إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [484]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد نهى الشرع الحكيم عن تهييج بعض الأقوام الذين يكون في تهييجهم شراً على الإسلام والمسلمين كالترك والحبشة، فهلاك الكعبة وضياع كنزها يكون على يدي رجل من الحبشة يقال له: ذو السويقتين، وذلك في آخر الزمان. وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة لن تقوم حتى تظهر آيات قبلها، ومن هذه الآيات ما هي مألوفة للبشر كالدجال وعيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج؛ لأن هؤلاء بشر، ومنها ما هو غريب ولا عهد للناس بها، وهناك خلاف بين العلماء في ترتيب وقوع هذه الآيات.

    شرح حديث: (دعوا الحبشة ما ودعوكم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة.

    حدثنا عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن السيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (دعوا الحبشة ما ودعوكم، واتركوا التُّرْك ما تركوكم) ].

    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في النهي عن تهييج الترك والحبشة، والترك هم: جيل من الناس في الجهة الشرقية، وقد وردت الأحاديث في ذكر صفاتهم وأنهم عراض الوجوه، صغار العيون، دلف الأنوف، وجوههم كأنها المجان المطرقة، وليس المقصود بهم ما اشتهر في هذا الزمان من الأتراك في تركيا، وقد يكون هؤلاء من جملتهم، ولكن المقصود بهم خلق من الناس هذه صفاتهم وهم في الشرق، ويذكرون في بعض التراجم: وهو من الترك، أو: وهو من بلاد الترك.

    والحبشة هم: جيل من الناس في إفريقيا، وهي بلد النجاشي .

    وقوله في الترجمة: تهييج، التهييج: هو الإثارة، وقد نهي عن تهييج الترك والحبشة.

    ثم أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم)، والتَّرْك والودع بمعنى واحد، وقد ذكر التَرْك مع التُرك، ومعناه: اتركوهم ما تركوكم، وودع: فعل ماض، ومضارعه يدع، وأمره دع، وهو قليل الاستعمال في الماضي، وأما المضارع والأمر منه فكثير.

    وقد جاء في القرآن والسنة الأمر بقتال الكفار مطلقاً، وهذا الحديث فيه الأمر بتركهم مدة تركهم، أي: اتركوهم ما داموا تاركين لكم، وإذا اعتدوا عليكم فالدفاع أمر مطلوب، قال بعض أهل العلم: إن هذا مخصص للنصوص الدالة على قتال الكفار مطلقاً؛ وذلك لشدة بأسهم وقوتهم وحقدهم الشديد على المسلمين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (دعوا الحبشة ما ودعوكم...)

    قوله: [ حدثنا عيسى بن محمد الرملي ].

    عيسى بن محمد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.

    [ حدثنا ضمرة ].

    هو ضمرة بن ربيعة ، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

    [ عن السيباني ].

    هو يحيى بن أبي عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.

    [ عن أبي سكينة ].

    مختلف في صحبته، وقد ذكر الشيخ الألباني أنه روى عنه ثلاثة من التابعين، أخرج له أبو داود والنسائي.

    [ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].

    هو مبهم غير معين، ومعلوم أن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم المجهول فيهم في حكم المعلوم، وليسوا كغيرهم يحتاجون إلى معرفة أحوالهم وثقتهم وعدالتهم أو ضعفهم؛ لأن الله تعالى أثنى عليهم، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم لا يحتاجون مع ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين؛ ولهذا أشار العلماء إلى أن الشخص إذا كان معروفاً بالصحبة فيكتفي بأن يقال عنه: إنه صحابي، فلا يتكلمون عنه، ولا يبينون شيئاً عن حاله، بل يكفيه شرفاً أن يقال عنه: صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان له منقبة وفضيلة خاصة كأن يكون بدرياً أو من أهل بيعة الرضوان أو أي صفة من الصفات التي فيها زيادة فضل فإنهم يضيفون إلى الصحبة ما يوضح ذلك بأن يقولوا: صحابي شهد بدراً، أو صحابي من أهل بيعة الرضوان، ونحو ذلك، وأما أن يقال عنه: ثقة أو نحو هذا، فهذا لا يوجد، وليس من دأب العلماء المصنفين في الرجال أن يقولوا عن صحابي: ثقة؛ لأن من وثقه الله ورسوله وأثنى عليه الله ورسوله لا يحتاج إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين بعد الثناء العظيم من الله عز وجل ومن رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا لا تضر الجهالة فيهم، فإذا قيل: عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، أو عن رجل صحب النبي عليه الصلاة والسلام فإن ذلك كافٍ في الاعتماد على ذلك القول إذا كان الإسناد إليه صحيحاً، وأما من دون الصحابي فجهالته تؤثر، وقد ذكر الخطيب البغدادي في (الكفاية) أن كل راوٍ من رواه الإسناد لابد من معرفة حاله وصفته وعدالته أو ضعفه إلا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم لا يحتاجون إلى ذلك.

    وهذا الحديث صححه الألباني ، وله شواهد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088558496

    عدد مرات الحفظ

    777319035