من فضائل الجهاد: أن من قتل كافراً لم يجتمع معه في النار مخلداً، وأن الله حرم نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وأن من مات في الغزو كان مأواه الجنة.
فضل من قتل كافراً
شرح حديث فضل من قتل كافراً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل من قتل كافراً.
يعني: أن قاتل الكافر يكون في الجنة، لكن إن كان الذي قتل الكافر عليه ذنوب لم يغفرها الله عز وجل وعذبه بها في النار فالمعنى أنه لا يجتمع مع الكافر في الخلود والبقاء، ولا يمنع ذلك من كونه يدخل النار ولكنه يخرج.
والمقصود بالكافر هنا الحربي لا المستأمن أو الذمي، فإن هؤلاء لا يقاتلون.
أورد أبو داود رحمه الله باباً في حرمة نساء المجاهدين على القاعدين، والمجاهدون هم الذين يخرجون في سبيل الله ويخلفهم الناس في أهليهم فحرمتهم شأنها عظيم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حرمة نساء المجاهدين على القاعدين الذين يخلفونهم في أهليهم كحرمة أمهاتهم، ومعنى هذا أنهم يحذرون من أن يقعوا في أمور لا تنبغي كما أن الإنسان يرى ذلك في حق أمه، وكذلك عليه أن يرى ذلك في حق أهل الغازي الذين خلفه فيهم.
وهذا فيه بيان تعظيم شأن المحافظة على من استوصوا عليهم، فإن المجاهدين أوصوا الباقين على أن يقوموا يما يلزم لأهليهم، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن على الإنسان أن يقوم بما يجب لهم ولا يخونه فيهم لا بأن ينظر أو يحاول أن يقع في أمر محرم، ولا في أن يقصر فيما هو مطلوب منه من الرعاية والعناية وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم.
وهذا فيما إذا خانه لأنه جاء في صحيح مسلم (فيخونه)، فرواية مسلم رحمه الله تبين المقصود من هذا الاقتصاص وأخذ المجاهد من حسنات القاعد الذي خانه في أهله؛ لأنه ما قام بالشيء الذي هو واجب عليه.
بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : كان قعنب رجلاً صالحاً، وكان ابن أبي ليلى أراد قعنباً على القضاء فأبى عليه وقال: أنا أريد الحاجة بدرهم فأستعين عليها برجل، قال: وأينا لا يستعين في حاجته قال: أخرجوني حتى أنظر، فأخرج فتوارى قال سفيان : بينما هو متوار إذ وقع عليه البيت فمات ].
ثم ذكر أبو داود بعد ذلك هذه القصة عن قعنب الذي جاء في الإسناد يروي عن سفيان بن عيينة ، وأنه طلبه ابن أبي ليلى للقضاء فأبى أن يتولى القضاء فقال: أنا أريد الحاجة بدرهم فأستعين عليها، أي: فكيف أتولى القضاء وأنا أحتاج إلى الناس فقال ابن أبي ليلى : كلنا لا يستغني عن أحد بحاجته، يعني فلا عذر من القضاء، فقال قعنب : أمهلوني أنظر، فدخل وتوارى في بيته وسقط عليه بيته ومات رحمه الله.
السرية هي القطعة من الجيش تسند إليها مهمة، فقد تغنم وقد لا تغنم، والمراد بالإخفاق هنا عدم الحصول على الغنيمة، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في ذلك.
قوله: [ (فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) ] يعني: أنهم ما تعجلوا شيئاً في الدنيا، وإنما حصلوا الثواب والأجر كاملاً في الآخرة؛ لأنهم لم يحصلوا شيئاً من المغنم الدنيوي فكانت غنيمتهم أخروية، وكانت مكاسبهم أخروية بحتة ليس فيها شيء من الدنيا.
وهذا فيه دليل على أن تحصيل الأجر الكامل في الآخرة إنما يكون بعدم تحصيل شيء من الدنيا في الغزو، وأنه إذا حصل شيء من المغانم في الغزو فإنهم تعجلوا شيئاً من أجرهم، فهذا فيه تسلية للذين لم يحصلوا شيئاً؛ لأن الثواب الجزيل أمامهم وأنهم سيحصلون الأجر الكامل.
وابن لهيعة صدوق ساء حفظه، احترقت كتبه فتغير، ورواية العبادلة عنه أعدل من غيرها، وهي هنا من رواية العبادلة، وهو عبد الله بن يزيد المقري ، وأيضاً هو مقرون بـحيوة بن شريح المصري فالعمدة على حيوة لو لم يرو عنه أحد من العبادلة، وأما هنا فالراوي عنه أحد العبادلة.
أورد أبو داود تضعيف الذكر في سبيل الله، أي: مضاعفة أجره وكثرة ثوابه عند الله عز وجل، وأورد فيه أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله تعالى عنه.
وهذا الحديث يدل على أن الصلاة والصيام والذكر لله عز وجل تضاعف على الإنفاق في سبيل الله، وهذا غير مستقيم، والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن شأن الصدقة عظيم ونفعها متعدٍّ، ويكون فيها تمكين المجاهدين من الجهاد، بخلاف الصوم والصلاة والذكر، فإنها من العبادات القاصرة على صاحبها.
وهذا الحديث غير صحيح لأن فيه زباناً وهو ضعيف لا يحتج به، والمعنى فيه غرابة، حيث جعل الأعمال القاصرة تفوق الأعمال المتعدية، وقد جاءت أحاديث تدل على فضل الأعمال المتعدية على القاصرة ولهذا يأتي كثيراً تقديم الزكاة على الصيام، والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ أمره بأن يبدأ بالأهم فالأهم فيدعو أولاً إلى الشهادتين ثم إلى الصلاة ثم إلى الزكاة، وجاء في الحديث: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن علم العالم له ولغيره، والمصلي صلاته له وحده لا تتعداه إلى غيره، فالإسناد غير صحيح والمعنى فيه في غرابة.
وقوله: [ (في سبيل الله) ].
المقصود به الجهاد؛ لأن سبيل الله يأتي بمعنيين: يأتي ويراد به وجوه البر ووجوه الخير كلها، ويأتي يراد به الجهاد في سبيل الله، ولهذا فإن مصارف الزكاة الثمانية ذكر منها: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ[التوبة:60] والمقصود به الجهاد، لأنه لو كان المراد به المعنى العام الذي هو وجوه البر فالفقراء والمساكين من وجوه البر، وكذلك إعطاء المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفك الرقاب، وابن السبيل، كل ذلك في سبيل الله بالمعنى العام؛ لكن لما كان قسماً من الأقسام الثمانية علم أنه يراد به خصوص الجهاد في سبيل الله، ومنه: (من صام يوماً في سبيل الله ...) أي: وهو في الجهاد، ولهذا أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الجهاد.
أورد أبو داود باباً فيمن مات غازياً، يعني من مات في الغزو، سواء كان ذلك في المعركة أو في غير المعركة، وسواء مات ذاهباً أو آيباً، وأورد فيه حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
قوله: [ (من فصل في سبيل الله) ] يعني: خرج مجاهداً في سبيل الله.
قوله: [ (فمات) ] يعني: بدون قتل من الكفار له أو خطأ من المسلمين أو غير ذلك وإنما مات بغير سبب وليس بقتل.
قوله: [ (فهو شهيد) ] معناه أن له أجر الشهادة في سبيل الله عز وجل؛ لأنه مات وهو يجاهد في سبيل الله.
قوله: [ (أو وقصه فرسه أو بعيره) ].
بمعنى أنه سقط من فرسه واندقت عنقه فمات، سواء كان على بعير أو على فرس؛ فهو كذلك أيضاً شهيد.
قوله: [ (أو لدغته هامة) ].
يعني: من ذوات السموم كحية أو كعقرب فمات بسبب ذلك السم الذي حصل بهذه اللدغة، فهو كذلك شهيد لأنه في سبيل الله.
أي: من غير أن يكون هناك سبب يحصل به موته، وإنما قبضت روحه بدون أن يكون ذلك بسبب من الأسباب الظاهرة كالقتل أو الوقص أو لدغ ذوات السموم أو غير ذلك من الأسباب، وإنما مات على فراشه.