وبعد:
أيها الإخوة في الله: من أعظم ما يمن الله به على الإنسان نعمة الطاعة ونعمة الدين ونعمة الإيمان، ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها الإنسان حرمانه من هذه النعمة، ووقوعه في مصيبة المعصية، وفي مصيبة المخالفة، والناس يفهمون من النعمة أنها المال، والعافية، والمنصب، والولد والزوجة، والسيارة والعمارة كل هذه نعم، لكنها نعم تزول.
أما النعمة الحقيقية التي امتن الله بها على عباده المؤمنين فهي نعمة الإيمان، يقول عز وجل: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] (أنعم الله عليهم) من هم؟ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] من بقي بعد هؤلاء؟ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ ما بقي بعدهم إلا كل فاسد وسيئ، والعياذ بالله! فينعم الله على النبيين بنعمة الدين برغم أنهم يعيشون ويموتون وهم في فقر حتى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، سيد البشر، وخير من وطئ الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من يدخل الجنة، وصاحب الشفاعة الكبرى يوم القيامة، عاش صلوات الله وسلامه عليه عيشة بسيطة لدرجة أنه ينام على الحصير، ويقوم وقد أثر الحصير على جنبه الشريف، وما شبع من طعام بر ثلاث ليال متوالية، ومات ودرعه مرهون في ثلاثين صاعاً من شعير، وتقول عائشة: [كان يمر الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت آل محمد نار. فقال
فما هي النعمة الحقيقية؟ إنها نعمة الدين، والذي يبدل هذه النعمة يستحق العذاب، إذا جاء الدين والإيمان فأمسكه وتشبث به، أعظم من تشبث صاحب المال بماله، إذا أعطي شخص مليون ريال أو مليونين كتعويض في أرض أو في مزرعة أو في عمارة فماذا يصنع بها؟ تراه يستلمها في الصباح، فانظر إليه وهو يصلي الظهر، لا يعرف كم صلى، ولا يعرف كم يصلي في المغرب، وكم يصلي في العشاء، ولو سألته يقول: والله مدهوش .. لماذا؟ إنها مليونا ريال أين يذهب بها؟ فلا ينام الليل، لكن ما رأيكم لو أن شخصاً استلم مليوني ريال وعند باب البنك أو عند باب المؤسسة بدأ يمزقها ويرمي بها..ماذا يقال لهذا الإنسان؟! مجنون، فالناس عقلاء مع الدنيا، يعرفون قدر نعمة المال فلا يصرفون منه ولا يضيعون ريالاً إلا بحقه، ويعرفون قيمة النعم كلها ويقدرونها، لكن لا يعرف كثير من الناس قدر نعمة الإيمان، فإذا أعطاه الله الإيمان تراخى فيه وشتته، لا حفظه ولا نماه.. يقول الله فيه: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211] إذا أعطاك الله نعمة الإيمان وبدلتها بعدما جاءتك النعمة وذقت طعم الإيمان فإن الله شديد العقاب.
وما أعظم من مصيبة الحرمان من الطاعة والخذلان بالمعصية يقول الله: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].
الأمر الأول: حبس نفسه على طاعة الله.
والثاني: حبس نفسه عن معصية الله، فإن الطاعة فيها تعب وفيها مشقة، ولكن تحتاج إلى صبر، والمعصية لها طعم ولها ملذة، ولكنها ملغمة من الداخل بالحسرة والعذاب، ملغمة بالوعيد الشديد والعذاب الأكيد، وهي مزينة ومغلفة من الخارج بشيء ينطلي على أصحاب العقول السقيمة وأصحاب النفوس المريضة.
أما أهل الإيمان فإنهم ينظرون بعين البصيرة لا بعين الطبيعة؛ لأن عين البصيرة تريك السم قبل أن ترى ما عليه من حلاوة.
أما عين الطبيعة فإنها تنخدع ولا تنتبه إلا والإنسان في طباق جهنم، والعياذ بالله!
يذكر أهل العلم أن رجلاً حج بيت الله الحرام من بلاد مصر في الزمن القديم قبل حوالي مائة سنة، وفي مكة انتهت مادته، وبحث عن عمل يقتات منه فلم يجد، ومرت عليه أيام وليال ما ذاق طعم العيش، حتى صفر جلده من الجوع، وخرج من بيت الله الحرام في ظهر يوم وإذا به يجد أمامه منديلاً أخضر ساقطاً في الأرض، ضالة، فحمله وفتحه وإذا بداخله عقد من اللؤلؤ ثمنه مائة ألف درهم -وهو يكاد يموت جوعاً- فربطه، وقال في نفسه: والله إن فرحتي به لا تعدل حزن صاحبه عليه. ثم أدخله في جيبه، وإذا بذلك الرجل يصيح على باب المسجد وفي الساحات المحيطة: من وجد منديلاً قال: تعال، كيف هو؟ قال: أخضر. قال: ما بداخله؟ قال: عقد لؤلؤ. قال: أهو هذا؟ قال: نعم. قال: خذه بارك الله لك. فقام ذاك وأخرج من جيبه ألف درهم وأعطاه قال: هذه مني لك هدية. قال: والله ما كنت لآخذها منك وقد رفضتها، ولكن لا آخذها إلا من الله. لا العقد ولا الألف وهو يكاد يموت جوعاً ..! وتركها لله. ومرت الأيام والليالي ووجد عملاً بسيطاً وحصل منه على دخل بسيط، ثم رحل إلى جدة وركب البحر وذهب إلى أرضه، وفي وسط البحر هاجت الريح وزمجرت، وتلاطمت الأمواج وتحطمت السفينة، وغرق كل من في السفينة، ونجّى الله هذا الرجل على خشبة تشبث بها وهو يذكر الله بالليل والنهار، وجلس في البحر أياماً، ثم قذفته الأمواج على شاطئ البحر وجلس يمشي، ثم دخل قرية من القرى فوجد فيها قوماً فيهم دين وفيهم خير -وكان صاحب علم عنده قرآن وعنده دين- فجلس عندهم أياماً، ثم قدموه فصلى بهم، ثم أحبوه وألفوه فعرضوا عليه أن يقيم عندهم فوافق على الإقامة عندهم، وعقد لهم الحلقات والدروس في الصباح وفي المساء للأطفال والكبار، وبعد فترة قالوا له: يا شيخ! أنت أصبحت واحداً منا، نريد أن نزوجك فهل تقبل؟ قال: نعم. ولكن ليس عندي شيء. قالوا: كل شيء موجود: البيت موجود، والمهر موجود، والزوجة موجودة، لكن عليك أن توافق. قال: موافق، بارك الله فيكم. فوافق، وبعد صلاة العشاء عقد في المسجد على الزواج ثم دخل بيته -بيت الزواج المهيأ- وحينما دخل البيت ودخل غرفة النوم وإذا بتلك الفتاة الجميلة التي ليس لها مثيل تقف أمامه، وإذا في صدرها ذلك العقد الذي رآه في مكة ، عقد اللؤلؤ معلق في رقبتها! فلما رآه رجع قال: أين أبو البنت؟ قالوا: موجود، فجاء وسلم عليه، وقد مرت سنين، قال: يا شيخ .. أسألك بالله أنت حججت؟ قال: نعم. قال: حصل لك شيء في الحج؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: أنا رجل ثري وعندي مال ولا أملك في هذه الدنيا إلا هذه البنت، وحججت بيت الله الحرام وأخذت لها هدية هذا العقد، وبعد ذلك وقع مني على باب الحرم وبحثت عنه، وبعدها لقيته عند شخص من أهل الخير الله يذكره بالخير ويجزيه عني خيراً، ورده لي وأعطيته ألف درهم فرفضه، وبعد ذلك عقدت العزم ونذرت أني إن لقيته زوجته بهذه البنت، ولكن انتظرت ولم ألقه فزوجتها بك أنت، ولو لقيته قبلك لزوجته قبلك. قال: أنا ذلك الرجل، تذكره وإذا به يعرفه فتسالما وتعانقا، وقال: أنا ذلك الرجل. (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .
أما الذي انفلت هنا، وأعرض عن القيد الرباني، وعبد شهوته، يعيش على مزاجه وهواه.. هذا خاسر حقاً، ينام كما يشاء، ويأكل ما يشاء، وينكح ما يشاء، ويتصرف كما يشاء، وليس لله عليه أمر ولا نهي، لا يعرف لله أمراً، ولا يتقيد ولا يقف لله عند نهي، ولكن سوف يقبض عليه عند الموت، فالناس عند الموت رجلان: رجل مطلق ومفكوك من القيد وداخل الجنة وهو المؤمن.
ورجل موثوق مقبوض عليه ومدخل إلى النار وهو الفاجر والعياذ بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تقول له: (يا أيتها النفس الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب) ويقول الله: كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [القيامة:11-13] وقبلها يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة:10] أين المفر؟ ما لك مفر من الله؛ لأن الله يمنعك من كل شيء ولا يمنعك من الله شيء.
وجدير بالعاقل -كما قلت لكم- إذا أنعم الله عليه بنعمة الإيمان أن يصبر عليها ولو أن فيها معاناة؛ لأن زماننا هذا، زمن المشقة في المحافظة على الدين (يأتي على الناس زمان يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر) الذي يقبض على الجمرة لا يضحك، ولا ينام، الذي يقبض على الجمر تتقطع يداه، تراه يبكي، يتلوى، لكن لا يفكها أبداً، لا يفك دينه، ولو تقطع، ولو حرق، ولو تفتت لا يمكن أبداً .. لماذا؟ لقد ذاق طعم الإيمان، والحديث في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان منها وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) وفي مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً).
ولكن نرى ونلمس ونلاحظ ضعفاً وتراخياً وفتوراً، بل تراجعاً وانهزاماً، بل رأينا سقوطاً وردة في صفوف قوم ساروا على الطريق ثم ما رابطوا، وما صبروا ولا صابروا، وما اتقوا الله حتى يفلحوا، وإنما رأوا المسافة بعيدة، وهم ضعاف، والعقبة كئود، وهم هزال، والثمن غال وهم بخلاء، فرجعوا عن طريق الله وباعوا أنفسهم للشيطان، صعب عليهم الصعود في عقبات الإيمان، وسهل عليهم التردي في دركات الكفر والنفاق والمعاصي والشهوات والملذات، ولكن غاب عن أذهانهم عاقبة تلك وعاقبة تلك، عاقبة الصعود: الجنة، وعاقبة الهبوط: النار قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] زكاها: رفعها إلى فوق وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أنزلها إلى تحت، النزول سهل والطلوع صعب، لكن تالية الطلوع عزة، ترون الآن الذي يدرس ست سنوات ابتدائي وست سنوات ثانوي، وثلاث أو أربع جامعة، وبعدها ماجستير، وبعدها دكتوراه، وبعدها يتعب ويعاني لكن تراه وقد صار في منصب، وفي مرتبة عالية ومكانة سامقة.
وذاك الذي ترك الدراسة من أول ابتدائي عندما دخل وضربوه قال: والله ليس لي حاجة في هذه الدروس، أريد أن أبقى مع أهلي، وهذا مسكين جلس يعاني من آلام الجهل والذل إلى أن يموت .. فالمؤمن يصبر، يصبر على المر والذي أمر منه حتى يلقى الله، وذاك الذي نزل وما صبر سوف يلعق المرارة، يلعقها في النار؛ لأنه ما صبر على طاعة بسيطة، وقد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة برجل من أقل أهل النار عذاباً من له نعلان من نار يغلي منهما دماغه، ويعيش في ضحضاح من النار -وهو
يسير كثير من الناس في الطريق، ثم يتساقطون ويتراجعون ويضعفون، وخوفاً من أن يكون هذا الضعف موتاً فسنتحدث عن هذا الموضوع وقد سبقنا إليه كثير من أهل العلم، فقد تحدث عنه شيخ الإسلام ابن تيمية كظاهرة مرضية يتعرض لها المسلم، وتكلم عنه الشيخ ابن القيم رحمه الله في مجمع كتبه، وتكلم عنه في هذا الزمن اثنان من العلماء الأول: الدكتور محمد بن نوح في كتاب له اسمه: (آفات على الطريق ) والشيخ الآخر هو عالم من الكويت اسمه الشيخ جاسم بن مهلهل في كتاب له اسمه: (الفتور صوره وأسبابه وعلاجه ) وقد أجادا في عرض الموضوع، وقد اقتبست بعض العناصر من هذين الكتابين ومن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وأضفت عليها ما فتح الله به عليَّ؛ من أجل التحذير والتنبيه لإخواننا المؤمنين المسلمين الذين فتح الله قلوبهم وشرح صدورهم ونور أبصارهم، ودلهم على الطريق، فعليهم أن يتمسكوا بالطريق ولا يرجعوا ولا يتراخوا ولا يضعفوا ولا يتركوا التمسك بالطريق حتى يقفوا عند باب الجنة، ويقال لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73] هناك يقولون: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74].
هذا كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمونه صاحب الوضوح والكلمة الصادقة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمنه على السر، وهذا الرجل هو الذي جاء بالخبر أيام ليلة الأحزاب، لما تحزب المشركون قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم) فسكتوا جميعاً؛ لأن الضعف البشري ينتاب كل إنسان، والظروف التي كانت تحيط بالصحابة تلك الليلة ظروف صعبة لا تتحملها الجبال: خوف، وفقر، وبرد، ومطر، ورياح عاتية، وجوع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم وله الجنة) فلم يقم أحد، وهم كلهم يريدون الجنة لكنهم لا يستطيعون القيام، فقواهم انتهت، وإمكانياتهم البشرية تعطلت، لا يستطيع أحد أن يقوم، يقول: (فكررها فما قام أحد، فقال: قم يا
هذا حذيفة يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. فقلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها لو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) من هذا الحديث ومن سؤال حذيفة عن الشر نتكلم عن هذا من أجل الذي في نفسه ضعف يقوي نفسه، ومن كان قوياً فأسأل الله أن يقويه حتى يلقى الله.
يقول الله عز وجل وهو يأمر المؤمن بالثبات والأمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عام للأمة كلها: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] ويخبر الله عز وجل أن عباده يقولون: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] هذه دعوتهم، و(رحمة): يعني ثبات إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما أثر عنه في السنن : (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك وعلى دينك).
وكان يقول في دعائه -وهو في السنن أيضاً-: (اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك).
وفي الترمذي حديث حسن يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله. قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه) هذا معنى استعماله، أن الله يسددك على الدين، ثم يثبتك عليه حتى تموت وأنت على العمل الصالح؛ لأن العبرة بالخواتيم.
ولما مرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -مرض الموت- بكى رضي الله عنه، قيل له: [ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي إلا أن الموت قد أتاني على فترة وكنت أود أن يأتيني في حال اجتهاد] قال: جاءني وأنا متعب وكنت أود أنه جاءني يوم أنا في أحسن درجات الإيمان وأحسن درجات الجد والاجتهاد والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، لكن نود أن يفهم الناس شيئاً وهو: أنه من الطبيعي في حياة البشر أن يحصل ضعف، ويحصل نوع من الكسل والفتور؛ لأن الإنسان لا يبقى على درجة واحدة، فالإنسان جهاز عجيب فما هو مكينة تضبطه على معيار واحد .. لا. وما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه، ولا القلب إلا أنه يتقلب، وإن هذه القلوب لها إقبال ولها إدبار، وصعود وهبوط، ومد وجزر، تقوى وتضعف .. هذه حالات القلوب.
ولهذا جاء في الحديث -والحديث في مسند أحمد - يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لكل عمل شرة) كل عمل تسير فيه له قوة، وحرارة، ورغبة، فأنت عندما تبدأ في الوظيفة تبدأ بنشاط ولكن بعد شهرين أو ثلاثة يضعف ذلك النشاط.
إذا اشتريت سيارة فإنك تحبها، وكل يوم وأنت تنظر إليها، وتمسحها في الغداة والعشي، وبعضهم ينفخ المفتاح قبل أن يدخله في المغلقة، من أجل ألا يكون عليه غبار، وينظفها، ولكن بعد شهرين أو ثلاثة تكون وسخة؛ لأنه ليس لديه وقت ليمسحها.
وإذا تزوج شخص لا تسأله عن أيام الزواج، لكن بعد أسبوع أو أسبوعين إذ بالمشاكل قائمة .. فكل عمل في الدنيا له شرة، وله حدة، وله قوة (ولكل شرة فترة) وهذا حديث في مسند أحمد (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هدي، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) يعني: هناك مستوى أدنى، السنة المستوى الأدنى فيها، والسنة المستوى الأعلى فيها وأنت بين المستويين تصعد إلى المستوى الأعلى في السنة، وإياك أن تطلع، لأنك إذا طلعت قفزت من المستوى الأعلى في الدين، وتنزل إلى المستوى الأدنى في السنة، ولكن لا تنزل، فإذا نزلت خرجت من الدين، وأن تتراوح حينما تنشط وتأتي بالفرائض، وتأتي بالرواتب، وتأتي بالنوافل، وتأتي بقيام الليل، تأتي بركعتي الضحى، وإذا ضعفت مرة تخليت عن ركعتي الظهر، وإذا ضعفت مرة كسلت عن قيام الليل، لكن لا يمكن أن تترك الرواتب ولا الفرائض؛ لأنها آخر خطوط الدفاع عندك، آخر خط للدفاع عندك الفريضة والراتبة، بعدها انتبه! إذا تركت الفريضة والراتبة كفرت، وإذا تركت الراتبة ضعفت وهزلت؛ لأنه من ترك الراتبة فإنه يوشك أن يترك الفريضة، فكثير من الناس الآن يصلي الفرائض ثم يخرج .. ماذا بك؟ قال: يا شيخ! قد صليت المكتوبات. حسناً وهذه من الذي سنها؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: (عليكم بسنتي) إن هذه هي خط الدفاع من أجل أن تأتي يوم القيامة إذا حوسبت ونقصت فرائضك قال الله: انظروا هل لعبدي من نوافل، هل تضمن أنك صليت العشاء أربع ركعات وما وسوست فيها لحظة واحدة؟ لا. فقد لا يحسب لك إلا ركعة واحدة وثلاث ركعات في الخلاء، ويمكن أن لك اثنتين واثنتين في البيت، فاجعل لك رواتب، فأنت إذا نزلت في مستوى فإنك لا تغادر هذا المستوى إلى النزول إذ ليس من المعقول أن تكون فترتك إلى غير ذلك.
روى مسلم عن حنظلة بن الربيع الأسيدي -هذا كاتب الوحي، غير حنظلة بن عامر الأسدي غسيل الملائكة، شهيد يوم أحد .
أما هذا فاسمه حنظلة بن الربيع الأسيدي ، وهو كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في مسلم - يقول: خرجت يوماً فلقيت أبا بكر الصديق فقلت له: يا أبا بكر! نافق حنظلة ، نافق حنظلة ، قال: وما ذاك؟ قال: نكون مع رسول الله يحدثنا بالجنة والنار حتى لكأننا نراها رأي العين، فإذا خرجنا منه عاسفنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنكون على وضع آخر غير الوضع الأول! فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -وكان عنده إيمان مثل الجبال ما قال: إنك معقد .. لا- قال: وأنا والله مثلك، هيا إلى رسول الله، فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبراه قال: (يا
قد تنشط في الصوم فتصوم أياماً، لكن تأتي عليك فترة من الفترات فتقول: والله ما استطعت أن أصوم، لكن الفريضة لا تتركها، قد تنشط في النفقات والزكاة والإخراج والإعطاء، لكن يأتي يوم من الأيام ليست عندك شيء فلا تنفقه، ولكن لا يمكن أن تترك الزكاة إذا كان عندك نصابها وتحققت عندك شروطها.
فقد تنشط في قراءة القرآن فتقرأ في كل يوم عشرة أجزاء، بعد كل فريضة جزئين، وفي اليوم الواحد عشرة أجزاء، يعني في الثلاثة أيام تختم القرآن، لكن يأتيك شغل، ويأتيك ضعف، وسيأتيك فتور فتقرأ في كل يوم جزءاً واحداً، بمعنى أنك في الحد الأدنى؛ لأن الذي لا يختم في كل يوم جزءاً هاجر للقرآن الكريم، أريد من إخواننا أن يعلموا هذا المستوى، لا بد أن تختم في كل يوم جزءاً بمعنى أنك تختم القرآن في كل شهر مرة؛ لأنه من مرت عليه ثلاثون ليلة وما ختم فيها كتاب الله فهو هاجر لكتاب الله عز وجل، وهذا ليس صعباً، بل هو سهل جداً تأخذه في ثلث ساعة أو في نصف ساعة مع التدبر والتأمل والتجويد، لكن الشيطان يضيع أوقاتنا -والعياذ بالله- حتى نخرج من أربع وعشرين ساعة وما قرأنا فيها جزءاً من كتاب الله عز وجل ثم نقول: لم تقسوا قلوبنا؟ تقسوا قلوبنا لأننا أعرضنا عن مادتها وحياتها وعن سبب لينها وهو كتاب الله تبارك وتعالى.
مظاهره كثيرة من ضمن ذلك:-
فأنت عندما لا تتحرز من البسيط ثم تقع في الكبير، هذا يدل على ضعف في إيمانك، هذه ظاهرة تدل على أن عندك ضعفاً، إذ لو أن عندك قوة في دينك وإيمانك ما تحرزت من الصغير ووقعت في الكبير، بل حرصت على عدم الوقوع في الكبير أولاً والصغير ثانياً.
وتراه يكثر من الصدقة لكن أمواله في البنوك..في الربا، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، يقول الناظم:
أمطعمة الأيتام من كسب فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي |
أمواله حرام ويبني مسجداً .. أمواله حرام ويتصدق على الفقراء والمساكين.
يا أخي: الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ريال حلال تنفقه والله إنه أعظم عند الله من مليون حرام؛ لأن الله يقبل منك الريال الحلال ويربيه كما يربي أحدنا فلوة حتى يكون كالجبل.
وأما الحرام فإن الله يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].
أيضاً: تجده يتصدق ولكن لا يبالي بتحليل لقمة العيش في عمله الوظيفي، يجيء الساعة التاسعة والنصف ويخرج الساعة الواحدة، يضيع ساعتين من الدوام في أولها وساعة ونصف في آخر الدوام.. ماذا بك؟ قال: ما عندي عمل!! هذا مسكين، هذا أكل راتباً حراماً، فلابد أن تحضر في أول دقيقة وتنصرف في آخر دقيقة إذا كنت تخاف الله، ولا تتذرع بأنه ما عندك عمل، فإن هذه الوظيفة مرابطة إن كان عندك عمل فاعمل، وإن كان ليس عندك عمل فاستعد للعمل، أما أن تتذرع بأنه ليس عندك عمل لا. فأنت مستأجر سبع ساعات، أجير عند الدولة، تأخذ راتبها في آخر الشهر، إلا إذا كنت تتأخر وتأتي آخر الشهر تحسب ساعات العمل وتقول: هذه لي والباقي لكم. لكن من الذي يعملها الآن؟؟ لو خصموا عليه عشرة ريالات أرغى وأزبد وأقام الدنيا وأقعدها، لكن كل يوم يخصم ساعتين أو ثلاث من الدوام ويضيعها من مصالح المسلمين، والذي ترونه الآن من تراكم المعاملات وضياع حقوق الناس كلها بسبب عدم قيام الموظفين بالدوام الرسمي، والله لو أن الموظفين يحضرون أول الدوام وينصرفون آخره، ما تتأخر معاملة عند شخص يوماً واحداً، لكن بعض المعاملات تقعد في مكتب الموظف أسبوعاً أو شهراً أو شهرين .. لماذا؟ لأنه يأتي متأخراً، وبعدما يأتي يقول: هات الشاي يا ولد، ثم يأتون إليه بالفطور نصف ساعة فطور وكلام! وبعدها يقرأ الجرائد وبعدها قال: أذن الظهر، وخرج يصلي، وبعد صلاة الظهر يأتي المراجعون قال: يا جماعة بعد الظهر ماذا تريدوني أن أعمل؟ أنا مكينة؟! أنا تعبت يا جماعة، تعالوا غداً، ويؤخر معاملات الناس، لكن لو جاء مبكراً هل يظل جالساً إلى أن يأتيه النوم؟ لا. أنا أعرف بعض الموظفين الطيبين يعملون سبع ساعات تماماً، سبعة ونص وهو على الطاولة يقول: والله إني أفرح بالمراجع إذا جاء، وأفرح بالسكرتير عندما يأتيني بالمعاملات، وأفرح بالكاتب الوارد عندما يحضر المعاملات، لماذا؟ يقول: من أجل أن أتسلى على الأقل، فأقرؤها من أساسها، أقرأ الورقة الأولى والثانية والشروحات ودورة المعاملة وأخرج بنتيجة وأعطيه إجراء ولا تعود عليَّ، لكن ذاك الذي يمررها لا يقرأ آخر كلمة ويقول: لإجراء اللازم. وبعض الموظفين يكون مسئولاً أو مديراً أو رئيس قسم يقول للسكرتير: اشرحها من عندك، واعطني أوقع فيها، والله ما درس فيها ولا شيء .. لماذا هذا؟ لأنه ما صرف وقت دوامه في خدمة المسلمين وبالتالي ترتب على هذا أكله للحرام، وتراه ينفق ويتصدق..وهذا من ضعف دينه، إذ لو أن في دينه صلابة وقوة لحرص على أن تكون لقمة عيشه حلالاً.
وأيضاً ترى بعض الناس يتهجد طوال الليل لكن ينام عن صلاة الفجر، يقوم مثلاً الساعة الثالثة والنصف أو الرابعة ويصلي، فإذا بقي على الفجر نصف ساعة جاءه الشيطان قال: باقي نصف ساعة نم قليلاً، ونام ومنها إلى الساعة السادسة والنصف أو السابعة .. هذا مسكين والله لو صلى الدهر كله وما صلى الفجر في المسجد فما له من عمله إلا الخيبة؛ لأن صلاة الفجر في المسجد علامة الإيمان، وعدم الصلاة للفجر في المسجد علامة النفاق والحديث في الصحيحين تعرفونه: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وتراه يبالغ في رفع ثوبه وتقصيره ولكن لا يهتم بنظافة عينه، ثوبه قصير لكن عينه خربة ينظر إلى النساء، هذا أيضاً هزيل في دينه، إذا رأى امرأة نظر إليها ويعرف أن الله عز وجل يراه.
وتراه يبالغ في تسريح لحيته وتنظيفها ولا يهتم بتنظيف قلبه من الحقد والحسد والغيظ والغضب والأمراض الخطيرة التي تحرق الدين والإيمان، يغضب على فلان، ويحسد فلاناً ويسب فلاناً.
يا أخي! اللحية هذه مظهر من مظاهر الرجولة وسنة من سنن النبوة لكنها يتبعها أشياء أخرى، يتبعها أشياء في القلب، فإذا تممت باطنك بصلاح ظاهرك كان أفضل، لكن إذا كان الظاهر صالحاً والباطن سيئاً -والعياذ بالله- هذا يدل على أنه ما عرف الحقيقة، وأنه هزيل في إيمانه، وضعيف في دينه؛ وبالتالي يخشى عليه إذ لا تغني عنه هذه المظاهر شيئاً.
ومثل هؤلاء مثل إخوة يوسف عليه السلام لما رجعوا بعدما رموا أخاهم يوسف في الجب رجعوا إلى مصر ، وكانت تمر إبلهم في المزارع، والمزارع من هنا ومن هنا، وعندهم دقة لا يريدون الجمل أن يأكل من المزرعة فكانوا يكممون أفواه الإبل -نسميها فدامة- وهي قطعة من الخيش من أجل ألا يأكل.. لماذا؟ قال: حرام يأكل من هذا! وقذف يوسف في الجب حرام أم حلال؟! ومثل بعض الذين قتلوا الحسين كانوا يسألون ويستفتون عن حكم دم البعوضة ولا يستفتون عن حكم دم الحسين وإراقته..هذا من سوء الترتيب في العمل الإسلامي.
شخص تباحثت أنت وهو فجاء الحق على لسانه ماذا تقول؟ تقول: جزاك الله خيراً، إنني أبحث والله عن الحق وما دام أنك وجدته قبلي الله يجزيك الخير، أنا أبحث عن الحق، والحق ضالتي، أنا أبحث عنها. لكن إذا كان النقاش لغير الله تولدت الحساسات، وتولدت الخصومات، وتحفز الواحد، وانتفخت أوداجه، وبرزت عيونه، وارتفع صوته وقام، وما بقي إلا أن يضارب، تقول له: بالدليل يقول: لا. هذه الآية الكريمة معناها كذا. هذا الحديث. قال: ما هو بصحيح، قال العلماء فيه غير ذلك؛ لأن هدفه الانتصار لنفسه لا الانتصار للحق.
وما موقفك أنت من هذا؟ إذا وجدت مجلساً مثل هذا فقم، وقل السلام عليكم، يقول المسلم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55] وبعد ذلك: هناك ثواب لك، يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا كفيل ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) والمجادلة يقول الله فيها: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] ويقول: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] بالتي هي أفضل ليس بالمضاربة، والشافعي يقول: ما ناقشني عالم إلا غلبته، ولا ناقشني جاهل إلا غلبني. قالوا: كيف؟ قال: العالم يناقشني بالدليل فأغلبه بالدليل، والجاهل يناقشني بالصميل وما عندي صميل؛ لأن ذلك لا يريد أن يغلبك غصباً .. فهذا من أسباب الضعف أن ترى الحوارات، وإذا رأيت واحداً ما بقي إلا أن يفتري على الله أوقفه؛ لأن الله عز وجل نهى عن سب آلهة الكفار رغم أن سبها طاعة لله، لكن حتى لا يسب الكفار إله النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108] فأنت لا توصلها مع هذا إلى درجة تجعله يمكن أن يكفر فيرد آية أو حديثاً، وإنما قل: شكراً، جزاك الله خيراً وأنت على حق، ونسأل الله أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل، وقم.
تذكر الصحف اليوم أن المجاهدين في شمال أفغانستان يبيعون أسلحتهم ليشتروا طعاماً لأبنائهم، ونحن نرمي الطعام في الزبالات، الله أكبر..!
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب |
الكلاب الآن لا تأكل الرز إلا مطبوخاً ولا تقول شكراً لا نريد، الكلاب شبعت والأسود في غابات الأفغان تموت جوعاً ويبيع الواحد سلاحه من أجل ألا تموت زوجته وأطفاله .. أين نحن -أيها الإخوان- من إخواننا؟! ألا إنا لله وإنا إليه راجعون..! هنا وهناك عليكم بالتبرع والمساهمة لإخواننا -أيها الإخوة- لا نغفل عن إخواننا؛ لأننا إن غفلنا برهنا على أننا لسنا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى (المؤمن للمؤمن كالبيان يشد بعضه بعضاً) كيف -يا أخي- تنام، وكيف تشبع، وكيف يضيمك بطنك من الأكل، وأخوك يموت من الجوع ويبيع سلاحه من أجل أن يعشي ابنته أو ولده؟! هناك مائتا طفل يموتون يومياً من الجوع! ونحن نموت من الشبع، تفقعت بطوننا! لا إله إلا الله.. فالإسراف والإغراق في المباحات كلها مظاهر بعض الناس اليوم يهتم بشكله ويمكث أمام المرآة ساعة، يتزين ويجمل نفسه. يا أخي!! والله لو تمكث تتزين فإن جمالك ليس هو بهذا الشكل، جمالك في مروءتك وفي دينك وقوتك ويقينك وزهدك وورعك، أنتم ترون بعض العلماء الآن مثل الشيخ عبد العزيز بن باز -الله يمتعنا بحياته- لا يهتم بشكله، ثوبه قد رأيتموه، وغترته، وبشته، لكن ما رأيكم فيه؟ لا أحد يراه إلا يمتلئ قلبه حباً في الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن المظهر ليس كل شيء، وعلى الإنسان أن يهتم بمظهره ولكن في حدود المعقول، بحيث لا يصبح المظهر شغله الشاغل، فلا تسرف ولا تكثر ولا تغرق في المباحات.
وعلامة لين القلب أو قسوته الطاعات، فالذي يقوم بالطاعات ويترك المعاصي هذا قلبه لين، والذي قلبه متحجر يؤثر تحجر قلبه في الطاعات فلا يأتي بها، ويؤثر تحجر قلبه في المعاصي فيمارسها.
هذه بعض مظاهر الضعف.
من أسباب الضعف: الغلو والتشدد وعدم الاعتدال والسير في الطريق الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤدي عدم الاعتدال إلى الانقطاع؛ لأن المْنْبَتَّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، من هو المْنْبَتَّ؟ المنبت: هو الذي يريد أن يسافر -مثلاً- من هنا إلى جدة على الجمال، ومعه جمل، وكانوا يأخذونه على مرحلتين، لكنه قال: سآخذها في مرحلة واحدة ومشى وفي نصف المرحلة إذا بجمله يموت ومات هو جوعاً، فلو أنه قعد يستريح ويتعشى وصل، ولهذا قالوا: المنبت ( يعني الذي يتجاوز الحد) لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، لا هو قطع الطريق ولا هو أبقى لنفسه ولا جمله وإنما قطع ظهره وما قطع المسافة.
فالمتشدد الغالي..الجافي، الذي يتنطع ويتجاوز السنة، ولا يُفهم -أيها الإخوة- التشدد أنه السنة، بعض الناس الذي هو ضعيف متسيب تارك للدين إذا رأى أهل السنة قال: هؤلاء متنطعون، فأهل السنة الذين يقيمون أوامر الله هؤلاء ليسوا بمتنطعين، لكن من هو المتشدد؟ المتشدد له صور، ولكن قبل الصور نبين الأدلة على التحذير من التشدد، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرج الإمام أحمد : (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) ويقول صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) رواه مسلم وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين يسر، ولم يشاد الدين أحد إلا غلبه).
وصور أو مظاهر التشدد ما ثبت في البخاري ، عن عثمان بن مضعون : أن ثلاثة من النفر سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءوا إلى بيت الرسول وسألوا عن عبادته، فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام الليل أبداً، والثاني قال: وأما أنا فلا أتزوج النساء أبداً، وأما الثالث فقال: وأما أنا فلا أفطر الدهر أبداً -أصوم دائماً-. فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر عرف أن هذا يتعارض مع منهج النبوة، ومع طبيعة الإسلام والدين، وأن هذا دين النصارى الرهبانية؛ فناداهم وقال: (ما بال أقوام يعملون ويقولون كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فمظاهر التشدد أنك تصوم الدهر كله وهذا مظهر لا ينبغي لك فعله، ومن مظاهر التشدد أنك تقوم الليل كله وهذا لا ينبغي لك، فلنفسك حق ولأهلك حق ولعملك حق .. ولهذا الذي يقوم الليل كله من العشاء إلى الفجر بعد ذلك يترك القيام كلياً، لكن لو قام نصف ساعة فصلى ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمان أو أحد عشر وهي أعلى شيء وهو الهدي النبوي! ما أعظم من ذلك! لأن الدين وسط، والله يقول: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:143] والوسطية تعني الاعتدال في بعض مفاهيمها.
أيضاً: من صور الغلو ما نسمع، حيث سمعنا وما ندري هذا الكلام صحيح أن هناك أناساً يقولون: لا نستخدم الكهرباء في بيوتنا! لماذا؟! قال: لأن الكهرباء هذه آلة تشغل عليها آلات الباطل، والهواء الذي نستنشقه أنت أليس أهل الباطل يستنشقونه؟ والماء الذي أنت تشربه أليس أهل الباطل يشربونه؟ والأرض التي تسير عليها أليس أهل الباطل يسيرون عليها؟ هذا منكر وهذا لا يجوز يا أخي!
فالكهرباء نعمة من نعم الله يمكن أن تستخدمها في طاعة الله، ويمكن أن تستخدمها في معصية الله، مثل الماء يمكن أن تستخدمه في طاعة الله فتشربه وتستعين به على الطاعة، ويمكن أن تشربه وتستعين به على المعصية، ومثل الزاد الذي تأكله، فالمؤمن يأكل من نعم الله ويقوم بها في طاعة الله، والفاجر يأكل من نعم الله ويقوم بها في معصية الله، كل النعم في الدنيا سلاح ذو حدين إن استعملتها في الخير فهي خير، وإن استعملتها في الشر فهي شر.
يقول لي أحد الأشخاص: بأنه جاء إلى مسجد والناس يكادون يموتون من الحر في مدينة من المدن التي فيها جو حار يقول: والمكيف مقفل، والمراوح مقفلة، والإمام يصلي بهم وعرقهم يصب وهم في حالة من التعب لا يعلمها إلا الله! يقول: صلى معهم ركعتين في التراويح ولما سلم قال لهم: شغلوا المكيف والمروحة..فقال له الإمام بعد أن تلفت فيه قال: من أين جئت أنت؟ قال: جئت من الأرض أريد أن أصلي معكم. قال: لا. المكيف ما نشغله. قلت: لماذا؟ قال: لأنه يفسد علينا خشوعنا..سبحان الله العظيم! هذا من التشدد في الدين، بل على العكس الذي يفسد عليك خشوعك الحر، فإذا كيفت الجو وصار الجو بارداً وجميلاً فإنك تخشع في قلبك، لكن عندما تكون كأنك في فرن كيف تخشع؟ تريد أن تنفك من الصلاة بأي وسيلة .. فهذا من مظاهر الغلو والتشدد.
ومن مظاهر الغلو والتشدد: الغلو في رفع الثوب، من الشباب من يقصر ثوبه؛ لأن إسبال الثوب حرام، فما تحت الكعبين ففي النار، والإسبال من المخيلة (وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب). وفي الحديث: (نعم الرجل
ومن مظاهر التشدد: المبالغة في رفع اليدين ووضعها على الصدر، فقد ورد حديث في البخاري عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى) وفي الزيادة: (على صدره) في صحيح ابن خزيمة ، زيادة على شرط البخاري (على صدره) والصدر يبدأ من عظام القفص الصدري إلى نهايتها، لكن لماذا تجعلها على عنقك؟ هذا غلو، أم تريد أن تشعر الناس أنك من أهل السنة؟ فهذا رياء، بل سر في الوسط؛ لأنك وسط.
أيضاً: من مظاهر التشدد ما نلمسه عند بعض الإخوان في المراصة في الصفوف، إذا جاء في الصفوف الأصل في السنة أنك تقف وبعد ذلك تقترب من الذي بجانبك مما يلي الإمام، وذاك يقترب من الذي بجانبه مما يلي الإمام، بحيث يتراصون ويتقاربون ولا يبدون ولا يبقون فرجة، فإن الفُرَج إذا بقيت بين الصفوف دخل منها الشيطان كالحذف يعني: كالبهمة الصغيرة، هذا الأصل، لكن بعض الناس لا يريدك أن تقترب منه، فإذا قربت منه ابتعد عنك، فتضطر أن تصلح خطأه فتفتح رجليك ثم يبتعد منك فتفتح رجليك انفتاحاً شديداً.
وهذا لا ينبغي بل على كل مسلم أن يكون قريباً من أخيه المسلم.
أيضاً من التشدد والمبالغة: ما نلمس عند بعض الإخوة وهو يسجد، المجافاة سنة، أن تجافي بين عضديك وجنبيك، وبين بطنك وفخذيك .. فهذا من السنة، لكن بعض الإخوة يبالغ ويمتد كأنه سينام، وبعضهم يربض كما تربض الشاة، فكلا الأمرين خطأ سواء كان تساهلاً أو تشدداً.
فالإيمان لابد له من جهد، فعليك أن تعود نفسك وتروضها وتعدها ابتداءً لهذه المسائل، ولذا نلمس ونجد في القرآن الكريم التأكيد على هذه الناحية، يقول الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [الأنفال:28] ويقول: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179] يعني: بالبلاء، ويقول: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3] ويقول عز وجل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:3] فلا بد من الابتلاء، فقد تبتلى بزوجة سيئة، أو تبتلى بأب عنيد، أو بأم عنيدة، أو ببلاء، أو بمدير، أو بزميل، تبتلى بمجتمع..لا بد أن تصبر حتى إذا فاجأتك العقبات في الطريق وإذا عندك استعداد على أن تثبت حتى تلقى الله عز وجل.
وفي الحديث الآخر في مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه).
ولا نضيع الوقت في غيبة ونميمة وندعي بأننا طلبة علم .. بل هؤلاء طلبة جهل، ويعيشون على هذا الوضع سنين طوالاً وتسأل بعضهم في أبسط جزئية من مسائل العلم لا يعرفها .. لماذا؟ لأنه أضاع حياته في النيل من الناس وبالكلام، وفي فلان طويل وفلان عريض .. فهذا لا ينبغي أيها الإخوان! هذا يؤدي بالتالي إلى الضعف والتراخي.
صلى وصام لأمر كان يقصده لما انتهى الأمر لا صلى ولا صام |
يجب عليك أن يكون قصدك في هدايتك وبدايتك ما عند الله تبارك وتعالى؛ لأن ما عند الله يبقى، وما عند الناس يفنى.
هذه أيها الإخوة بعض الأسباب.
يا أخي: ليس عليك الاستجابة، عليك أن تدع على الله النجاح، مثل المزارع يبذر وعلى الله الزرع، أما أن تدعو وتريد رؤية النتيجة أو تترك فهذا خطأ.
فما رأيكم الآن في المدارس لو أتوا في أول السنة وقالوا للمدرسين: يا مدرسين! لا يحتاج الأمر إلى برنامج ولا جدول دراسي ولا مناهج، كل منكم يأخذ له مجموعة من الأطفال ويعلمهم إلى آخر السنة .. كيف يكون التعليم؟ فوضى، لكن من أول السنة كل مدرس يقسم له برنامج منظم ومقسم على أشهر السنة، ثم يتابع ذلك البرنامج حتى تنتظم العلوم.
فالبرامج وترتيبها شيء مهم، والمسلم مرتب، إن الذي ينظم متاعه لا يتعب، إذا رتبت كتبك فإذا أردت كتاباً تلقاه، لكن بعض الناس لا يدري في أي مكان وضع الكتاب، وإذا أراد أن يبحث لا يجد الكتاب فيترك البحث. لماذا؟ لأنه ليس مرتباً.
تجد المرأة التي لا تعرف أن تدبر منزلها إذا دخلت مطبخها فإن الأدوات ليست مرتبة، فإذا سألها زوجها: أريد ملعقة؟ ذهبت تبحث عنها بين القدور. أريد سكيناً. ذهبت تبحث عنه بين الأكواب، لكن لو أنها منظمة ووضعت كل شيء في مكانه، تفتح كل درج وتنظر كل شيء في مكانه؛ فترتاح.
فنحن مأمورون -أيها الإخوة- بالترتيب في حياتنا.
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي |
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي |
فالإيمان له أساسيات، نبدأ بالأساسيات حتى إذا ضمناها بدأنا في الأشياء الثانية التي تأتي من دين الله عز وجل، تقول عائشة رضي الله عنها -والحديث في البخاري - تقول: [إنما نزل أول ما نزل من القرآن سور فيها الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، ودخلوا في دين الله، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمر، لا تزنوا، لقال الناس: لا ندع الزنا، ولا ندع الخمر] أول ما نزل: تقوية الإيمان، ذكر الجنة، وذكر النار، وأخبار الرسل، واليوم الآخر .. كل هذه جاءت في أول القرآن، وبعد ذلك لما حيت القلوب، وثاب الناس إلى الدين وآمنوا بالله، نزل الأمر مباشرة، ونزل النهي مباشرة .. لماذا؟ لأنهم آمنوا بالله الذي لا إله إلا هو.
وكان لابن السماك -وهو إمام من أئمة العلم- كان له قبر في بيته، إذا قسا قلبه نزل فيه، ثم يقفل عليه، ثم يدعو أولاده يقول: رب ارجعون..رب ارجعون..فيفتح له الأولاد، فيقوم ويقول: يا ابن السماك ..اعمل صالحاً قبل أن تقول: رب ارجعون فلا يفتح لك أحد. يقول الله: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].
هذه أيها الإخوة! مجمل الأسباب التي يمكن للمؤمن أن يأخذها، وأنا أرجو من إخواني الكرام ألا تمر هذه المحاضرة مر الكرام عليهم، بل لا بد من مراجعتها، وسماعها، والوقوف عند كل جزئية منها، ومراجعة النفس ومحاسبتها عليها، فإذا وجد الإنسان خللاً أو تقصيراً أو فتوراً فليصلحه، وإذا وجد قوة وثباتاً فليزد فيه، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يزيدنا وإياكم ثباتاً على دينه.
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم احفظ علينا أمننا وطمأنينتنا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرنا من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم آمنا في دورنا، واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
وأسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: مهنة التمريض من المهن التي تحتاجها الأمة؛ لأن المرأة المسلمة تتعرض للمرض وتدخل المستشفى وتحتاج لمن يقوم بخدمتها في عملية التمريض، وإذا تركت المرأة لتمرض وتعالج من قبل الرجال ترتب على هذا مفسدة، لذا لزم أن يوجد من النساء من يقمن بهذه المهنة ولكن بشروطها:
الحجاب، وعدم الاختلاط بالرجال، وعدم النظر أو الكشف عليهم حتى ولو كان طبيباً، إذا دخل الطبيب ليعالج المريضة والممرضة موجودة لزمها أن تحتجب وأن تنتقب ولا يرى منها شيئاً، إذا خرج الطبيب أو عمال النظافة أو الزوار أو الأقارب للمريضة هذه فإنها تكشف، وقد رأينا والحمد لله الآن بعض الفتيات الملتزمات مارسن مهنة التمريض واستطعن أن يقمن بها وهن ملتزمات بالدين ولا يكشف عليهن أحد، والحمد لله، ونسأل الله أن يوفقهن.
الجواب: الذي لا يصلي من الأرحام بعد نصيحته، وبعد دعوته، وبعد تبصيره، وإصراره على المخالفة وترك الصلاة، ينبغي هجره في الله، وبغضه في الله، فإن البغض في الله والحب في الله من أوثق عرى الإيمان لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ [المجادلة:22] فإذا كان هذا القريب فاجراً كافراً لا يصلي مثل هذا -والعياذ بالله- فلا ينبغي لك أن تزوره، إنما ينبغي لك أن تدعوه أولاً، وأن تبصره وأن تعطيه أشرطة، وأن تدعوه فإذا قرر واتخذ موقفاً منك وقال: ليس لك دخل في هذه المواضيع. فاقطعه، كما قال إبراهيم: كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] ولكن إذا كان عنده أقارب لك أنت في بيته فلا تقطعهم أنت بقطيعته وإنما تزورهم في الأوقات التي لا يكون فيها موجوداً مثلاً: عمك أخو أبيك، وعنده أيضاً عمتك أخت أبيك ساكنة معه فزيارتها طيبة، لكن متى؟ في الأوقات التي لا تلتقي بها مع هذا الرجل، فتسلم عليها وتهدي لها حتى تخرج من إثم القطيعة.
الجواب: الطبيب المسلم الملتزم يستطيع أن يعيش بإسلامه وإلتزامه في أي بقعة وفي أي مجال، اقذفه في البحر واكتبه سالماً؛ لأنه يخاف الله، ووجوده في المستشفى ووجود طبيبات أو ممرضات فينبغي له أن يعمل على الحيلولة إذا كان له أمر، دون التقاء الرجال بالنساء، وإذا لم يكن له أمر فلا أقل من أن يعمل على حيلولة نفسه بغض بصره، فيغض بصره ولا أحد يستطيع أن يقول لك: افتح عينك ولو كانت ممرضة، وقد ذكرت لكم قصة عن طبيب كان يشرف على علاجي في مستشفى عسير المركزي، وكيل كلية الطب، أستاذ في الباطنية وهو من إخواننا في الله، وقد كان يكتب لي الوصفة ومعه ثلاث ممرضات، والله جلس معي أكثر من نصف ساعة وهو يتكلم معي، ويكتب، ويأخذ، ويقرأ التحاليل، وما نظر نظرة واحدة إليهن، وإنما كانت عينه كلها في الورق، يكتب، يكلمها وهو يكتب، لكن بعض الناس لا .. يتكلم وهو يضحك، يتلفت فيها، يقول: نحن مضطرون .. لا. أنت لست مضطراً أن تضحك مع المقابل، أو تنظر إليها أو تعصي الله عز وجل.
الجواب: هذا الكلام قد قلناه في أكثر من مناسبة، وقلنا للمرأة: عليها أن تتقي الله، إذا أرادت أن تأتي لحضور مجالس العلم فعليها ألا تأتي بأطفالها؛ لأن مجالس العلم لها حرمة، ولها قداسة، والأطفال لا يعرفون حرمة هذه المجالس، يصيحون ويعبثون ويسببون لها القلق ولا تستفيد، فلا تسمع المحاضرة ولا تتابع، وتشوش على زميلاتها اللاتي عندها من المؤمنات اللاتي ما عندهن أطفال، وتشوش على الرجال فتأتي تريد أجراً فتخرج بوزر كبير والعياذ بالله.
نقول لها: إذا كان عندها أطفال تجلس في بيتها، وتطلب من زوجها أن يأتيها بالمحاضرة في شريط تسمعه بدون إثم إن شاء الله، وإذا كان عندها أطفال كبار تستطيع أن تتركهم في البيت فتأتي، وإذا كانت لا تستطيع فنقول: أجرها حصل بنيتها إن شاء الله.
الجواب: الخلاص يا أخي المسلم! يأتي عن طريقك أنت، ليس هناك شيء نستطيع أن نضعه فتترك المعصية، لكن إيمانك، وشعورك بخوفك من الله، تذكرك عذاب الله، تذكر إذا أردت أن ترتكب المعصية أنه يمكن أن يختم لك بها فتختم لك سوء الخاتمة، هل عندك ضمان أنك تعيش بعد المعصية؟ لا. ليس عندك ضمان.
يا أخي: اتق الله وخذ القضية بجد، واستشعر عظمة من تعصيه، ثم تذكر بعد المعصية كيف ألمها ومرارتها ولذعتها في قلبك، هل يعدل هذا الألم لذتها؟ لا. والله لا يعدلها، فإن ألم المعصية لا يعدل لذتها، بل اللذة قصيرة والألم مرير في الدنيا والآخرة.
نقول: اتق الله، وما دام نذرت ثم غدرت فعليك أن تكفر كفارة وتتوب إلى الله ولا تعُد -إن شاء الله- إلى المعصية.
كلمة، أو قصاصة ورق تنتشر بين الناس، عبارة عن صورة أخذت بالكمبيوتر للقصبة الهوائية وللرئة اليمنى، يقولون: إنهم لاحظوا من خلالها أن فيها مكتوب (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وحقيقة المتأمل فيها يرى أنه فعلاً مكتوب "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ونحن إن صدقت هذه فهذه آية من آيات الله تزيدنا إيماناً، رغم أننا مؤمنون بدونها، لسنا في شك، ولسنا بحاجة إلى أن نتمحّك وإلى أن نبحث عن أدلة، ..
يا عجباً كيف يعصى الإله أو كيف يجحده الجاحد |
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
إن كل ذرة من ذرات الكون، وكل خلية من خلايا هذه الحياة تشهد أن لا إله إلا الله، فإذا جاءتنا شهادة مثل هذه زادتنا إيماناً، وإن ثبت أن هذا غير صحيح فلا ينقص إيماننا ولا يضعف إيماننا بلا إله إلا الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله عليها نعيش، وعليها نموت، وعليها نبعث إن شاء الله، ونسأل الله أن يجعلنا من أهلها.
الجواب: جزاه الله خيراً، طبعاً ليس هناك اسم، ولا يريد إظهار اسمه، وحتى لو ذكر اسمه ما ذكرناه؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يظهر عمله للناس حتى لا يكتب عمله من الرياء، لكن يطلب مني رقم الهاتف، فالهاتف موجود ولكنني لا أريد أن أخبركم به؛ لأنني لو أخبرتكم به تعبت، ولكن من احتاج إليه فليبحث عنه وسيلقاه، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر