إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [207]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحج أحد أركان الإسلام الخمسة المعروفة، وهو من أعظم شعائر الدين، وفيه من الفوائد والحكم والمقاصد والخيرات ما الله به عليم، فقد جعله الله قياماً للناس يصلح به أمور دينهم ودنياهم، وهو عبادة بدنية ومالية ينفق فيها العبد الأموال كي يصل إلى تلك المشاعر العظيمة، والأماكن الكريمة، ثم إذا وصل إلى تلك البقاع المباركة قام بكثير من العبادات من صلاة وذكر وطواف وسعي وغير ذلك.

    شرح حديث (يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب المناسك.

    باب: فرض الحج.

    حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (يا رسول الله! الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع) ].

    ذكر الإمام أبو داود رحمه الله بعد كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، ثم أتى بعده بكتاب المناسك، وجعله قبل الصيام، وأخر كتاب الصيام عن كتاب المناسك وعن كتب أخرى أيضاً، وجعله بعد النكاح.

    والطريقة المشهورة عند العلماء أنهم يجعلون المناسك في آخر أركان الإسلام، فيأتون بالصلاة، وقبلها مفتاح الصلاة وهو الطهارة، ثم بعد ذلك الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، كما جاء في حديث جبريل: (قال: أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً).

    ومن أهل العلم من يقدم المناسك أو الحج على الصيام، كفعل أبي داود رحمه الله، وكذلك هو صنيع البخاري ، فإنه رحمه الله بدأ كتاب الإيمان بحديث ابن عمر ، وفيه هذا الترتيب، حيث قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، فرتب كتب صحيحه على هذا الترتيب الذي جاء في حديث ابن عمر .

    وقد ذكر المحشي أن في بعض النسخ تقديم المناسك على الصيام، وكذلك هو في مختصر المنذري ، وأما الخطابي فمشى على تقديم الصوم على المناسك، كما هو الحال في ترتيب غالب كتب الحديث.

    ومن أهل العلم من يترجم للحج فيقول: كتاب الحج، ومنهم من يقول: كتاب المناسك، كما فعل أبو داود .

    والمناسك من حيث اللغة تطلق إطلاقاً واسعاً، وكذلك أيضاً تطلق في الشرع على عدة أمور منها: العبادة، والذبيحة أو الذبح، وتطلق أيضاً على الحج، ولعلهم سموا الحج والعمرة مناسك ويريدون من ذلك أن الحج والعمرة يشتملان على أنساك، فالحج ثلاثة أنساك: تمتع وقران وإفراد.

    فالتمتع أن يأتي بالعمرة على حدة في أشهر الحج، ثم يأتي بالحج من العام، والقران أن يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، فيقرن بينهما، ويفرغ منهما جميعاً، وتكون أفعالهما واحدة، والإفراد يؤتى به وحده في أشهر الحج، والعمرة يؤتى بها مستقلة لا علاقة لها بالحج، كالعمرة التي تكون في رمضان وفي أشهر السنة كلها، فإن هذه من المناسك، فقالوا لأعمال الحج: مناسك؛ لاشتماله على هذه الأنساك الثلاثة، والعمرة تكون مع الحج في القران، وتكون منفصلة عنه في أشهر الحج قبل الحج، وهي التمتع، وقد يؤتى بها في أشهر الحج مفردة بدون أن يكون معها حج، فلا يقال لها: تمتع، كما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في عُمره التي فعلها في ذي القعدة، وهي ما عدا العمرة التي في حجته، فتلك العمرات كانت مستقلة ليس لها علاقة بالحج، وكذلك العُمَر في الأشهر كلها داخلة في المناسك، فمن أجل ذلك عبر بعض أهل العلم عن ذلك بالمناسك.

    أورد أبو داود رحمه الله: باب فرض الحج، أي: أنه فريضة من فرائض الإسلام.

    وأورد حديث ابن عباس رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس (سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج أفي كل عام أو مرة واحدة؟ فقال: بل مرة واحدة، وما زاد فهو تطوع) أي: أن الحج يجب مرة واحدة.

    وجاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقال الأقرع بن حابس : أفي كل عام يا رسول الله؟! فسكت، ثم قال بعد ذلك: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، وما زاد فهو تطوع).

    وعلى هذا فالحج فريضة من فرائض الإسلام، بل هو ركن من أركان الإسلام، وقد جاء ذلك في حديث جبريل، وجاء أيضاً في حديث ابن عمر ، وجاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل الحج والأمر به، وقبل ذلك آي من القرآن كقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، فالحج من الأمور المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، ويجب في العمر مرة واحدة، وهذا من تيسير الله عز وجل وتخفيفه على عباده؛ لأنه لو وجب في كل عام على كل قادر لكان في ذلك مشقة على الناس، ولكان في ذلك أيضاً مشقة في كثرة الناس وازدحامهم، ولكن الله عز وجل لم يفرضه في العمر إلا مرة واحدة.

    ولهذا فإن الحج هو أقل العبادات وجوداً من حيث الفرض، فالصلاة تجب في اليوم والليلة خمس مرات، والزكاة تجب في السنة مرة واحدة على من كان غنياً، والصوم يجب على كل من وجب عليه في السنة شهراً، وأما الحج فإنه لا يأتي في العمر إلا مرة واحدة على سبيل الوجوب، وما زاد على ذلك فهو تطوع.

    تراجم رجال إسناد حديث (يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة)

    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

    زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

    [ وعثمان بن أبي شيبة ].

    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في (عمل اليوم والليلة).

    [ قال: المعنى ].

    قوله: المعنى، أي: أن المعنى واحد.

    [ قالا: حدثنا يزيد بن هارون ].

    يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سفيان بن حسين ].

    سفيان بن حسين ثقة في غير الزهري ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن الزهري ].

    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي سنان ].

    أبو سنان هو يزيد بن أمية وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ عن ابن عباس ].

    عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الحديث من رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، وسفيان ضعف في روايته عن الزهري ، لكن للحديث شواهد، وهو

    ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة .

    [ قال أبو داود : هو أبو سنان الدؤلي ، كذا قال عبد الجليل بن حميد ، وسليمان بن كثير جميعاً عن الزهري ، وقال عقيل : عن سنان ].

    يعني: أن بعض الرواة رووه عن أبي سنان ، وأما عقيل بن خالد فإنه قال: عن سنان ، وهو أبو سنان .

    وعبد الجليل بن حميد ثقة لا بأس به، أخرج له النسائي .

    وسليمان بن كثير لا بأس به في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    وعقيل هو ابن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (هذه ثم ظهور الحصر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن لـأبي واقد الليثي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: هذه، ثم ظهور الحصر) ].

    أورد أبو داود حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه في حجة الوداع: (هذه، ثم ظهور الحصر) أي: ثم الْزَمْنَ ظهور الحُصُر، والحصر: جمع الحصير، وهو ما يبسط في البيت، من الفرش والمقصود من ذلك أنهن يلزمن البيوت بعد أدائهن لفريضة الحج.

    وقوله: (هذه) أي: حجة الإسلام الفريضة، ولهذا أورده أبو داود رحمه الله في كتاب فرض الحج، وأنه فرض على الرجال والنساء، وقد قال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].

    وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على أنه يجوز للنساء أن يتطوعن، وفي صحيح البخاري : (أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور)، وكذلك الأحاديث المرغبة فيه هي عامة للرجال والنساء كقوله: (الحج مرة، وما زاد فهو تطوع).

    وهذا الحديث يدل على أن المرأة ينبغي لها ألا تكرر الحج، لكن لو كررته فقد جاء ما يدل عليه.

    وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حججن معه، وكن متمتعات، وكانت عائشة معهن، وكانت متمتعة، ولكن حصل لها الحيض، فأدخلت الحجة على العمرة، ولهذا سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة بعد الحج، حتى تكون مثل أمهات المؤمنين اللاتي دخلن بالعمرة، وأتممن عمرتهن على استقلال، ثم أتين بالحج مستقلاً، وطفن طوافين، وسعين سعيين، فأرادت أن تكون مثلهن في إيقاع عمرة مستقلة، وحج مستقل، وقد نحر عنهن البقر كما جاء ذلك في الصحيح، وحججن أو عدد منهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في آخر خلافة عمر ، وفي عهد عثمان، فهن لم يفهمن الوجوب من قوله: (هذه، ثم ظهور الحصر)، بدليل وجود الأحاديث الأخرى التي تدل على أن أفضل الجهاد هو الحج مبرور وغير ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث ( هذه ثم ظهور الحصر )

    قوله: [ حدثنا النفيلي ].

    هو عبد الله بن محمد النفيلي ، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

    [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ].

    هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن زيد بن أسلم ].

    زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ابن لـأبي واقد الليثي ].

    اسمه واقد ، وقد جاء تسميته في مسند الإمام أحمد، وهو مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود .

    [ عن أبيه ].

    أبوه هو أبو واقد الليثي رضي الله عنه، قيل: اسمه: الحارث بن مالك ، وقيل: ابن عوف ، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522107

    عدد مرات الحفظ

    777108368