما ورد هنا من أنه يمكث أربعين سنة وما ورد في صحيح مسلم في أنه يمكث سبع سنين. قال الحافظ عماد الدين بن كثير : ويشكل في رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين، قال: اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، فيكون ذلك مضافاً لمكثه بها قبل رفعه إلى السماء، فعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة بالمشهور. انتهى.

    وهذا فيه نظر، أعني أن عمره كان ثلاثاً وثلاثين؛ لأن المعروف أن الأنبياء يبعثون لأربعين سنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088575724

    عدد مرات الحفظ

    777419231