إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [478]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إخباره عن فتن تقع في آخر الزمان، والتي يكون كل قتلاها في النار، والناس فيها على مراتب، فالقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي والساعي إليها، وخير الناس من كف لسانه ويده حتى يقتل في قعر بيته.

    شرح حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة.

    حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن عثمان الشحام قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس، والجالس خيراً من القائم، والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي، قال: يا رسول الله! ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على حرة ثم لينج ما استطاع النجاء) ].

    أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في النهي عن السعي في الفتنة ]، يعني: الدخول فيها والعمل على وجودها وإذكاء نارها، والحرص على حصولها، هذا هو السعي في الفتنة، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل أو بالتحريض والتهييج وحصول الكلام الذي يحرك الناس ويجعلهم يقدمون على الفتن، ويقومون بفعل الفتن والمشاركة فيها، كل ذلك سعي في الفتنة، فالداخل في الفتنة بفعله هو ساع في الفتنة، والداعي إليها والمحرض عليها والمهيج إليها ومحرك الناس إليها أيضاً كذلك هو ساع في الفتنة، وكل ذلك لا يجوز، ومن حظ المسلم الناصح لنفسه ألا يكون سبباً في الفتنة، وألا يتسبب في الفتن، وألا يثير فتنة، ومن سوء حظه أن يثير الفتن، وأن يكون سبباً في وجودها وإيقاد نارها وحصول الضرر بها.

    أورد أبو داود حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستكون فتنة يكون الجالس فيها خيراً من القائم) يعني: كل من كان أبعد عنها فهو خير ممن هو أقرب إليها، فالقاعد فيها الذي ما تحرك ولكنه دخل فيها خير من القائم؛ لأن القاعد دون القائم الذي يرى ما لا يرى القاعد، ويبصر ما لا يبصر القاعد، فالقاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي.

    قوله: [ (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع خيراً من الجالس) ] المضطجع الذي ما دخل فيها، ولا نظر إليها، ولا فكر فيها.

    قوله: [ (والقائم خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي)]، الذي يجري ويركض ويسرع من أجل الفتن وإذكائها وإيقاد نارها وحصولها، فالناس متفاوتون، وكل من كان أبعد عن الفتن فهو أسلم من غيره.

    قوله: [ (قال: ما تأمرني؟ قال: من كانت له إبل فليلحق بإبله) ]، يعني: في الفلاة، ليعتزل ويبتعد عن هذه الفتن، فيكون في البر مع إبله يرعاها ويشرب من لبنها، أو مع غنمه إذا كان له غنم يرعاها ويشرب من درها، أو له أرض يغرسها ويزرعها ويكون بعيداً عن الفتن، وبعيداً عن المصائب التي تحل بالناس.

    قوله: [ (فمن لم يكن له شيء من ذلك؟) ]، يعني: لا يستطيع العزلة ولا الذهاب؛ لأنه ليس له شيء يخرج إليه وينشغل به، فهو يحذر أن يقع في الفتنة، وإذا كان له سيف فليعمد إلى حرة فليضرب به عليها ليكون ذلك فيه اطمئنانه إلى عدم دخوله في الفتنة، وعدم استعماله السيف لقتل المسلمين في الفتن، معنى ذلك كله: التحريص على الابتعاد عن الفتنة، وألا يكون عنده الوسائل التي تجعله يدخل فيها، وهو إما أن يكون ذلك إشارة إلى ابتعاده عن الفتن، أو أنه يحصل ذلك فعلاً حتى لو أراد أن يدخل لم تكن عنده الوسيلة أو القدرة التي يكون مشاركاً فيها، وكل ذلك حث على الابتعاد عن الفتن، والحذر من الوقوع فيها، ومن الدعوة إليها، ومن التحريض عليها؛ لأن كل ذلك من السعي في الفتن.

    تراجم رجال إسناد حديث (إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيراً من الجالس)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

    [ حدثنا وكيع ].

    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عثمان الشحام ].

    عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ قال: حدثني مسلم بن أبي بكرة ].

    مسلم بن أبي بكرة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ عن أبيه ].

    هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا مفضل عن عياش عن بكير عن بسر بن سعيد عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال: (فقلت: يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن كابني آدم، وتلا يزيد : لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ.. [المائدة:28] الآية) ].

    أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وهو يتعلق بالذي قبله، من حيث الفتنة وحصولها، قال: (أرأيت إن بسط يده إلي ليقتلني؟ قال: كن كابني آدم) يعني: ابني آدم أحدهما أراد أن يقتل الآخر، والثاني قال: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28] فكونك تكون مقتولاً خير من أن تكون قاتلاً، وهذا يكون وإذا صار الإنسان كذلك فهو شيء محمود، وإن أراد أن يدافع عن نفسه فليدفع بما هو أسهل وبما هو أخف، ولا يلجأ إلى الأشد إلا إذا لم يجد بداً من ذلك، ولكن كونه يكون مقتولاً أو معتدى عليه أو مظلوماً خير من أن يكون ظالماً.

    تراجم رجال إسناد حديث (... أرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده ليقتلني...)

    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي ].

    يزيد بن خالد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ حدثنا مفضل ].

    هو مفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عياش ].

    هو عياش بن عباس ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن بكير ].

    هو بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن بسر بن سعيد ].

    بسر بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي ].

    حسين بن عبد الرحمن الأشجعي مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ أنه سمع سعد بن أبي وقاص ].

    سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه(... قتلاها كلهم في النار ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي حدثنا شهاب بن خراش عن القاسم بن غزوان عن إسحاق بن راشد الجزري عن سالم حدثني عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه وابصة ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر بعض حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: (قتلاها كلهم في النار) ، قال فيه: قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج، حيث لا يأمن الرجل جليسه، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان رضي الله عنه طار قلبي مطاره، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك رضي الله عنه فحدثته، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله عنه ].

    أورد أبو داود حديث ابن مسعود وحديث خريم بن فاتك رضي تعالى الله عنهما وهو يتعلق بحديث أبي بكرة المتقدم قال: (قتلاها كلهم في النار) يعني: القاتل والمقتول كلهم في النار.

    قوله: [ قلت: متى ذلك يا ابن مسعود ؟ قال: تلك أيام الهرج ].

    الهرج الذي هو كثرة القتل.

    قوله: [ حيث لا يأمن الرجل جليسه ].

    يعني: تكثر الخيانة وتقل الأمانة، ولا يأمن الإنسان جليسه، فقد يعتدي عليه، وقد يكون سبباً في الاعتداء عليه.

    قوله: [ قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك ويدك ].

    يعني: لا تطلق لسانك في الفتنة ولا تمد يدك إليها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) .

    قوله: [ وتكون حلساً من أحلاس بيتك ].

    يعني: تلازم البيت، والحلس هو الفراش والوطاء الذي يوضع في البيت، فهو ثابت في البيت حتى يحرك من مكانه، ويقال للإنسان: (حلس بيته) إذا كان ملازماً له كالفراش الذي هو ملازم للأرض ولا يتحرك منها إلا إذا حرك من مكان إلى مكان، وهذا فيه إشارة إلى الابتعاد عن الفتنة، وأن الإنسان لا يكون مع أهلها وإنما يكون ملازماً لبيته.

    قوله: [ فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره ].

    يعني: حصل خوف من أن تكون هذه هي الفتنة قد وقعت، وقد حصلت.

    قوله: [ فركبت حتى أتيت دمشق فلقيت خريم بن فاتك فحدثته فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ].

    تراجم رجال إسناد حديث النهي عن السعي في الفتنة وفيه (... قتلاها كلهم في النار ...)

    قال: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].

    عمرو بن عثمان هو الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ حدثنا أبي ].

    أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ حدثنا شهاب بن خراش ].

    شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .

    [ عن القاسم بن غزوان ].

    القاسم بن غزوان مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ عن إسحاق بن راشد الجزري ].

    إسحاق بن راشد الجزري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

    [ عن سالم ].

    قال الحافظ : يحتمل أن يكون ابن أبي الجعد وهو ثقة، أو ابن أبي المهاجر ثقة، أو ابن عجلان ثقة، وإلا فمجهول، أخرج له أبو داود .

    يعني: أنه مهمل ذكر اسمه ولم يذكر اسم أبيه، ويقال له: مهمل، وهو يحتمل هؤلاء الثلاثة، وإلا فيكون مجهولاً غير معروف.

    [ حدثني عمرو بن وابصة الأسدي ].

    صدوق أخرج له أبو داود .

    [ عن أبيه وابصة ].

    هو وابصة بن معبد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

    [ عن ابن مسعود ].

    هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود؛ لأن فيه تسعة أشخاص، وأربعة منهم أخرج لهم أبو داود وحده، وهم: شهاب والقاسم وسالم وعمرو بن وابصة .

    فهؤلاء تسعة أشخاص، وهذا من أطول الأسانيد عند أبي داود ، وأعلى الأسانيد عنده أربعة.

    [ فلقيت خريم بن فاتك ].

    خريم بن فاتك صحابي، أخرج له أصحاب السنن، لكنه في طبقة الصحابة فهو وابن مسعود في طبقة واحدة.

    الجمع بين قوله: (المقتول خير من القاتل) وقوله: (قتلاها كلهم في النار)

    قد يرد سؤال هو: كيف نجمع بين هذا وحديث: (المقتول خير من القاتل)، وهنا قال: (قتلاها كلهم في النار

    الجواب: هذا الحديث ضعفه الألباني ، ولو صح فإنه مثلما في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه).

    شرح حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قِسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل -يعني: على أحد منكم- فليكن كخير ابني آدم) ].

    أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو متفق مع مواضع من مع الأحاديث التي مرت.

    [ قوله: (إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم) ].

    القسي هي: الأقواس التي هي من أدوات الحرب في ذلك الوقت.

    قوله: [ (وقطعوا أوتاركم) ]، الأوتار هي للأقواس.

    قوله: [ (واضربوا سيوفكم بالحجارة)، ] معناه: حتى لا يكون عندكم سلاح، ولا يكون هناك مجال للمشاركة في الفتنة.

    قوله: [ (فإن دخل على أحد منكم) ] ، يعني: في بيته، وأريد قتله، فليكن كخير ابني آدم الذي قال: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة:28-29].

    تراجم رجال إسناد حديث (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم ...)

    قوله: [ حدثنا مسدد ].

    هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ].

    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن محمد بن جحادة ].

    محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الرحمن بن ثروان ].

    عبد الرحمن بن ثروان صدوق ربما خالف، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

    [ عن هزيل ].

    هزيل ثقة مخضرم، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

    [ عن أبي موسى الأشعري ].

    هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...)

    قال الإمام المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن عون بن أبي جحيفة عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر رضي الله عنهما في طريق من طرق المدينة، إذ أتى على رأس منصوب فقال: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا، فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) ].

    أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلاً قال: كنت مع ابن عمر في طريق من طرق المدينة، ومر على رأس منصوب، يعني: أنه قد قتل، فقال ابن عمر: (شقي قاتل هذا، ثم لما أدبر قال: وما أرى هذا إلا قد شقي) يعني: المقتول.

    ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا).

    أي: أن المقتول يمد رقبته له؛ لأنه إذا قتل يكون في الجنة والقاتل يكون في النار ويبوء القاتل بإثمه وإثم القتيل، كما قد حصل من أحد ابني آدم الذي قتل أخاه.

    قوله: [ (فليقل هكذا) ] قال في الشرح: هو إشارة إلى مد عنقه، والحديث ضعيف، ففيه عبد الرحمن بن سميرة وهو مقبول ثم أيضاً قوله: (من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله، فليقل هكذا فالقاتل في النار والمقتول في الجنة) . إذا كان المقصود به المقتول فهذا لا يكون متفقاً مع ما جاء في آخر الحديث من قوله: شقي قاتل هذا، فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي.

    أي المقتول، وهذا لا يتفق مع الاستدلال الذي جاء في الآخر، وما ذكره في عون المعبود من أن المقصود به ابن الزبير يرد عليه بأمرين: الأمر الأول: أن ابن الزبير كان في مكة وليس في المدينة.

    والأمر الثاني: لا يمكن أن يقال في ابن الزبير : قد شقي .

    قوله: [ أتى على رأس منصوب ] .

    يعني: مقتول ومصلوب كله أو أن الرأس نفسه معلق على حدة.

    وقوله: [ فلما مضى قال: وما أرى هذا إلا قد شقي]، لا يعتبر تأكيداً لكلامه السابق؛ لأنه قال (وما أرى هذا) أي: المقتول (إلا قد شقي)، وهذا يمكن أن يتفق مع حديث: (القاتل والمقتول في النار) ، الذي سيأتي، لكن كونه يأتي بعده : (القاتل في النار والمقتول في الجنة)، لا يتطابق مع هذا الكلام، وأيضاً كونه يفسر بـابن الزبير أيضاً لا يستقيم.

    تراجم رجال إسناد حديث (... من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا ...)

    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

    هو أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا أبو عوانة ].

    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن رقبة بن مصقلة ].

    رقبة بن مصقلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة أخرج له في التفسير.

    [ عن عون بن أبي جحيفة ].

    عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الرحمن -يعني ابن سميرة - ].

    عبد الرحمن بن سميرة مقبول أخرج له أبو داود وحده.

    [ عن ابن عمر ].

    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    [ قال: أبو داود : رواه الثوري عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ].

    يعني: هذه النقول التي بعد ذلك فيها اختلاف في أبي عبد الرحمن ، هل هو سمير أو سميرة أو سبرة، يعني عدة وجوه قيلت في اسم أبي عبد الرحمن هذا.

    [ قال: أبو داود رواه الثوري ].

    الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عون عن عبد الرحمن بن سمير أو سميرة ].

    هذا شك: سمير أو سميرة .

    [ ورواه ليث بن أبي سليم عن عون ].

    ليث بن أبي سليم صدوق اختلط جداً، فلم يتميز وترك. أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن عون عن عبد الرحمن بن سميرة ].

    عون عن عبد الرحمن بن سميرة ، وهذا مطابق لما هو موجود.

    [ قال أبو داود: قال لي الحسن بن علي ]

    الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي .

    حدثنا أبو الوليد -يعني: بهذا الحديث- عن أبي عوانة وقال: هو في كتاب ابن سبرة وقالوا: سمرة وقالوا: سميرة هذا كلام أبي الوليد ].

    معناه: أنه اختلف، وحاصل الكلام: أنه كله يدور حول الاختلاف في والد عبد الرحمن الذي يروي عن ابن عمر .

    شرح حديث (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، -فذكر الحديث، قال فيه-: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل عليَّ بيتي، قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه).

    قال: أبو داود : لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد ].

    أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر) نداء له حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما سيلقى عليه، وقول أبي ذر رضي الله عنه في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لبيك يا رسول الله وسعديك) هذه إجابة يجيب بها من دعي وهي إجابة حسنة جميلة فيها أدب، ولبيك بمعنى: الإجابة، أي: أن من ينادى يجيب بهذا الجواب وهو جواب حسن، معناه: نعم أنا أجيبك وأنتظر لما تريد، أو مستعد لما تريد مني، وهذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يجعل ذلك المنادى على انتباه وتأهب لإلقاء الشيء الذي سيقوله له، بخلاف ما لو قال: كذا وكذا قبل أن يقول ذلك فإنه لا يكون مثل الأول في التهيؤ والاستعداد لتلقي ما يلقى عليه ولاستيعاب ما يلقى عليه.

    قوله: [ فذكر الحديث ] يعني: أن فيه اختصار، ولم يسرد أبو داود الحديث كله على ما جاء، وإنما أتى بشيء يتعلق بالفتن.

    قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف -يعني: القبر-؟)، البيت هنا المقصود به القبر يكون بالوصيف، وفسر الوصيف بأنه القبر نفسه، يعني: لا يوجد مكان يقبر فيه فيحتاج الناس إلى أن يشتروا مكاناً يقبرون فيه، والوصيف هو العبد، معناه: أن القبر سيكون شيئاً ذا قيمة وفسر أيضاً بأن الناس يشغلون عن دفن موتاهم حتى يكون الذي يتولى ذلك شخص تكون أجرته على ذلك أن يعطى عبداً، وهناك تفسير آخر ذكره في عون المعبود قال:

    وقيل معناه: أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وخلو أهلها منها، وتباع من ورائهم رخيصة فتكون قيمة البيت رخيصة كقيمة العبد هذه أقوال قيلت في تفسير أن البيت يكون بالوصيف.

    وقيل أيضاً: معناه: أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت، يعني: ليس كلهم هلكوا، وإنما هلك كثير منهم وبقي أناس ضعفاء يقوم على خدمتهم ذلك العبد.

    ويؤيد التفسير الأول ما ورد في رواية مشكاة المصابيح: (كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد، حتى إنه يباع القبر بالعبد).

    البيت يقال له: بيت؛ لأنه منزل، كما أن بيوت الناس التي يسكنونها في الدنيا يقال لها: منازل وبيوت، والقبر يقال له بيت لأنه مسكن للميت يكون فيه؛ ولهذا جاء عن المعمر بن علي البغدادي الذي توفي سنة خمسمائة وسبع من الهجرة، وكان قد نصح زعيماً كبيراً في الدولة، وكان الملك قد فوض إليه أمور الدولة، فكان مما نصحه المعمر بن علي البغدادي وهي نصيحة بليغة عظيمة، قال له بعد أن سلم عليه ودعا له: إن من كان في ولاية فإنه ليس مخيراً بالقاصد والوافد، إن شاء وصل وإن شاء فصل، وإنما عليه أن يفتح بابه، وأما من كان ليس في ولاية فهو مخير إن شاء فتح بابه وإن شاء أغلق بابه؛ لأنه غير مسئول، ثم قال: لأن من كان على الخليقة أمير فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه وأخذ ثمنه، فلم يكن له في نهاره ما يتصرف فيه باختياره، وليس له أن يصلي نفلاً ولا أن يدخل معتكفاً ؛ لأنه أصبح مسئولاً ومرتبطة به حاجات الناس فلا يفعل النوافل ويترك الفرائض؛ لأن القيام بمصالح الناس فرض، وكونه يعتكف أو يصلي هذا نفل، أو يصلي نفلاً غير واجب، والفرض يقدم على النفل.

    وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم أنه قال: من اشتغل بالفرض عن النفل فهو معذور، ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور. ثم ذكر له كلاماً حول مسئوليته وما أناطه به ذلك الملك، وذلك الإمام وختم ذلك بقوله: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. وهذا محل الشاهد الذي أوردت القصة من أجله؛ لأن هذا بيت وهذا بيت، والبيت في الدنيا عمارته بنيانه وإقامته، والقبر عمارته بالأعمال الصالحة التي يقدمها الإنسان ليجدها إذا أدخل ذلك الذي هو القبر.

    وهذه قصة جميلة ذكرها الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة في ترجمة المعمر بن علي البغدادي وذكر أيضاً أنه لما نصحه أعطاه مقداراً كبيراً من الدنانير، وقال: وزعها على المساكين، فامتنع عن أخذها وقال: المساكين على بابك أكثر منهم على بابي.

    قوله: [ قال: (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف- يعني: القبر-؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله) ].

    يعني: الله ورسوله أعلم، أو ما اختار الله لي ورسوله، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يخبره بشيء يسلكه، وطريق يتخذه وعمله يعمله.

    قوله: [ (قال:عليك بالصبر)]، يعني: هذا الذي عليه أن يفعله، (عليك بالصبر أو قال: تصبر) .

    قال في عون المعبود: تصبّر، يعني: عليك أن تصبَّر، واعمل أو اجتهد في حصول التصبر الذي يكون بمثابة معالجة ومجاهدة النفس على الصبر وعدم المشاركة في الفتنة.

    قوله: [ (ثم قال لي: يا أبا ذر ! قلت: لبيك وسعديك، قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟!)]، أحجار الزيت مكان حول المدينة، وفسر هذا بفتنة الحرة التي حصلت على يد شخص يقال له: مسلم بن عقبة المري .

    قوله: [ (قلت: ما خار الله لي ورسوله قال: عليك بمن أنت منه) ]، لا أدري ماذا يراد بها، اللهم إلا أن يكون المقصود به ملازمة الأرض؛ لأن الإنسان من الأرض، ومثل هذا يقال له: ما أنت منه؟ لأن من للعاقل، وما لغير العاقل، فلا أدري ما المراد بها، وقال بعد ذلك: (تلزم بيتك)، يعني: جاء التوضيح فيما بعد أنه يلزم بيته ويكون حلساً من أحلاس بيته.

    قال العظيم أبادي : (عليك بمن أنت منه) أي: الزم أهلك وعشيرتك الذين أنت منهم.

    والمقصود من ذلك أنه يلزمهم، ويبقى معهم في البيت، ويكون مع من بقي ولم يشتغل في الفتنة، لكن كونه في يوم إذا أهله شاركوا في الفتنة لا يكون معهم، ولكن المقصود من ذلك: أنهم إذا ابتعدوا عن الفتنة ولزموا الأرض فأنت الزمها معهم، أما كونه يكون معهم حيث كانوا فقد يشارك، اللهم إلا إن كان المقصود به النساء والصغار الذين هم ليسوا من أهل المشاركة، وإنما هم باقون في البيوت، والحاصل أنه يبقى في البيوت مع من لا يقاتل.

    وقيل المراد (بمن أنت منه) : الإمام، أي: الزم إمامك ومن بايعته، وكذلك أيضاً هذا المعنى مستقيم.

    قوله: [ (قلت: يا رسول الله! أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: قد شاركت القوم إذاً) ] ما دام أنه أخذ السيف ووضعه على عاتقه فقد وجدت المشاركة، ويدل على المشاركة كون الإنسان يضع سيفه على عاتقه، فهو مستعد أنه يقابل، ومستعد أنه يلاقي.

    قوله: [ (قال: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه) ].

    قوله: [ (يبهرك شعاع السيف) يعني: شعاعه وبريقه ولمعانه، (فضع ثوبك على وجهك) حتى لا ترى هذا الشيء، وإذا قتلك فقد باء بإثمك وإثمه، وأنت تكون من أهل الجنة وهو من أهل النار.

    [ قال أبو داود : لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد ].

    هذا يتعلق بالإسناد، يعني: أن المشعث الذي ذكره هو حماد بن زيد .

    تراجم رجال إسناد حديث (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...)

    قوله: [ حدثنا مسدد ].

    هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ حدثنا حماد بن زيد ].

    حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي عمران الجوني ].

    أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.

    [ عن المشعث بن طريف ].

    المشعث بن طريف مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

    [ عن عبد الله بن الصامت ].

    عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن أبي ذر ].

    أبو ذر رضي الله عنه جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث صححه الألباني ، وفيه هذا المقبول، لكن لعل ذلك لشواهد.

    شرح حديث (إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عفان بن مسلم حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا عاصم الأحول عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين أيدكم فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم) ].

    أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد مر نظير هذا الحديث بهذا المعنى تماماً، وفيه التفاوت بين القاعد والقائم والماشي والساعي، وأن من الخير للناس أن يكونوا كأحلاس بيوتهم، وهنا قال: (يكون بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم)، (بين أيديكم) يعني: أمامكم، وفي مستقبل أيامكم تكون فتناً كقطع الليل المظلم من شدتها وصعوبتها.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].

    محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

    [ حدثنا عفان بن مسلم ].

    هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ].

    عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا عاصم الأحول ].

    هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي كبشة ].

    هو أبو كبشة السلولي ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود .

    [ سمعت أبا موسى ].

    أبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث مطابق لما تقدم، المقبول فيه لا يؤثر؛ لورود أحاديث في معناه منها: (كسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم) ، وحديث: (تكف لسانك ويدك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك، فلما قتل عثمان طار قلبي) ، وحديث: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي)، وحديث أبي بكرة (إنها ستكون فتن يكون المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم، والقائم خير من الماشي ) ].

    شرح حديث (إن السعيد لمن جنب الفتن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج -يعني ابن محمد - حدثنا الليث بن سعد قال: حدثني معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود قال: أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: (إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها) ].

    أورد أبو داود حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن السعيد لمن جنب الفتن) وكررها ثلاثاً ثم قال: (ولمن ابتلي فصبر فواها) قيل المقصود بـ(واها) أنها إعجاب، يعني: ما أحسن فعله! وما أحسن عمله! وقيل: إنها تلهف على حصول شيء، ولكن قضية الإعجاب واضحة فيه؛ لأن هذا مدح وثناء.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن السعيد لمن جنب الفتن ...)

    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي ].

    إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

    [ حدثنا حجاج -يعني: ابن محمد - ].

    هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا الليث بن سعد ].

    هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ قال: حدثني معاوية بن صالح ].

    هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

    [ أن عبد الرحمن بن جبير حدثه ].

    عبد الرحمن بن جبير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن أبيه ].

    أبوه كذلك.

    [ عن المقداد بن الأسود ].

    المقداد بن الأسود رضي الله عنه وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088520660

    عدد مرات الحفظ

    777092148