إسلام ويب

معوقات على طريق سعادة الأسرةللشيخ : سعيد بن مسفر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة؛ لذا فإن صلاح الأسرة صلاح للمجتمع، وذلك يغيض أعداء الله عز وجل، مما جعلهم يسعون إلى تفكيك الأسرة وهدم كيانها وذلك بوضع المعوقات في طريق سعادة الأسرة، وهذه المعوقات تتمثل بالمخدرات والأفلام والرفقة السيئة وغيرها، ولكن من تمسك بهدي الله وبسنة رسوله نجا من تلك المعوقات وأسس أسرة صالحة تعين على صلاح المجتمع المسلم.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛

    الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    وأسعد الله أوقاتكم في الدنيا والآخرة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته.

    في البداية: أشكر مكتب الدعوة والإرشاد بمدينة الرياض على هذا النشاط من الدعوة، وعلى هذا الأسلوب الفريد، والذي يحصل به التجديد، وتحصل به المصلحة والفائدة، حينما يعيش المسلم يوماً إسلامياً متكاملاً يعايش فيه إخوانه، ويتعرف فيه على أحبائه، في أقدس البقاع، وفي أحب الأماكن إلى الله عز وجل، وليأخذ أنموذجاً من الحياة الإسلامية المتكاملة من بداية النهار إلى نهايته، لا ليعيش هذا اليوم فقط، ثم يرجع إلى حياته الأولى، حياة اللهو والعبث واللعب، ولكن ليقضي حياته الجديدة بعد ذلك اليوم بمثل ما قضاها في مثل هذا اليوم، طبعاً بإضافة العمل، لا نريد أن يُفهم من هذا أن يجلس الإنسان في المسجد طول حياته؛ لكن نقدم في يوم الإجازة أنموذجاً بكيف يُستغَل الوقت فيما ينفع، وفي أيام العمل نضيف ساعات العمل الرسمي أو ساعات الكسب المعيشي إلى برنامجنا، ونحن بهذا أيضاً نعبد الله عز وجل. فأشكرهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل ثوابها في موازين حسناتهم.

    ولما كان الموضوع متعلقاً بالأسرة، والمعوقات في طريق سعادتها، فإن هذا هو الموضوع المختار للحديث عنه.

    فالأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة، والمكونة من الأم، والأب، والأبناء، والبنات، وحينما تظلل تعاليمُ الإسلام هذه الأسرة فإنها تعيش في سعادة ورفاهية، مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها بالطرق الوقائية، وبالأساليب الشرعية، ذات الحلول الإيجابية.

    مسئولية الوالدين عن الأسرة

    إن ما نلاحظه في زماننا هذا، وفي كل زمان من التمزق الأُسَري، ومن الفشل العائلي، ومن تشرد الأبناء والبنات، وضياعهم، وإهمالهم، حتى يقضوا حياتهم في غاية البؤس والضياع والفشل والسقوط، وما نشاهده هو نتيجة لجهل الأبوين، وهما قطبا الأسرة، مع نوع من الأفضلية، فالأب: هو المدير العام لشركة الأسرة، والأم: هي نائبة للمدير العام، والأولاد والبنات: هم العاملون في هذه الشركة، والله عز وجل يقول في مسئولية الأسرة: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ويقول في قضية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... [البقرة:228] ثم قال: (...وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].

    لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟

    المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟

    بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا. ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك.

    ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة .. في الاجتماع.. في الاقتصاد .. في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان..جانب الدين..جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراً تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة.

    ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.

    فضل حِلَق الذكر

    حتى تعيش الأسر في سعادة وراحة وأمن واطمئنان، فإن هناك أسباباً، ووسائل، وأيضاً هناك موانع ومعوقات تحول دون تحقيق السعادة لهذه الأسر، وتؤدي إلى تحطيم كيانها، وزعزعة سعادتها، وهي كثيرة جداً، ولكن الإخوة المشرفين على هذه الندوة، وعلى هذا اليوم الإسلامي المبارك، الذي تقطفون فيه من الحسنات منذ أن دخلتم من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة -بإذن الله- ما يُسجَّل على واحد منكم سيئة واحدة في ديوان السيئات -بإذن الله عزَّ وجلَّ- إذْ كيف يُسجل عليك سيئات وأنت جالس مع الله! تذكر الله .. تأكل باسم الله .. تقوم إلى الصلاة .. تسمع العلم .. يدخل في رأسك كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومن أين تأتيك المعاصي؟! ما نظرتَ إلى حرام! وما سمعتَ حراماً! وما تكلمت بحرام! وما آذيتَ مسلماً! فأنت في روضة من رياض الجنة، والملائكة منذ أن دخلتَ وهي تصلي عليك وتقول: اللهم اغفر له .. اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتخرج وأنت (مليونير) في الحسنات، هذه نعمة أم ليست بنعمة يا إخوان؟!

    وكثير من الناس يقضي مثل هذا اليوم؛ لكنه يقضيه في معصية، وفي لعنة، وفي غضب -والعياذ بالله- يذهب إلى الوديان، وإلى الجبال، ولا مانع من أن يذهب إذا كان في أمرٍ حلال؛ لكن يذهب ومعه المنكرات والمعاصي، والدخان والشِّيشة، والأفلام والتبرج -والعياذ بالله- وضياع الصلوات، واللعن والسب، والكلام الساقط، ويرجع وهو (مليونير) في السيئات، متوج بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.

    أنت في يوم وهو في يوم، لكن شتان ما بين اليومين مثل ما بين السماء والأرض، يوم معك فيه الملائكة، يوم يباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى؛ لأنك جالس في مجلس ذكر، والحديث في صحيح البخاري: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سَوَّاحة -متجولـة- تطوف حلق الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل، فيسألهم وهو أعلم: كيف وجدتُم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يهللونك ويسبحونك ويقدسونك، فيقول الله: فما وجدتموهم يسألونني؟ فيقولون: وجدناهم يسألونك الجنة؟ فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا لها طلباً وفيها رغبة، فيقول الله عز وجل: فما وجدتموهم يستعيذون بي؟ -اللهم إنا نستعيذ بك من عذابك ومن النار- فيقولون: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول الله: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وخوفاً، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرتُ لهم)

    اللهم إنا نسألك من فضلك في هذه الساعة يا ربي أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تغفر ذنوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وجيراننا وجميع إخواننا المسلمين.

    ودائماً -يا أخي!- إذا دعوتَ فكبِّر الدعوة، لا تجعلها صغيرة، إذا دعوت فادعُ لك، ولوالدَيك ولإخوانك، ولزوجاتك ولذرياتك، ولجيرانك ولجميع المسلمين، وقد تقول: إنها كثيرة، لكن ما عند الله أكثر، ليس كثيراً على الله، اطلب فإنك تطلب غنياً، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلتَ إبرة الخياطة في البحر وأخرجتها هل تنقص البحر؟ اذهب وقس طرف البحر وانظر كم نقَّصت الإبرة، لا إله إلا الله! وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] غني عظيم، ولذا إذا طلبت الغني فكثِّر واطلب، والله عز وجل يحب العبد الملحاح، ويحب الذي يُكثر الدعاء؛ لأنه غني تبارك وتعالى، نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته.

    - المعوقات التي تحطم كيان الأسرة :-

    إن هناك معوقات كثيرة، اختار الإخوة المشرفون على المجلس وعلى اليوم الإسلامي منها ثلاثة فقط، وهي:

    أولاً: المخدرات.

    ثانياً: الأفلام.

    ثالثاً: الأصدقاء.

    هذه قنابل على الأسرة، هذه معاول في هدم كيان الأسر وسعادة الأسر: المخدرات..الأفلام.. والأصدقاء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521748

    عدد مرات الحفظ

    777103276