حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا سئل في القبر فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]) ].
هذه الترجمة معقودة لمسألتين: مسألة السؤال في القبر، ومثل ذلك أيضاً نعيم القبر؛ لأن القبر فيه نعيم وعذاب، ولكن الشيء الذي ورد وتكرر في الأحاديث ذكر عذاب القبر، وكل ذلك حق ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمسألة في القبر هي السؤال عن الرب والدين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالسؤال يكون عن هذه الأمور الثلاثة، فالذي يوفقه الله عز وجل يأتي بالجواب السديد، ويأتي بالجواب المنجي، فيقول: إن الله ربه، وإن الإسلام دينه، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه، أو يقول: أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ومن كان بخلاف ذلك وأدركه الخذلان، أو حصل له العذاب، فإنه يقول: ها ها لا أدري، فلا يجيب بالجواب الذي ينفعه، وإنما يأتي بالجواب الذي يضره.
والسؤال في القبر هو لإظهار عدل الله عز وجل، وكون الإنسان ينعَّم بإحسانه وبإيمانه، ويعذب بمعصيته وعدم إيمانه، وليس ذلك ليعلم الله شيئاً كان غير معلوم له، بل هو عالم قد علم أزلاً كل شيء سبحانه وتعالى، ولكن ليظهر للإنسان عدل الله عز وجل، وأن الإنسان يثاب على إحسانه ويعاقب على إساءته، وأن الإنسان إنما يؤتى من قبل نفسه.
والسؤال في القبر هو مثل مسألة الميزان، فإن ذلك يرجع إلى إظهار عدل الله عز وجل، وأن الإنسان لا يبخس في شيء، فلا ينقص من الحسنات ولا يزاد من السيئات، ولا يعاقب بذنب لم يحصل منه، ويثاب بشيءٍ قد حصل منه وبشيءٍ لم يحصل منه فضلاً من الله عز وجل وإحساناً.
كما أن الله عز وجل ينشئ خلقاً بعدما يدخل أهل الجنة الجنة ويبقى فيها فضلة، ويدخلهم الجنة فضلاً من الله عز وجل، وأما النار فلا يدخلها إلا من يستحقها، فالفضل من الله عز وجل يحصل بسبب وبغير سبب، والسبب الذي حصل والمسبب هو من فضل الله عز وجل أيضاً، لأن الله تعالى وفق للسبب والمسبب، ولو لم يوفق الله الإنسان ما حصل منه السبب الذي يفضي به إلى العاقبة الطيبة وإلى النتائج الطيبة، فالكل يرجع إلى فضل الله عز وجل، فهي من الله ابتداءً وانتهاء، فهو الذي تفضل بحصول السعادة وبحصول النعيم، وهو الذي تفضل بالتوفيق لحصول الأسباب التي تفضي إلى ذلك وهي الأعمال الصالحة.
ويحصل بدون فعل شيء من العبد، بمعنى: أن الله تعالى يخلق أقواماً ما كان لهم وجود من قبل، ثم يدخلهم الجنة ويسكنهم إياها وذلك فضل من الله سبحانه تعالى، وأما النار فلا يعذب بها إلا من عمل أعمالاً توصله إليها سواء كانت كفراً أو معاصي، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد أبو داود رحمه الله تعالى جملة منها، وأما أحاديث عذاب القبر فهي كثيرة جداً قد بلغت حد التواتر، وجاءت على أحوال متعددة، فمنها ما هو في بيان العذاب، وبعضها في كيفية العذاب، وبعضها في سبب العذاب، وكذلك في التعوذ من عذاب القبر.
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المسلم إذا سئل في القبر فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]).
يعني: أن هذا التثبيت في الآخرة وذلك بأن يثبت عند السؤال، وهو يثبت في الدنيا على سلوك طريق الحق والنجاة، وعلى سلوك الصراط المستقيم، وذلك بإعطاء العبد خير زاد وأفضل زاد يكون في هذه الحياة الدنيا وهو زاد التقوى.
وكل سفر لابد فيه من زاد، فسفر الدنيا يحتاج إلى زاد، وذلك أن الإنسان يحمل ما يحتاج إليه من النقود حتى لا يحتاج إلى الناس، وأما الآخرة فالزاد إليها هو تقوى الله عز وجل والاستقامة على أمره سبحانه.
وقوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27].
أي بالتزام الحق في الحياة الدنيا، وبحصول الجواب السديد عندما يسألون في القبر، فيجيب بالأسئلة السديدة التي نتائجها وعواقبها حميدة.
وفي الحديث بيان أن السنة تبين القرآن، فإن هذا الحديث يبين أن هذا هو القول الثابت في الآخرة، وأن الله يثبت المؤمن في الآخرة وذلك بأن يأتي بهذا الجواب السديد، وهذا التثبيت في الآخرة مبني على الثبات في الدنيا على الصراط المستقيم، وعلى سلوك المنهج القويم، وهو الإيمان بالله والالتزام بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27].
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علقمة بن مرثد ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد بن عبيدة ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن البراء بن عازب ].
وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قالوا: ومم ذاك يا رسول الله؟! قال: إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن اللهُ هداه قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها.
فينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتاً في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن!
وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت! فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين
).أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال. (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلاً لبني النجار فسمع صوتاً ففزع).
وهذا الصوت هو عذاب القبر.
قوله: [ (من أصحاب هذه القبور؟ قالوا: يا رسول الله! ناس ماتوا في الجاهلية) ].
أي أن السبب الذي جعله يسأله أنه سمع الصوت الذي أفزعه وهو صوت الذين يعذبون في قبورهم، وهذا كما جاء في القرآن: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد وأعظم، وإلا فإنهم معذبون ما داموا في قبورهم بعذاب النار، حيث يفتح لهم باب إلى نار فيأتيهم من حرها وسمومها، ولكنهم إذا بعثوا انتقلوا إليها ووضعوا فيها فإن العذاب يكون أشد من ذاك الباب الذي كان يفتح عليهم، ويصل إليهم منه حرها وسمومها وهم في قبورهم.
فسبب الحديث وجود هذا الصوت الذي أفزعه صلى الله عليه وسلم، وهو لأصحاب تلك القبور الذين هم كفار، وكانوا قد قبروا في الجاهلية.
قوله: [ (فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، ومن فتنة الدجال) ] ذكر النار لأن عذاب النار موجود في القبر، والإنسان يتعوذ بالله من عذاب النار الذي يكون في القبر أو في نفس النار، والعذاب وإن لم يكن قد أضيف إليه العذاب في هذا الحديث فقد أضيف إليه في أحاديث كثيرة، لكن هذا يدل على أن عذاب القبر الذي سمعه هو من عذاب النار.
ثم أخبر أن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله: ما كنت تعبد؟ فيقول: أعبد الله، ويسأل عن الرسول، فيجيب بالجواب الحسن، وأنه رسول الله، وأنه آمن به، فلا يسأل غيرها، أي أن هذا هو موضع السؤال: الرب والنبي.
ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه يسأل عن ثلاثة أمور: الرب، والدين، والنبي صلى الله عليه وسلم، ولا تنافي، فإن ما جاء في الأحاديث من ذكر الاثنين داخل تحت الثلاثة أو هو من جملة الثلاثة، فيكون العدد الأصغر داخلاً في العدد الأكبر أو من جزئيات العدد الأكبر، والثلاثة كلها ثابتة في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسؤال في القبر يكون عنها.
أي: ثم ينطلق به إلى بيت كان في النار ويقال: هذا مقعدك لو لم تؤمن، ولكن الله عصمك ووفقك فأبدلك به هذا البيت، فصرت من المسلمين، لأنك لو لم تكن مسلماً وكنت على الكفر لكنت في هذا المكان، لأن الكفار مكانهم في النار، وكل كافر له مكان في النار، ولكن من وفقه الله عز وجل وهداه ودخل في دين الله عز وجل فإنه يرى هذا المكان ثم يرى ذلك المكان؛ وذلك ليكون أعظم في سروره وفرحه وابتهاجه؛ لأنه إذا رأى المكان الذي سلم منه يزداد سروراً إلى سروره بسلامته من ذلك المكان الذي فيه العذاب، وحصول توفيقه بأن صار من أهل ذلك المكان الذي هو في الجنة والذي فيه النعيم المقيم.
قوله: [ (فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن) ].
أي: ليس لك ذلك، والمعنى أن الإنسان لا يرجع إلى الدنيا ولا يخبر أهل الدنيا بما حصل له، فالإنسان لا يخرج من قبره إلا عند البعث والنشور، ولكنه لفرحه أراد أن يبشر أهله، ولكن يقال له: اسكن، أي: فيما أنت فيه من هذا النعيم.
وهذا دعاء عليه بصيغة الخبر، أو هو إخبار عما حصل، ومعنى ذلك أنك لا دريت، ولا تبعت غيرك ممن سلكوا طريق السعادة إذا لم تدر.
ومعلوم أنه لا يعذب أحد إلا بعد إقامة الحجة عليه، وهذا الجواب لا يعني أنه ما عرف الحق أو ما بلغه الحق، لأنه لا يعذب إلا عند بلوغ الحق، كما قال الله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وهذا قد بلغته الرسالة، ولكنه اختار طريق الضلالة والكفر واستمر على ذلك حتى مات، فيقال: (لا دريت) أي ما حصل منك الدراية التي تنفعك والتي تفيدك، ولا تليت غيرك في الخير، بل تبعت غيرك في الشر.
قوله: [ (فيقال له: فما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس) ].
أي: ويسأل عن الرجل -وهو محمد صلى الله عليه وسلم- وماذا كان يقول فيه؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس. والمقصود بالناس هنا هم الذين ما وفقوا، وإلا فإن الذين وفقوا يشهدون بأنه رسول الله ويؤمنون به ويصدقونه ويتبعونه، ولكنه يقول ما يقول الناس الذين خذلوا كما خذل وتبعهم في الضلالة، أو تبع أبويه إذا كانا سبباً في غوايته وإضلاله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه).
قوله: (فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه).
يعني يضربه بمطرقة من حديد على رأسه، (فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين) يعني: إلا الجن والإنس الذين هم مكلفون؛ لأنهم لو علموا ما يجري في القبور لتغير حالهم، وهذا شيء مشاهد في الدنيا، فإن الناس إذا كان عندهم مريض يتألم ويئن فإنهم لا يهدءون ولا يرتاحون ولا يستسيغون أكل الطعام، وهم يحسون بالتألم الذي يحصل لذلك الإنسان بسبب شدة المرض الذي أصابه، فكيف بحصول عذاب في القبر.
وقد شاء الله عز وجل أن ينقسم الجن والإنس إلى فريق في الجنة وفريق في السعير، وشاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، وألا يكون علانية؛ ليتميز من يؤمن بالغيب ممن لا يؤمن به.
وغير الثقلين كالملائكة وكالحيوانات والبهائم يسمعون ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع ذلك، ولهذا جاء في أول الحديث أنه سمع العذاب ففزع.
وهو صدوق أخرج له أبو داود .
[ حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر ]
صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سعيد ].
سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد الحديث من طريق أخرى عن أنس ، وهو مثل الذي قبله لكنه ذكر فيه ملكين والأول ذكر فيه ملكاً، ولا تنافي بينهما، فيمكن أن يأتيا جميعاً ويحصل السؤال من واحد منهما والضرب من الآخر أو العكس، ويمكن أن يراد بالملك أيضاً الجنس، والحاصل أنه لا تنافي بين ذكر ملك وذكر ملكين، فإن العدد الأصغر يدخل في الأكبر.
قوله: [ (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم) ].
وهذا يدل على أن الإنسان وهو في قبره تعاد إليه روحه وتحصل المسائلة من الملكين، وأنه يسمع قرع نعال الذين قبروه إذا انصرفوا، وهذا لا يدل على أن كل ما يجري خارج القبر يعلم به صاحب القبر، وأن أصحاب القبور يسمعون كل شيء، بل يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، وقد ثبت هذا الذي جاء في الحديث، أما غير ذلك من الأمور الأخرى فإنها لا تثبت ولا تنفى، وإنما ترد إلى علم الله عز وجل ويقال: الله أعلم.
وأما أن ينفى كل شيء وقد صح به الحديث، أو يثبت كل شيء ولم يصح به الحديث؛ فهذا غير صحيح، وإنما يثبت ما ثبت ويسكت عما لم يثبت، فهذه هي الطريقة الصحيحة فيما يتعلق بسماع الأموات، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يدري ما أحدث المبدلون والمغيرون بعده، فهو في قبره صلى الله عليه وسلم وما عرف الشيء الذي حصل منهم بعده.
وأيضاً هذا الحديث لا ينافي ما جاء من أنه لا يمشى بالنعل في المقبرة كما في قصة صاحب السبتيتين: أن الرسول رأى رجلاً يمشي وعليه نعلان فقال: (يا صاحب السبتيتين! انزعهما) فإنه لا تنافي بين هذا وهذا، فإن المقبرة لا يمشى فيها بين القبور بالنعال، إلا إذا كان هناك أمر يقتضى ذلك، كأن تكون رمضاء أو يكون بها شوك أو غير ذلك، ويتحرز الماشي من أن يطأ قبراً، ويكون مشيه بين القبور وليس على شيء من القبور.
ويكون المشي بين القبور بالنعال فيما إذا كان هناك ممرات مخصصة في داخل المقابر من أجل أن ينفذ منها إلى القبور.
قوله: [ (فيأتيه ملكان) ].
اسم هذين الملكين: منكر ونكير، جاء هذا في حديث صحيح أو حسن.
ذكر في الرواية الأولى أنه يسمعها الخلق غير الثقلين، وسيأتي أنه يسمعه من بين المشرق والمغرب، أي أن قوله هنا: (يسمعها من وليه) لا يدل على أن السماع خاص بمن هم قريبون منه من غير الثقلين، بل جاء أنه يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلان، فيكون المقصود من ذكر الذين يلونه أنهم أقرب وأنهم يسمعون أكثر مما يسمع غيرهم، ولا يقال إن ذكر من وليه ينافي ما ذكر من سماع غيرهم.
زاد في حديث
قال هناد: قال: ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت.
زاد في حديث جرير : فذلك قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم:27] الآية.
ثم اتفقا قال: فينادي مناد من السماء: أن قد صدق عبدي؛ فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، قال: ويفتح له فيها مد بصره.
قال: وإن الكافر، فذكر موته قال: وتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، قال: فيأتيه من حرها وسمومها، قال: ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه.
زاد في حديث جرير قال: ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً، قال: فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً! قال: ثم تعاد فيه الروح
) ].أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه الطويل الذي فيه بيان ما يجري في القبر من السؤال ومن النعيم والعذاب.
أي: أن اللحد ما كان جاهزاً حتى يوضع الميت فيه، وكانوا لا يزالون يحفرون اللحد، واللحد يحفر في أسفل القبر إلى جهة القبلة بحيث لا يكون الميت تحت فتحة القبر.
فلما جاءوا والأمر كذلك جلس الرسول صلى الله عليه وسلم وجلسوا حوله ينتظرون، وكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم عود ينكت به مثل المهموم الذي ينكت ويخط في الأرض، ثم إنه أخبرهم وذكرهم بما يجري في القبر.
قوله: [ (وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاً) ].
وهذا فيه إثبات عذاب القبر والأمر بالاستعاذة منه، وقد ذكرنا أن الأحاديث جاءت في بيان عذاب القبر من وجوه عديدة، وقد بلغت التواتر.
قوله: [ (زاد في حديث
وهذا يدل على أن الإنسان يسأل في قبره فور دفنه، ولهذا ذكر أنه يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: من ربك؟ .. إلخ
وقوله: [ (حين يقال له: يا هذا! من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) ].
هذه هي الأسئلة الثلاثة التي تكون في القبر، وهي السؤال عن الرب، وعن النبي، وعن الدين.
وقد ألف فيها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها، وهو خاص بأسئلة عذاب القبر؛ لأن الأصول الثلاثة هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه، وتلك الرسالة قيمة لا يستغني عنها أحد لا عامي ولا طالب علم؛ لأنها مشتملة على هذه الأمور الثلاثة التي يسئل عنها في القبر بالأدلة.
وعندما يسأل الميت هذه الأسئلة ويجيب بتلك الأجوبة السديدة فإنه يقال له: كيف عرفت ذلك؟ فيقول: أنه قرأ كتاب الله وآمن وصدف بما فيه، فيفتح له باب من الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويوسع له في قبره حتى يكون مد بصره، وهذا كلها من أمور الغيب التي يجب التصديق بها، والإيمان بأن ذلك حق.
ثم ذكر الكافر وأنه يفتح له باب من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، أي: من عذاب النار وحرها وسمومها.
وهذا فيه دليل على أن عذاب النار يحصل لأصحاب القبور، وأن من كان مستحقاً لعذاب القبر وصله عذاب القبر في حياته البرزخية.
والعذاب يكون للروح وللجسد؛ لأن الإحسان حصل من الروح والجسد، والإساءة حصلت من الروح والجسد، فالعذاب يكون للروح والجسد، والنعيم يكون للروح والجسد، والجسد بدون الروح لم يحصل منه عمل، والروح بدون الجسد لم يحصل منها عمل، لكن باجتماع الروح والجسد حصلت الأعمال الصالحة التي يحصل الثواب عليها للروح والجسد، وحصلت الأعمال السيئة التي يكون العقاب عليها لمجموع الروح والجسد.
وقد وجد مما يوضح ذلك في الحياة الدنيا أن الجسد والروح تتنعمان، وكذلك يحصل لهما العذاب في الحياة الدنيا، ويكون الأشخاص متقاربين ومن حولهم لا يدرك ما حصل لهذا من العذاب ولهذا من النعيم، وذلك عندما يكونوا نائمين، ثم يحصل لهذا في نومه نعيم وراحة وأنس وسرور، والآخر بجواره يحصل له عذاب في نومه، ويحصل له حزن وخوف وذعر، وكل واحد لا يعلم ما بصاحبه، والناس الذين يكونون بجوارهما أيضاً لا يدركون الشيء الذي قد حصل لكل منهما، فهذه أمور مشاهدة في الحياة الدنيا تحصل للروح وللجسد، والنوم أخو الموت؛ لأنه يحصل للإنسان في نومه من هذه الأمور مثل ما يحصل له في موته وفي قبره من نعيم أو عذاب، فهذا مثال يوضح ما يجري في القبور، والناس لا يدركون كنهه وحقيقته في هذه الحياة الدنيا.
قوله: [ (قال: ويفتح له فيها مد بصره) ].
أي: أن قبره يوسع ويكون حيث ينتهي بصره، ومعلوم أن القبور بالنسبة لما يعقله الناس متجاورة ومتلاصقة، لكن أمور الآخرة غيب كما عرفنا، فهذا يفتح له باب إلى الجنة، وهذا يفتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له في قبره، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، والله على كل شيء قدير، والواجب التصديق، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله، والغيب هو كل ما غاب عن الأبصار مما لا يعرف إلا بالشرع، قال تعالى في مدح أهله والثناء عليهم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3]، فجعل من أول صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وليس إيمانهم مبنياً على مشاهدة ومعاينة.
الروح تعاد إلى الجسد عند السؤال، ولها اتصال بالجسد وانفصال منه، وتكون على صورة طير كما جاء في الحديث: (أن نسمة المؤمن على صورة طير تعلق بالجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر)، وهذا يدلنا على أن الروح تنعم وحدها، وأيضاً تنعم متصلة بالجسد، والعذاب والنعيم للروح والجسد كما عرفنا.
قوله: [ (ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري) ].
أي أنه يسأل عن ربه فيخبر بأنه ليس عنده جواب، وأنه لا يدري ماذا يقول.
كذب لأنه بلغته الرسالة، وبلغه العلم عن الرب والدين والنبي، ومع ذلك بقي على كفره، فيكون كاذباً أنه لا يدري، بل كان عالماً في الحياة الدنيا، ولكن الاستكبار والخذلان الذي حصلا له منعاه من الإيمان بالله عز وجل، والدخول في الدين، والشهادة بالألوهية لله عز وجل، والنبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كاذب فيما يقول، وإلا فقد وصله العلم والخبر عن الله وعن الدين وعن النبي.
ولهذا يؤتى له بالفراش من النار، والفراش هو الذي يكون تحته، ويلبس من النار، أي يكون له لباس من النار.
قوله: [ (وافتحوا له باباً إلى النار) ].
فيأتيه من حرها وسمومها، فيكون معذباً فيها وهو في قبره، كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
قوله: [ (ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) ].
وهذا مقابل المؤمن الذي وسع له في قبره حتى صار مد بصره، فهذا أفرش من الجنة، وهذا أفرش من النار، وهذا ألبس من الجنة وهذا ألبس من النار، وهذا فتح له باب من الجنة وهذا فتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له قبره حتى يكون مد بصره، وهذا يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله!
قوله: [ (زاد في حديث
ومن تعذيبه أيضاً أنه يضرب بهذه المرزبة التي لو ضرب بها الجبل لكان هذا حاله، ولذلك قال: (فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، قال: ثم تعاد فيه الروح).
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح: وحدثنا هناد بن السري ].
هناد بن السري أبو السري ، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو معاوية ].
محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المنهال ].
منهال بن عمرو ، وهو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن زاذان ].
وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن البراء بن عازب ].
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم ذكر الحديث من طريق أخرى، وأحال على ما سبق وأنه نحوه.
قوله: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الله بن نمير ].
عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأعمش حدثنا المنهال عن أبي عمر زاذان قال: سمعت البراء ].
وقد مر ذكرهم.
الجواب: الأحاديث وردت بأنه يسأل عن هذا الرجل، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] يدل على أن الناس في قبورهم يسألون ويفتنون، وهي ليست خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذه الأمة هي التي تسأل عن نبيها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رسالته عامة إلى الثقلين؛ لكن الآية بعمومها تدل على أن التثبيت يحصل في الدنيا وفي الآخرة، ومعلوم أن ذلك لمن حصل منه الإيمان، سواء كان من هذه الأمة أو من غيرها.
الجواب: معلوم أن إنكار عذاب القبر إنكار لشيء معلوم بالأحاديث الكثيرة المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالذي يكون عالماً به يخشى عليه أن يكون كافراً؛ لأن هذا مما تواترت به الأحاديث وجاءت وجاء به القرآن في قوله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، فعذاب القبر ثابت في هذه الآية الكريمة في حق آل فرعون : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
فالذي ينكر عذاب القبر فهو منكر لما جاء في القرآن، فتقام عليه الحجة ويبين له ما جاء في القرآن وما جاء في السنة، وإذا أصر على ذلك فالذي يظهر أنه يكون كافراً، لأنه مكذب بما جاء في القرآن، ومكذب بما جاء في السنن المتواترة.
الجواب: ذكر القبر هنا ليس له مفهوم من ناحية أنه لا يسأل إلا من كان مقبوراً، بل كل واحد يسأل، ولكن ذُكر القبر لأن الغالب على الناس أنهم يقبرون، والحالات الأخرى التي هي غير الدفن في القبور ليست بشيء بالنسبة لمن يدفن، وذلك كمن تأكله السباع، أو يغرق في البحر، أو تأكله الحيتان، أو يحترق بالنار ولا يبقى له رفات، فلا يقال إن هذا يسلم من عذاب القبر، فإن عذاب القبر سيصل إلى من يستحقه وإلى من هو أهل له، سواء قبر أو لم يقبر، والله عز وجل على كل شيء قدير، فهو قادر أن يوصل العذاب إلى من يستحقه وإن لم يقبر.
وأمور البرزخ تختلف عن أمور الدنيا، فعلى الإنسان أن يؤمن بما جاء به الوحي ويؤمن بالغيب وإن لم يدرك الكنه والحقيقة، ولا يكون الإنسان مؤمناً بالمشاهدة والمعاينة فقط، بل عليه الإيمان بالغيب، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما يجري في القبور من العذاب تسمعه البهائم، وقد سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخفى الله ذلك عن الجن والإنس، ولو ظهر لهم ذلك وأدركوا ما يجري في القبور من الأهوال لما تدافنوا.
وأيضاً: شاء أن يكون من الناس من يؤمن بالغيب، ومنهم من لا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة ولا يؤمن بالغيب، فشاء الله أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، حتى يتميز من يكون موفقاً ومن يكون مخذولاً، ولو حصل للناس ما يجري في الآخرة لما صار الناس إلى هذا الانقسام الذي شاءه الله من شقي وسعيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، كما ثبت في صحيح مسلم ، ولو سمعوا ما يجري في القبور لأصابهم الذعر والخوف وقد يحصل لهم الموت ولا يدفن بعضهم بعضاً لكثرة من يموت بسبب ذلك، فالله عز وجل شاء أن يخفى هذا على الناس وأن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا فإن البهائم والحيوانات تسمع بما يجري في القبور من العذاب، والجن والإنس لا يسمعون، كما جاء في بعض الأحاديث.
فالحاصل أن العذاب يصل إلى كل من يستحقه سواء قبر أو لم يقبر، ولا يقال: كيف يصل إليه وقد تفرقت أجزاؤه في البحر أو في البر؟ فإن الله على كل شيء قدير، وأمور الآخرة تختلف عن الدنيا، والواجب التصديق بكل ما جاء به القرآن والسنة من كل غيب، وعدم التردد في ذلك.
ومعلوم أيضاً أن من دفن فإن الأرض تأكله وتذهب أجزاؤه فيها، والله يعيد تلك الأجزاء من التراب: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:2-3]، وقال الله عز وجل: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، يعني: فنحن نستخرجهم من الأرض، فجميع الذرات التي اختلطت بالتراب يستخرجها الله تعالى، ويعود الجسم كما كان، كما جاء في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وقال لأولاده: (إذا أنا مت فأحرقوني وذروا نصف الرماد في البر ونصفه في البحر، فأخشى إن قدر الله علي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعلوا، فأمر الله عز وجل البحر بأن أخرج ما فيه، والبر أخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها).
ثم أيضاً لو فتح القبر لم نر جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودتان، وقد أري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف، ورأى العناقيد المتدلية، ومد يده، ورأى الصحابة يده تمتد ولم يروا ما مدت إليه؛ لأنهم ما رأوا الجنة، ولما عرضت عليه النار تكعكع ورجع القهقرى، ولما فرغ من صلاته سألوه فقال: (عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، ومددت يدي لآخذ عنقوداً منها ثم تركته، ولو أخذت منه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)، ولكن الله شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً ولا تكون علانية؛ ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن، ومن يكون من أهل الشقاء ومن يكون من أهل السعادة.
الجواب: منه ما هو دائم ومنه ما هو غير دائم، فالدائم كما جاء في القرآن في الكفار: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أي: فهم في عذاب مستمر، وإذا بعثوا انتقلوا من عذاب شديد إلى عذاب أشد، وأما في حق العصاة فلا يقال إنه دائم، فقد يمكن أن يحصل للإنسان نصيبه من العذاب في القبر وبعد ذلك يسلم، ولهذا فإن من مكفرات الذنوب ومن الأشياء التي يحصل بها التخلص من عذاب جهنم: عذاب القبر، فالإنسان يعذب في قبره فيكون ذلك هو نصيبه من العذاب، ثم بعد ذلك يدخل الجنة، وأيضاً: ورد ما يدل على التخفيف، كما جاء في قصة القبرين اللذين مر بهما الرسول صلى الله عليه وسلم وهما يعذبان في ذنبين: فأحدهما كان لا يستبرئ من البول، والثاني كان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، ووضع على كل قبر جريدة وقال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
وهذا الذي جاء في الحديث من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد بعده أن يضع زهوراً أو أن يضع شيئاً من الأشياء الرطبة أو النبات على قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم العذاب في القبر وعلم سبب العذاب، وغيره لا يعلم من يعذب ومن ينعم.
الجواب: نعم، فقد جاء في الحديث أنه يفتح للمؤمن باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.
الجواب: نعم، فالجواب يوفق له من كان مؤمناً، وأما من كان كافراً أو منافقاً فهذا لا يجيب بالجواب الحسن أبداً.
والذين ليس لهم إلا النار وليس لهم إلا العذاب هم المنافقون والكفار، وأما غيرهم من العصاة فيدخلون تحت مشيئة الله، فقد يتجاوز عن العاصي من عذاب القبر ومن عذاب النار، والله تعالى أعلم.
والذي يعذب في القبر بالنميمة هو مسلم ولم يكن كافراً؛ لأنه لو كان كافراً لعذاب بعذاب الكفر، والتخفيف إنما يكون لمن يعذب بسبب ذنب، والجواب في القبر يرجى أن يحصل من كل مسلم؛ لكن لا يقال إن من أجاب بالجواب السديد يسلم من عذاب النار، وأن كل المسلمين الذين ليسوا منافقين ولا كفاراً لا يعذبون في القبر، بل يمكن أن يتجاوز الله عنهم فلا يعذبون في القبر ولا في النار، ويمكن أن يعذبوا بعذاب القبر ويكفيهم عن عذاب النار، ويمكن أن يحصل لهم عذاب القبر وعذاب النار، مثل أصحاب الكبائر الذين يدخلون في النار ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، وبعفو أرحم الراحمين.
الجواب: الأنبياء -كما هو معلوم- هم الذين يسأل المكلف عنهم في القبور.
الجواب: قالوا: يكون أعمى أبكم حتى لا يرحمه؛ لأنه إذا كان يرى أو يسمع فقد يكون فيه شيء من الرحمة، ولكنه إذا كان لا يرى ولا يسمع فإنه يحصل منه العذاب، وليس عنده مجال للرحمة.
الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا، فهذه أمور غيبية لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل.
الجواب: الطريقة الصحيحة أن يدعو كل واحد للميت بأن يثبته الله عز وجل وأن يغفر له؛ هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يأتي واحد ليدعو والناس يؤمنون فلا.
الجواب: هذا شيء مع كونه غير صحيح لا فائدة من ورائه، لأن الإجابة عن أسئلة القبر لا تنبني على التلقين وأنه يقال له: اعمل كذا ولا تعمل كذا، فهذا أمر قد انتهى، والجواب إنما يكون سديداً بتثبيت الله عز وجل.
الجواب: إذا صح ذلك أو ثبت فإنه ممكن، وهو شيء موجود يمكن أن يطلع عليه، لكن ليس كل خبر يذكر يصدق، فقد تروى أخبار وليس لها أساس.
الجواب: هذا وارد في التقليد في الشر، فالذي يجيب بأنه سمع الناس يقولون شيئاً فقاله إنما هو فيما يتعلق بالكفر: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] فهذه هي الطريقة التي كانوا عليها.
الجواب: جاء عن أحد الصحابة أن البلاد لا تقدس أهلها، وإنما يقدس الإنسان عمله.
ولو دفن في البقيع شخص كافر أو منافق فهل ينفعه كونه دفن في البقيع؟ الجواب: لا ينفعه ذلك، وإنما ينفع الإنسان إيمانه وعمله الصالح، والمهم في الأمر أن يقدم الإنسان لنفسه عملاً صالحاً يلقاه، وسواء دفن في البقيع أو في غير البقيع، وأما أن يبتعد عن الله ثم يقول إن البقيع يشفع له، فهذه أماني كاذبة، وهذا من تلاعب الشيطان بالإنسان.
وقول السائل: (جنة البقيع) هذه من تعبير بعض عوام العجم، فهم يقولون: هذه جنة البقيع.
الجواب: يرجى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).
الجواب: الذي ينبغي أن يدفن في مكان بعيد من البحر إن أمكن ذلك، وأما إذا كانت الأرض كلها كذلك، وكان الأمر يقتضي ذلك، فلا بأس.
الجواب: الله تعالى أعلم، لكن الصلاة هنا قد تكون بمعنى الدعاء، كما جاء في الحديث أن موسى عليه السلام يصلي في قبره كما ثبت في الصحيح، فإذا ثبت ما ذكره السائل فيمكن أن يكون من هذا القبيل.
الجواب: ليلة النصف من شعبان لم يرد فيها شيء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان عليه أن يكون دائماً وأبداً على صلة بالله وأن يعبد الله عز وجل دائماً، فلا يخص شيئاً من الليالي والأيام إلا وفقاً للدليل، وإذا لم يأت دليل يدل على تخصيص بعض الليالي وبعض الأيام فإن على الإنسان أن يتقيد بما جاء في النصوص، فلا يحدث شيئاً ولا يعمل شيئاً لم تأت به النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت في ليلة النصف من شعبان شيء.
ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة اشتملت على أربع رسائل: رسالة الاحتفال بالنصف من شعبان، والاحتفال بالإسراء والمعراج، والاحتفال بالمولد النبوي، ورؤيا خادم الحجرة، وهي الرؤيا المكذوبة التي تروج بين حين وآخر، وهي مشتملة على الباطل والكذب.
فهذه الرسائل الأربع طبعت تحت عنوان التحذير من البدع، وقد ذكر أن ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان عليه أن يكون متبعاً وألا يكون مبتدعاً، فالشيء الذي ورد يأخذ به، والذي لم يرد يمسك عنه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
أولاً: في حديث الصور الطويل تسمية الذي ينفخ في الصور بأنه إسرافيل.
ثانياً: روى الطبراني في الأوسط تسميته أيضاً بإسرافيل، وقال الهيثمي: إسناده حسن.
ثالثاً: في كتاب العظمة لـأبي الشيخ بن حيان رويت آثار عن بعض السلف بأنه إسرافيل.
رابعاً: قال الطبري في تفسيره: تظاهرت الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه إسرافيل؟
الجواب: قال ابن كثير في التفسير عند تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:73] إنه لا يعلم وجوده في الصحيح، وأما حديث الصور فمعلوم أن فيه كلاماً، وأما هذا الذي ذكره عند الطبراني في الأوسط فنحتاج إلى معرفة مكانه منه؛ حتى يُعرف هل هو ثابت أو غير ثابت، فأنا لا أعلم شيئاً فيما يتعلق بأن إسرافيل ينفخ في الصور، وهو معروف مشهور عند الناس، ومشهور في كتب أهل العلم أنه إسرافيل.
وأيضاً كما قلت في التعليل في توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله جبريل وميكائيل وإسرافيل يذكر بعض أهل العلم أنهم موكلون بأنواع الحياة الثلاث، وأن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ولكن الشأن في الحديث الذي يثبت في ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر